تحتفل تونس اليوم كسائر بلدان العالم بعيد الشغل،وعلى عكس ما يظن البعض فإن ما تحقق للشغالين من مكاسب على امتداد العقود المنقضية بالتوازي مع تطور الإنتاجية أضاف للدولة ولرأس المال إمكانات أكثر من خلال ارتفاع مردود الجباية المباشرة ومن خلال تحسن المقدرة الشرائية للتونسيين. إلا أن ما تشهده البلاد اليوم من وهن للدولة ومن فوضى اجتماعية ومن تراجع فاضح للإنتاجية ومن تفاقم ظاهرة الوظائف الوهمية ومن مطلبية مجحفة أضحى يقودها بخطى حثيثة نحو الإفلاس رغم توفر مقومات تنشيط الدورة الاقتصادية على غرار المستثمرين الخواص والذين تتوفر لديهم الامكانات والعزيمة وتجذبهم إلى الوراء ضبابية المشهد السياسي ويحبطهم واقع مأسوي مرير. وتزيد لغة الخطاب المتداول وخصوصا الذي بتنا نسمعه من قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل في صب الزيت على النار وهو الذي عهدناه إلى أشهر قليلة مضت داعما أساسيا للحكومة.. وعرفنا فيه صوت حكمة واستحقت فيه قياداته السابقة عن جدارة جائزة نوبل للسلام لقدرتها على إدارة الأزمات بالحوار البناء لإخراج البلاد من عنق الزجاجة. إن الصور التي ترسخ اليوم بأذهان التونسيين من تلاعب بمصير التلاميذ الذين أضحى نجاحهم أو تميزهم منذ سنوات طويلة رهينة الدروس الخصوصية التي ينتفع من ريعها الإطار التربوي، والصور التي ترسخ بأذهان التونسيين بعد تصريحات الأمين العام عن وجود اختراقات من الحكومة داخل الاتحاد وكأن الأمر يتعلق بعملية تجسس يقودها عدو وله عملاء متهمون بالخيانة العظمى .. إن مثل هذه الصور وغيرها من ردود الأفعال غير الموزونة من هذا الجانب أو من ذاك تزرع الخوف والخشية لا في نفوس التونسيين فحسب بل حتى في أذهان مختلف الأطراف الأجنبية التي تتعامل معها الدولة التونسية. إن كل المؤشرات الداخلية والخارجية تعلن صراحة أن زمن الفسحة وغض الطرف انتهى وأن الدولة مطالبة بفرض الانضباط والالتزام بالتوصيات الصادرة عن المؤسسات الدولية والتي لا تختلف في واقع الأمر في شيء عن توجهات الحكومات السابقة والحالية التي ضبطتها لنفسها منذ مدة لكن التراخي في التطبيق قادها إلى ما هو عليه حال ماليتها العمومية والذي بات يهدد أجور الموظفين وجرايات المتقاعدين. إن جميع التونسيين بدون استثناء مطالبون اليوم وأكثر من اي وقت مضى بمزيد التضحيات والصبر لإنقاذ بلادهم من حافة الإفلاس وهم في نفس الوقت مطالبون بالنظر إلى الأمام وتجنب الوقوف على الأطلال او إضاعة الوقت في تبادل التهم ... فكلنا مسؤولون على ما آلت اليه الأوضاع : سياسيون ومنظمات وطنية وشعب ..فنحن الذين أضعفنا الدولة وأفقدناها هيبتها ونحن من يسدد الفاتورة التي نأمل أن لا تكون ارفع مما نتوقع. لذلك نأمل أن يكون الاحتفال بعيد الشغل هذه السنة تحت شعار كلنا يد واحدة من اجل تونس فإن انهارت تونس فلن يكون هناك تونسيون.