شهدت الساحة السياسية التونسية أخيرا حدثين مثيرين للجدل، تمثل الأول باستقالة 25 نائبا وعضوا بارزا من حزب «نداء تونس» الحاكم الذي أسسه الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي، فيما تجلى الحدث الثاني باسنحاب 80 عضوا من حزب «حراك تونس الإرادة» أحد أبرز أحزاب المعارضة. الذي أسسه الرئيس السابق منصف المرزوقي ولئن تعددت الأسباب التي تقف خلف الاستقالات الجماعية من حزبي قائد السبسي والمرزوقي، إلا أنها أعادت الجدل حول فكرة «الزعيم الأوحد» أو «الأب الروحي» التي تطبع أغلب الأحزاب التونسية، بحيث يرتبط الحزب كليا بشخصية واحدة ويبقى ملازما لظلها، ويتحول إلى مجرد «جمعية» أو مكتب مُلحق بها، وينهار بمجرد رحيل هذه الشخصية أو انشغالها بأمور أخرى. وإذا كان المقارنة لا تصح – حسب بعض المراقبين – بين شخصيتي الرئيسين السابق والحالي، على اعتبار أن الأول يملك تاريخا حقوقيا كبيرا فيما يعتبر الثاني أحد أبرز رجال المنظومة القديمة، فإن أغلبهم يؤكدون وجود تشابه بين حزبي قئد السبسي والمرزوقي على صعيد غياب المؤسسات الفاعلة التي تؤمن التسيير «الجماعي» لهذا الحزب أو ذاك، وبالتالي تكفل الاستمرار للحزب، بغض النظر عن وجود الزعيم أو غيابه. وكان تسعة نواب وستة عشر قيادي وعضو محلي أعلنوا أخيرا انسحابهم من الحزب الحاكم، بسبب «خيبة أملهم» من طريقة إدارة وتسيير الحزب، فيما أعلن 80 عضوا استقالتهم من حزب «حراك تونس الإرادة» مؤكدين مؤكدين «استحالة» إصلاح مسار الحزب سياسيًا وتنظيميًا، واستمرار «تبعيته» لحركة «النهضة». ودوّن عماد الدائمي نائب رئيس حزب «الحراك» معلّقا على الاستقالة الجماعية من الحزب «شعار المرحلة: قتل الاب! المحاولة قد تشفي غليلا، ولكن لا تبني مشروعا»، فيما الوزير والقيادي في حزب المرزوقي السابق (المؤتمر من أجل الجمهورية، سليم بن حميدان، انتقادا لاذعا للقياديين المستقيلين عدنان منصر وطارق الكحلاوي، مشيرا إلى أنها حاولا كسب ورد حركة «النهضة» في انتخابات 2011، قل أن يلتحقا بحزب المرزوقي السابق (المؤتمر من أجل الجمهورية) ليساهما لاحقا في «حل» الحزب، وتأسيس حزب «الحراك» الذي «تبوآ فيه أعلى المناصب القيادية (الأمانة العامة والإشراف على لجنة الانتخابات). غير أنهما فشلا في هيكلة الحزب وفي الانتخابات البلدية فشلا ذريعا رغم منحهما أوسع الصلاحيات من مؤسسات الحزب ومن المرزوقي نفسه، بل تحولا إلى عنصري احتقان داخلي فتم استبعادهما بالوسائل الديمقراطية». وكتب المؤرخ والباحث السياسي د. عبد اللطيف الحنّاشي على صفحته في موقع «فيسبوك»: «الاستقالة من الاحزاب او الانشقاقات او التشظيات تبدو طبيعية في البلدان التي تعيش الانتقال الديمقراطي ومنها تونس بحكم عدة عوامل منها: محدودية التجربة الحزبية بالمفهوم الحديث والدقيق للحزب تقنيا ومضمونا وذلك قبل الاستقلال ومن بعده نتيجة طول فترة الاستبداد (بورقيبة وبن علي)، وحداثة الفاعلين في العمل السياسي داخل تلك الاحزاب، وحدة التجذابات على اسس غير فكرية بل مصلحية في الغالب (ذاتية)، وسيطرة الزعيم المؤسس الفرد الذي غالبا ما يتميز بنرجسية تكاد تكون مطلقة واحيانا مؤذية للحزب ومنتسبيه، وانعدام الرؤية الفكرية والسياسية (استراتيجية- مستقبلية) والاكتفاء ببرامج سياسية طارئة ردّا على مواقف الاخرين، وغياب الممارسة الديمقراطية، ودور الولاءات الفرعية في تكوين الاحزاب (الجهة، القرابة، المصلحة الخاصة المادية غالبا) والمحاباة». وأضاف الباحث سامي براهم «كلّ الأحزاب التي تتمحور حول شخص لا حول برنامج ورؤية وعمل جماعي مآلها التشقّق والاضمحلال. لم يعد من المقبول من حيث الجدوى السياسيّة والاستجابة لاستحقاقات الواقع ورهاناته أن ترتهن الأحزاب لأشخاص ملهمين مهما كانت مواهبهم وشرعيّتهم. هذا عصر التّسيير الجماعي والمؤسّسات الدّيمقراطيّة وتعدّد الآراء والتّمكين للشّباب والنّساء وأصحاب الكفاءات والخبرات، ينطبق هذا على كلّ الأحزاب حتّى تلك التي تبدو متماسكة وقويّة وعصيّة عن التفكّك. لا يمكن إدارة مرحلة تأسيس ديمقراطيّ في إطار مسار ثوريّ بأحزاب تقليديّة تشتغل بالمناولة لتحقيق طموح شخص، والدّوران في فلك الزّعيم الملهم والمنقذ من الضّلال والنّاطق الرّسمي والقيادي التّاريخي الذي لا يشقّ له غبار». وعادة ما يرد المراقبون ظاهرة «الزعيم الأوحد» في الأحزاب التونسية (الحديثة خصوصا) إلى التصحّر أو الفراغ السياسي الذي خلقه نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وهو ما دفع لاحقا عددا كبيرا من رجال الأعمال وسواهم ممن لا يمتلكون أية خبرة سياسية لتأسيس أحزاب جديدة، فضلا عن سيطرة طبقة سياسية «هرمة» على المشهد السياسي في ظل عزوف أو إقصاء الشباب من الفعل السياسي، إضفة إلى تحكم رأس المال بالمشهد السياسي والإعلامي في البلاد.