أصدرت اليوم جمعية القضاة التونسيين بيان ثمّنت فيه عمل محكمة المحاسبات وقضاتها من خلال التقرير السنوي الذي أصدرته مؤخرا وعرضته على الرأي العام لما يمثله ذلك من نقلة نوعية في انفتاح أحد أهم المؤسسات القضائية وتكريس ممارسات الشفافية والمساءلة. ونبّهت الجمعية الى خطورة المس بمحكمة المحاسبات وقضاتها والتأثير عليهم أثناء أدائهم لمهامهم خاصة وأن الرقابة على حسن التصرف في المال العام وإعلام السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة ودافعي الضرائب بنتائجها كأداة للمساءلة ولتقييم أداء الهيئات العمومية واتخاذ الإجراءات الضرورية لتحسينه من صميم أعمال محكمة المحاسبات باعتبارها مكوّنا من مكوّنات السلطة القضائية والجهاز الأعلى للرقابة بتونس. وفيما يلي نص البيان: إن المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين وعلى إثر صدور التقرير السنوي الواحد والثلاثين لمحكمة المحاسبات المتعلق بنتائج أعمال المحكمة للسنة القضائية 2016-2017 والإعلان عنه في الندوة الصحفيّة المنعقدة بتاريخ 24 ديسمبر 2018، وبعد وقوفه على النقاشات والجدل العمومي والتعليقات التي برزت في سياق العرض العلني لمضامين التقرير السنوي، وإذ يؤكد على أهمية نشر التقرير السنوي لمحكمة المحاسبات كآلية من آليات الشفافية والمساءلة التي تمكّن دافعي الضرائب من مراقبة حسن التصرف في المال العام وعلى حسن أداء المؤسسات العمومية في ضمان جودة الخدمات المسداة لهم ولتمكين السلطتين التنفيذية والتشريعية من التأكد من سلامة صرف اعتمادات ميزانية الدولة فيما قُررت له ولتدارك الإخلالات التي تحصل في صرف تلك الاعتمادات وفي حوكمة التصرف فيها بشكل يجنّب إثقال كاهل الدولة بنفقات زائدة ويحد من مفاقمة تردي خدمات المرافق العامة والمؤسسات العمومية، وعلى إيجابية ايلاء الأهمية اللازمة لتقارير محكمة المحاسبات كأعلى هيئة رقابية من خلال النقاش والجدل العموميين ترسيخا للممارسة الديمقراطية وخاصة للتحسيس والتوعية بضرورة متابعة تنفيذ توصيات المحكمة في تلافي الإخلالات المسجّلة وسوء الأداء وضعف الحوكمة التي تثبت من خلال المهمات الرقابية، فإنه: أولا: يوضح بناء على ما برز من بعض التصريحات في خضم ردود الأفعال على مضمون التقرير الواحد والثلاثين من عدم فهم لصلاحيات محكمة المحاسبات كهيئة قضائية دستورية تضطلع خاصّة بمهمة مراقبة حسن التصرّف في المال العام وفقا لمبادئ الشرعية والنجاعة والشفافية وتقيّم طرق التصرف وتزجر الأخطاء المتعلقة به. وهو ما يخوّل لها الوقوف على الإخلالات الفنيّة التي تحدد بناء على قواعد مضبوطة من قبل الهيئات الخاضعة للرقابة والتي تلتزم بها طبق الأهداف العامة التي تعمل هذه الهيئات على تحقيقها في إطار نشاطها القانوني وطبق المعايير الدولية التي تنظم ذلك النشاط وأنه بموجب صلاحيّاتها في مجال الرقابة على الأداء التي تشمل الجوانب الفنيّة لعمل الهيئات الخاضعة للرقابة، تمكنت المحكمة من رصد الإخلالات المتعلقة بجانب سلامة النقل لدى الشركة الخطوط الجوية التونسية والتي اعتمدت في رصدها على الأدلّة الإجرائيّة والمذكرات والوثائق الداخلية للشركة التي شملتها أعمال الرقابة. ويبين في ذات السياق أن الرقابة على الأداء التي تشمل المسائل الفنيّة ولا تستثنيها قد شملت كل المؤسسات التي تمّت رقابتها وضمّنت نتائجها بالتقرير العام الواحد والثلاثين للمحكمة. ثانيا: يؤكد على أن التقارير الرقابية التي تنجزها محكمة المحاسبات تستوفي وفقا للقانون المنظم لها وللمعايير الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة جميع الإجراءات التحاوريّة التي تكفل حق الرد والدفاع وضمان مقوّمات المحاكمة العادلة وهو ما تمّ احترامه بخصوص تقرير الرقابة على شركة الخطوط الجوية التونسيّة حيث صادق الرئيس المدير العام على محاضر الجلسات الرسميّة التي تمّ عقدها إثر الإجابة على التقرير وتمّ نشر ردود الجهات المعنيّة به وهي الشركة وسلطة الإشراف التي أفادت أنّ ''وزارة النقل بصدد الإعداد لإحالة الملف المتعلق بأخطاء التصرف بشركة الخطوط التونسية وشركة الخطوط التونسية الفنية إلى دائرة الزجر المالي''. ثالثا: يعبر عن استنكاره ردود وتصريحات بعض مسؤولي الشركة التي اتسمت في جانب منها بالتشنج وبالتشكيك في كفاءة قضاة محكمة المحاسبات ومهنيتهم وفي الصلاحيات الدستورية الممنوحة للمحكمة كأعلى سلطة رقابية على حسن التصرف في المال العام وكهيئة دستورية قضائية تمثل إحدى مكونات السلطة القضائية حسب الدستور، خاصّة وأنّ هذه التصريحات الإعلاميّة والبيان الصادر عن الشركة بتاريخ 24 ديسمبر 2018 جاءت متضاربة مع الردود الرسمية التي وجّهت للمحكمة وتمّ تضمينها ونشرها بالتقرير السنوي الواحد والثلاثين. رابعا: يؤكد تثمينه لعمل المحكمة وقضاتها من خلال التقرير السنوي الذي أصدروه وعرضوه على الرأي العام لما يمثله ذلك من نقلة نوعية في انفتاح أحد أهم المؤسسات القضائية وتكريس ممارسات الشفافية والمساءلة ويهيب بهم مواصلة القيام بمهامهم بكل استقلالية وحياد ودون الخضوع لأية ضغوطات لما تمثّله أعمالهم من ضمانة لحسن التصرف في المال العام وتكريسا للشفافية وللحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد. خامسا: ينبّه إلى خطورة المس بمحكمة المحاسبات وقضاتها والتأثير عليهم أثناء أدائهم لمهامهم خاصة وأن الرقابة على حسن التصرف في المال العام وإعلام السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة ودافعي الضرائب بنتائجها كأداة للمساءلة ولتقييم أداء الهيئات العمومية واتخاذ الإجراءات الضرورية لتحسينه من صميم أعمال محكمة المحاسبات باعتبارها مكوّنا من مكوّنات السلطة القضائية والجهاز الأعلى للرقابة بتونس. سادسا: ينوه بتعاطي الإعلاميين والمختصين والفاعلين في الشأن العام المتابعين لأعمال محكمة المحاسبات من الذين تحروا الموضوعيّة والخبرة في التعليق على التقرير السنوي للمحكمة وأكدوا على أهميته وثمنوا جهود قضاتها في كنف الاستقلالية والحيادية في حراسة المال العام من سوء التصرف وغياب الحوكمة وممارسات الفساد بعيدا عن التوظيفات السياسية. سابعا: يسجل إيجابيا مبادرة السيد وزير النقل بتشكيل لجنة لدراسة تقرير محكمة المحاسبات حول شركة الخطوط الجوية التونسيّة كتصرف مسؤول يحترم أعمال المحكمة كهيئة قضائية مستقلة ويلتزم بها فضلا عما يمثله ذلك من تأكيد لسلامة أعمال المحكمة واستنتاجاتها ويستحث اللجنة المحدثة لمتابعة تنفيذ التوصيات ونشر نتائج أعمالها. ثامنا: يطالب السلطتين التشريعية والتنفيذية كل فيما يخصه بالانكباب على متابعة تنفيذ توصيات المحكمة لتلافي النقائص الهيكليّة المسجّلة في التصرف في المال العام والإخلالات والتجاوزات في مجال سوء استعماله والتقصير في الحفاظ عليه ومحدوديّة الأداء والجودة المتدنية للخدمات المسداة. تاسعا: يحثّ السلطة التشريعية للمصادقة في أقرب الآجال على القانون الجديد لمحكمة المحاسبات طبق ضمانات الاستقلالية العضويّة والوظيفيّة والإداريّة والماليّة للمحكمة ضمانا لاستقلاليّتها التامة عن السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة باعتبارها مكوّنا من مكوّنات السلطة القضائيّة والجهاز الأعلى للرقابة بالجمهوريّة التونسيّة ولتمكينها من صلاحيات متابعة توصياتها وفقا للمعايير الدوليّة ولأفضل الممارسات في هذا المجال.