بعد مرور ثماني سنوات على ثورة الحرية والكرامة كيف كانت سنة 2018 بالنسبة للسلطة القضائية هل كانت فعلا ثورة في القضاء أم لا وما هي تطلّعات القضاة لسنة 2019؟ في هذا السياق، قال ل"الصباح نيوز" أنس الحمادي رئيس جمعيّة القضاة التونسيّين في تقييمه للسنة القضائيّة لسنة 2018 وما هي تطلعات الجمعية باعتبارها اكثر هيكل ممثل للقضاة أن هناك أشياء إيجابية تحقّقت بالنسبة للقضاء وهناك عديد المسائل الأخرى التي لم تتحقّق بعد. تحسين الوضع المادي للقضاة وأشار الحمادي انّ ما تحقق في قطاع القضاء يشمل تحسين الوضعية المادية للقضاة حيث تم الترفيع في أجورهم بنسبة خولت من الحد من تدهور أوضاعهم المادية ومكنتهم من مجابهة ارتفاع الأسعار المشط والنقص الكبير في مقدرتهم الشرائية ولو بصفة جزئية حيث تمكن القضاة من قسط أول من الزيادة في أجورهم في جانفي 2018 ومن القسط الثاني في شهر سبتمبر 2018 كما تمكن قضاة كل من القطب المالي وقطب الإرهاب من بعض الإمتيازات العينية التي تخول لهم ممارسة مهامهم بأريحية قلصّت حجم الضغوطات التي كانت مسلطة عليهم خاصة وأن القطبين يتعاطيان مع ملفات خطيرة ودعمهما ماديا من شأنه أن يرفع من معنوياتهما. محكمة المحاسبات واعتبر محدّثنا أن سنة 2018 انتقلت فيها محكمة المحاسبات من فروعها المتشتتة الى مقر جديد وواحد بمركز العمران الشمالي وهو ما يمثل مسالة ايجابية للغاية خاصة وأن محكمة المحاسبات كانت قبل توحيد مقراتها مقسمة الى ثلاث مقرات متباعدة ولا تتوفر فيها الظروف الأدنى للعمل رغم تزايد الطّلب على محكمة المحاسبات على غرار تزايد مهمّاتها الرسمية ولكن بعد أن أصبح لها مقر واحد، أصبحت تحظى بمقر يليق بمؤسسة دستورية ضمن مؤسسات السلطة القضائية. كما عبّر أنس الحمادي عن أمله في أن ينحى القضاء الإداري والعدلي على نفس المنحى، موضحا: "القضاء الإداري مزال مشتت بين ثلاث مقرات مقر في نهج روما واخر في سوق الأهراس وثالث في مونبليزير .. ولهذا يجب تخصيص مقر لائق في مستوى عراقة المحكمة الإدارية وفي مستوى حجم الأعمال والمهام والإختصاصات الموكولة لها". المحكمة الإدارية وأضاف رئيس جمعيّة القضاة التونسيين أن سنة 2018 شهدت أيضا على مستوى المحكمة الإدارية احداث 12 دائرة جهوية و"خرج بالتالي القضاء الإداري من مركزيته" ، مُضيفا: "لقد كانت هذه السنة عنوان "لا مركزية القضاء الإداري" وذلك عن طريق تركيز 12 دائرة جهوية معتبرا أنها مسالة جديدة وتعتبر خطوة هامة نحو بلوغ الرؤية الدستورية ببعث محاكم ابتدائية واستئنافية ومحكمة ادارية عليا". وفي هذا الإطار، عبّر الحمادي عن أمله في أن يتحقق ذلك، مُستدركا بالقول: "ولكن نسجل بكل ايجابية مسألة انفتاح القضاء الإداري على الجهات" وهي مسالة هامة من حيث التخفيف على المتقاضي عبء الإنتقال الى المحكمة الإدارية بتونس العاصمة رغم ان اختصاص تلك الدوائر الجهوية للمحكمة الإدارية مازال محدودا". وفي سياق متّصل عبّر الحمادي عن أمله في أن تتحوّل الدوائر الجهوية للمحكمة الإدارية الى محاكم إداريّة لضمان بسط نفوذ القضاء الإداري على كامل تراب الجمهورية. أما على مستوى القضاء العدلي، فقد اعتبر أنس الحمادي انه رغم تثمينه بعض المجهودات المتعلقة بتحسين البنية التحتية لبعض المحاكم الا أن هذه المجهودات لم ترتقي بعد الى مستوى يضمن عدالة جيدة للمتقاضين، مشيرا إلى أنه رغم تدخل وزارة العدل على مستوى بعض المحاكم وبعض مقرات فروع المحكمة العقارية ومحاكم الإستئناف ورغم تركيز محكمة الإستئناف بجندوبة وباجة وبعض المحاكم الأخرى ...الا ان هذا المجهود يبقى دون المأمول والمطلوب نظرا لان المبالغ المخصصة في ميزانية وزارة العدل في 2012 لم ترتقي الى المستوى المطلوب لتمكن من تحسين البنية التحتية للمحاكم وهو ما اثر على مردودية بعض المحاكم، مضيفا أنه حتى في ميزانية وزارة العدل لسنة 2019 لم يتم رصد الأموال الكافية واللازمة حتى تتمكن الوزارة من تحسين البنية التحتية ومستوى الخدمات المقدمة للمتقاضين في بعض المحاكم. ولاحظ أن هذه المسالة تبقى العنصر الأكبر الذي يحتاج الى مجهود كبير، معبّرا عن "أسفه" خاصة وأنه كان يعتقد أن سنة 2018 ستكون السنة التي يتم فيها احداث صندوق جودة العدالة وهو مقترح كانت قدمته الجمعية الى وزارة العدل ورئاسة الحكومة منذ سبتمبر 2016 وأنه رغم اقتناعهما به وبفاعليته ونجاعته والنتائج المؤكدة التي سيحققها على مستوى تحسين البنية التحتية للمحاكم والرفع من مردوديتها خدمة للمتقاضين ولكن المقترح لم يلقى الى حد الآن التجاوب المطلوب من قبل السلطة التنفيذية. وأضاف أن جمعية القضاة كانت تعتقد أن قانون المالية لسنة 2019 سيتضمن هذا المقترح للرفع من مستوى الخدمة القضائية في أعلى مستوياتها باعتبار أن ذلك سيعود بالنفع ليس فقط على القضاة بل عل كل المتعاملين مع الشأن القضائي وكانت ستكون له ايجابيات على المستوى الداخلي والخارجي ودفع الإستثمار الخارجي في بلادنا لأنه لا يمكن للمستثمر الأجنبي ان يقبل على الإستثمار في تونس دون ان تكون العدالة في اعلى مستوياتها. وتابع في نفس الموضوع، قائلا: "هناك بعض المسائل التي لم تتحقق والمتعلّقة ببعض القوانين، وكان القضاة يأملون أن سنة 2018 ستكون سنة المصادقة على قانون التفقدية العامة للشؤون القضائية، التنصيص بكل صراحة على استقلالية النيابة العمومية، وضع مدوّنة السلوك للقضاة وارساء الإستقلال المالي والإداري للمحاكم، المصادقة على القانون المتعلق بمحكمة المحاسبات، المصادقة على مجلة القضاء الإداري ولكن للأسف فكل هذه القوانين المجسدة للمبادئ الدستورية التي جاءت في باب السلطة القضائية لم ترى النور معتبرا أن ذلك كان له تأثير كبير في بلورة مقتضيات السلطة القضائية على مستوى باب التشريعات .. ونأمل في أن تتم المصادقة على هذه القوانين قبل انتخابات 2019." المجلس الأعلى للقضاء وبالنسبة للمجلس الأعلى للقضاء، قال أنس الحمادي "إن آداءه كان سلبيا على أكثر من وجه من ناحية تعاطي المجلس مع جمعية القضاة والهياكل الممثلة للقضاة فقد كان تعاطي سلبي فيه انغلاق وتقوقع وعدم ارساء سياسة اتصالية أو مبدأ التشاركية والحوكمة الرشيدة في آداء المجلس لمهامه وقد اختار المجلس سياسة أحادية وانفرادية في ادارة الشأن القضائي"، معتبرا أن ذلك فيه تراجع كبير على المكتسبات التي عشناها في زمن الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي كذلك من حيث الحركة القضائية فلم يتبع المجلس المعايير الموضوعية في المفاضلة بين القضاة اذ لم تكن على اساس معايير واضحة مبنية على الكفاءة والحياد والإستقلالية بل كانت مبنية على معايير المحسوبية والعلاقات الشخصية وقد اضر ذلك بصورة المجلس وبآداء العديد من المحاكم". وقال الحمادي: "كان من المفروض ان تكون سنة 2018 سنة الإعلان عن النظام الدّاخلي للمجلس وسنة تقديم الإقتراحات لتحسين وضع العدالة باعتبار وأن المجلس له سلطة تقديم المقتراحات الضرورية لتحسين المنظومة القضائية ولكن للأسف كل هذه المهام لم يضطلع بها المجلس رغم أنه تمكن في 2018 من الحصول على مقر وله اعتمادات تمكنه من الإضطلاع بالمهام الموكولة اليه بالقدر الكافي وفي ظروف ملائمة مضيفا أن سنة 2018 لم تكن سنة النقلة النوعية في عمل المجلس مثلما كان منتظر منه فقد غلبت عليه البيروقراطية وطول الآجال وعدم احترام اجال البت في الحركة القضائية وقد كان هناك تساؤل كبير في مجلس التأديب رغم تعهد المجلس الأعلى للقضاء بعديد الملفات التأديبية المتعلقة بالقضاة إلا أن آداءه في مستوى هذه الملفات كان يشوبه الكثير من التردد والغموض وعدم الوضوح". عدم تركيز المحكمة الدستورية نقطة سوداء كما اعتبر أنس الحمادي "انه كان من المفروض أن تكون سنة 2018 سنة تركيز المحكمة الدستورية"، ملاحظا "أن عدم تركيزها بعد مرور الأجال المنصوص عليها بالدستور وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على الإنتخابات التشريعية لسنة 2014 يمثل نقطة سوداء في مسيرة تركيز النظام الديمقراطي في تونس وإنجاحه". كما ذكّر "بفشل مجلس نواب الشعب الى حد الآن قطع الخطوة الأساسية الأولى في اتجاه تعيين الأعضاء الأربعة للمحكمة الدستورية الموكول اليه تعيينهم". وعن تطلّعات جمعية القضاة لسنة 2019، قال إنهم يأملون في أن تكون سنة التجسيد الفعلي لمقترح إحداث صندوق جودة العدالة خاصة وأنّ هنالك قناعة لدى وزارة العدل ورئاسة الحكومة بنجاعة وفاعلية هذا المقترح في تحسين البنية التحتية للمحاكم لتحقيق عدالة ناجعة وناجزة وفي اعلى درجات الخدمة التي يطلبها المتقاضي، وأن تكون سنة 2019 عنوانا لتغيير جذري وأساسي في السياسة المتبعة للمجلس الأعلى للقضاء في علاقة بمحيطه والملفات التي ينظر فيها وفي علاقة بتعاطيه مع الرأي العام في مجمل القضايا التي تهم الشأنين القضائي والوطني. واضاف أن هنالك عديد التحديات المطروحة في سنة 2019 في علاقة بالقوانين الأساسية للسلطة القضائية ، مُعبّرا عن امله في أن يكون دور المجلس الأعلى للقضاء دور حاسم في اتجاه أن تكون هذه القوانين على أكبر قدر من المطابقة للأحكام الدستورية وللمعايير الدولية لإستقلال القضاء. وعبّر رئيس جمعيّة القضاة التونسيين عن امله في أن يتم تركيز المحكمة الدستورية بداية من سنة 2019 وتعيين أعضائها بأعلى قدر ممكن من الكفاءة والحياد والإستقلالية وأن تنطلق هذه المؤسسة الدستورية الهامة في اعمالها قبل الموعد الإنتخابي القادم. وخلص أنس الحمادي بالقول أن "القضاء تطور كثيرا وخطى خطوات في التخلص من الهيمنة التي كانت مفروضة عليه من النظام الديكتاتوري"، مشددا على ضرورة المحافظة على المكتسبات الجديدة والتطور الذي حصل في السلطة القضائية ولا بد أيضا من إحاطته بمنظومة تشريعية تحصّن القاضي والمؤسسة القضائية والنيابة العمومية من كل اشكال التدخل فيها أو الضغط عليها من اي جهة كانت وبأي شكل من الأشكال. وأضاف الحمادي أن كل الضمانات المكرسة للقضاء الجالس تنسحب بالضرورة على النيابة العمومية وهو مبدأ يحتاج الى تفصيل وتنصيص عليه ضمن القوانين الأساسية للقضاة وضمن أحكام مجلة الإجراءات الجزائية.