النوّاب حول ملف تدفق «المهاجرين الأفارقة»...تهديد للأمن القومي والحلول تشاركية    لشبهة تبييض الأموال في جمعية «منامتي» ...الاحتفاظ بسعدية مصباح    مصر: تعرض رجال أعمال كندي لإطلاق نار في الإسكندرية    يوميات المقاومة.. خاضت اشتباكات ضارية وأكّدت جاهزيتها لكل المفاجآت .. المقاومة تضرب في رفح    العدوان على غزة في عيون الصحف العربية والدولية ... المقاومة تتمتّع بذكاء دبلوماسي وبتكتيك ناجح    محيط قرقنة .. مواجهة استعادة أمجاد الماضي    فظيع في القيروان .. يستعين به صاحبه لجمع القوارير البلاستيكية ..مجهولون يحرقون حصانا مقيدا وعربته المجرورة    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    موفى أفريل: ارتفاع عائدات السياحة بنسبة 8% بالمائة    عاجل/ طلب عروض لإيواء مهاجرين بنزل: بطاقة ايداع ضد رئيس جمعية ونائبه    اتحاد الفلاحة بمدنين.. الأضاحي تفي بحاجيات الجهة ويمكن تزويد جهات أخرى    بنزرت: تنفيذ قرارات هدم بهذه الشواطئ    ولاية رئاسية ''خامسة'' : بوتين يؤدي اليمين الدستورية    الليلة: أمطار غزيرة ورعدية بهذه المناطق    Titre    المهديّة :ايقاف امام خطيب بسبب تلفظه بكلمة بذيئة    من الحمام: غادة عبد الرازق تثير الجدل بجلسة تصوير جديدة    لأول مرة في تونس.. البنك الفلاحي يفتح خط تمويل لمربي الماشية    نحو صياغة كراس شروط لتنظيم العربات المتنقلة للأكلات الجاهزة    تالة: ايقاف شخص يُساعد ''المهاجرين الافارقة'' على دخول تونس بمقابل مادّي    المتلوي: حجز 51 قطعة زطلة بحوزة شخص محل 06 مناشير تفتيش    أبطال أوروبا: ريال مدريد يستضيف غدا بايرن ميونيخ    عاجل : صحيفة مصرية تكشف عن الحكم الذي سيدير مباراة الاهلي و الترجي    هام/ الليلة: انقطاع المياه بهذه المناطق في بنزرت    سليانة: السيطرة على حريق نشب بأرض زراعية بأحواز برقو    وزير السياحة : قطاع الصناعات التقليدية مكن من خلق 1378 موطن شغل سنة 2023    سليانة: تخصيص عقار بالحي الإداري بسليانة الجنوبيّة لإحداث مسرح للهواء الطلق    ليبيا تتجاوز تونس في تدفقات الهجرة غير النظامية إلى إيطاليا في 2023    انقلاب "تاكسي" جماعي في المروج..وهذه حصيلة الجرحى..    يومي 10 و 11 ماي:تونس تحتضن بطولة إفريقيا للجمباز.    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور" (فيديو)    تونس : 6% من البالغين مصابون ''بالربو''    فتوى تهم التونسيين بمناسبة عيد الاضحى ...ماهي ؟    وزارة التربية تنظم حركة استثنائية لتسديد شغورات بإدارة المدارس الابتدائية    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك: "أرباح القصابين تتراوح بين 15 و20 دينار وهو أمر غير مقبول"    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    لاعبة التنس الأمريكية جيسيكا بيغولا تكشف عن امكانية غيابها عن بطولة رولان غاروس    الفنان بلقاسم بوقنّة في حوار ل«الشروق» قبل وفاته مشكلتنا تربوية بالأساس    الرابطة الأولى: النجم الساحلي يفقد خدمات أبرز ركائزه في مواجهة الترجي الرياضي    في قضية رفعها ضده نقابي أمني..تأخير محاكمة الغنوشي    الكشف عن وفاق إجرامي قصد اجتياز الحدود البحرية خلسة    حوادث: 13 حالة وفاة خلال يوم واحد فقط..    رئيسة قسم أمراض صدرية: 10% من الأطفال في تونس مصابون بالربو    البطولة الانقليزية : كريستال بالاس يكتسح مانشستر يونايتد برباعية نظيفة    إشارة جديدة من راصد الزلازل الهولندي.. التفاصيل    عاجل/ هجوم على مستشفى في الصين يخلف قتلى وجرحى..    عاجل- قضية الافارقة غير النظاميين : سعيد يكشف عن مركز تحصل على أكثر من 20 مليار    سيدي حسين: مداهمة "كشك" ليلا والسطو عليه.. الجاني في قبضة الأمن    أولا وأخيرا .. دود الأرض    مشروع لإنتاج الكهرباء بالقيروان    في لقائه بخبراء من البنك الدولي: وزير الصحة يؤكد على أهمية التعاون المشترك لتحسين الخدمات    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024 الى 2ر7 بالمائة في ظل ارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في كتاب تونسي صدر حديثا ..لهذا فشلت مفاوضات السلام العربية الاسرائلية منذ 1919
نشر في الصباح نيوز يوم 13 - 05 - 2014

صدر حديثا عن الدار المتوسطية للنشر كتاب في جزئين تحت عنوان "الحقائق الكبرى حول مشاريع السلام لحل الصراع العربي – الإسرائيلي من مؤتمر الصلح إلى وادي عربة 1919 -1994" للدكتور إدريس رائسي تناول فيه بالبحث الحقائق الخفية التي حفت بعملية السلام في الشرق الأوسط وما رافقها من حروب ومساع دبلوماسية ،خاصة وأن العملية برمتها لازالت تراوح مكانها بين مد وجزر دون التوصل إلى حسم أو حل يرضي الفرقاء بعد أن تشابكت رؤى تدخل مختلف الأطراف الدولية والإقليمية من أجل صياغة سلام دائم وشامل لاختزال الصراع بيد أن المشهد بقي مظلما رغم بعض الإنجازات فهل فرط الفرقاء في استغلال فرص حقيقية لصياغة سلام دائم من أجل إنهاء الصراع، أم أنها كانت مجرد وعود سرعان ما تلاشت ؟
وقد عمل الباحث على تحليل الأسباب العميقة التي جعلت شعارات السلام تبدو مجرد ضجيج غير قابل للتحقيق خاصة وأن آفاق السلام ظلت محدودة حتى وإن حققت بعض التقدم على بعض الجبهات فإنها ظلت ضبابية وقاتمة على جبهات أخرى.
فهل بات السلام مستحيلا أم أنه في أسوإ الأحوال لم يكن إلا مجرد شعار استخدم لتغطية مرور الوقت؟ أم أن السلام أمر حتمي لابد منه؟ وهل بقيت عمليات السلام في أغلبها مرتهنة لأطراف خارجية وقضايا دولية وإقليمية شكلت في أغلبها محور أزمات العالم المعاصر ؟
ينقسم الكتاب إلى إلى ثلاثة أبواب حيث تناول الباحث في الباب الأول لجان التحقيق بمختلف أشكالها منذ بداية العشرينات بدءا باتفاقية فيصل- وايزمان في إطار الجهود البريطانية الرامية إلى إيجاد تقارب عربي- يهودي ورفض العرب للمساعي البريطانية رغم تكرر لجان التحقيق التي أنصفت جلها المطالب العربية في حين وجدت تلكؤا بريطانيا في تنفيذ مقترحاتها وتشكيك صهيوني في قراراتها.
ورغم سعي حكومة الانتداب إلى إيجاد حلول ترضي كلا الطرفين العرب واليهود من خلال دعوتها لمؤتمر لندن سنة 1939 إلا انه حقق فشلا ذريعا نتيجة مواقف الفرقاء من المؤتمر وجرّاء الأفكار التي طرحتها بريطانيا كأساس للحل بالإضافة إلى حالة الانقسام التي شابت الموقف الفلسطيني ونظرة العرب للحل من خلال مشروعي الملك الأردني عبد الله ورئيس الحكومة العراقية نوري السعيد والتبدلات الإيجابية في سياسة الحكومة البريطانية لصالح الفلسطينيين وما جابهته من ضغوطات صهيونية أمريكية مما أدى إلى تعريب قضية فلسطين ثم تدويلها وانتقال الحركة الصهيونية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وموقف العرب من التدويل والتعاون الانقلو – أمريكي في إنجاح مشروع التقسيم وردود الفعل العربية تجاهه.
أما الباب الثاني فقد تناول فيه ظروف إعلان دولة إسرائيل سنة 1948 والحرب العربية الإسرائيلية الأولى ومشروع الوسيط الدولي الكونت برنادوت لإنهاء النزاع بين العرب واليهود وتوقيع اتفاقيات الهدنة سنة 1949 بين العرب واليهود ومؤتمر لوزان وما أسفر عنه من قرارات جوبهت بتعنت صهيوني.
كما تطرق إلى المشروع الأردني ومحاولة العاهل الأردني ضم الأراضي العربية في فلسطين إلى مملكته كأساس للحل وما شاب ذلك من ردود فعل عربية وفلسطينية وإسرائيلية في مرحلة شهدت فيها المنطقة بوادر تغيرات ألقت بظلالها على العرب، وذلك على خلفية الثورة المصرية بقيادة الضباط الأحرار عام1952 ودعمها للقضية الفلسطينية رغم تعدد مشاريع السلام الدولية والأمريكية، الأمر الذي أدى إلى ظهور كيان فلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية مدعوما من العرب ثم تلته حركة فتح التي استطاعت أن تسيطر على المنظمة وتصبح بمثابة المحرك الأساسي للثورة الفلسطينية.
كما تناول بالبحث مشروع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة والذي أعتبره الباحث استشرافيا في تحليله لأبعاد القضية الفلسطينية بواقعية رغم تعرضه للعديد من الانتقادات والاحتجاجات العربية والصهيونية، في مرحلة كانت فيها المنطقة العربية تعيش حالة ثورية حماسية مندفعة لم تتحل في اغلبها بالواقعية، حيث كانت نظرتها للصراع نظرة عاطفية دون تحليل واقعي لموازين القوى بين العرب واليهود في وقت كان فيه العالم يشهد عديد التحولات الدولية والإقليمية.
أما الباب الثالث فقد تدارس فيه بداية تراجع الموقف العربي عن رفضه لمبدإ التقسيم وذلك بعد هزيمة حرب 1967 وما خلفته من إحباط لدى الرأي العام العربي أمام سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية وتلكئها في تنفيذ القرار الأممي 242 وهو ما أدى إلى اندلاع حرب 1973 ورغم تحقيق العرب بعض الانتصارات على الجبهة المصرية فإن ذلك لم يحل دون جنوحهم إلى التفاوض والتراجع عن الثوابت العربية والتي كانت معاهدة كامب ديفيد أولى ثمارها ليزداد تواتر التراجع العربي كنتيجة لعدة تبدلات دولية وإقليمية أسفرت عن مؤتمر مدريد للسلام سنة 1991 والذي نتج عنه توقيع اتفاق أسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليكون متبوعا باتفاق وادي عربة سنة 1994 بين الأردنيين والإسرائيليين، ورغم تحقيق اتفاقات سلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين ثم الأردنيين فإن ذلك لم ينه الصراع ولم يحقق السلام العادل والشامل في المنطقة.
بعد استعراض مختلف أبواب وفصول هذا العمل وما تضمنه من مشاريع سلام عديدة ومتنوعة، فإن السؤال المركزي الذي بقي مطروحا هو لماذا لم تؤد مختلف المشاريع المذكورة إلى حل نهائي ودائم لهذا الصراع؟
في هذا الصدد يجيبنا الباحث الدكتور إدريس رائسي بتقسيمه أسباب فشل مشاريع السلام إلى مرحلتين، المرحلة الأولى وهي الفترة التي كانت فيها فلسطين تحت الانتداب البريطاني أي قبل حرب 1948، أما الفترة الثانية فتمتد من حرب 1948 ، أي بعد اعلان دولة اسرائيل إلى حدود اتفاقية وادي عربة سنة1994:
في المرحلة الأولى يرى الباحث أن أسباب فشل مشاريع السلام بين الفلسطينيين والحركة الصهيونية كان نتاج عدة ظروف داخلية وخارجية عاشت على وقعها القضية الفلسطينية أخطر فتراتها، وقد تجسدت الظروف الداخلية في عدّة أسباب من أهمها:
- طبيعة الانتداب البريطاني: حيث كان للبعد الاقتصادي دور أساسي لدى البريطانيين من خلال تسريع المشروع الاستيطاني الصهيوني الذي مثل أحد أدواتهم في فلسطين مغتنمين في ذلك حالة الانقسام التي ظهرت بين العرب والأتراك، وبالتالي فإن سياسة الأمر الواقع التي كانت تنتهجها الحكومة البريطانية من خلال سماحها لليهود بشراء ومصادرة الأراضي من الفلاحين الفلسطينيين وكبار ملاكي الأراضي وإمعانها في رفض المطالب العربية ساهمت بدورها في تأجيج الصراع،(ابلاغ تشرشل خلال زيارته فلسطين الوجهاء الفلسطينيين انه ليس لديه القدرة والسلطة على الغاء تصريح وعد بلفور وإيقاف الهجرة اليهودية مؤكدا لهم أن وعد بلفور أمر واقع لا يمكن التراجع عنه) كما أن اعتماد بريطانيا لسياسة اللجان دون الأخذ بمقترحاتها أو تفعيلها نظرا لتعارضها مع المشروع الصهيوني وانتقادها للسياسة البريطانية المنحازة على أرض الواقع لليهود كان من الأسباب الحقيقية لفشل أي حل(مثال تقرير لجنة هايكرافت الذي كان محايدا حسب نظرة العرب وتقرير لجنة شو اثر حادثة البراق الذي فندت فيه اللجنة الادعاءات الصهيونية)، كما أن أسلوب سياسة لجان التحقيق الذي اعتمدته بريطانيا كان يهدف في الواقع إلى تخدير العرب وإجهاض الحركة الوطنية الفلسطينية كلما اشتد عودها وخير دليل على ذلك هو أن لجان التحقيق كانت ترسل الى فلسطين كلما كثرت الاضطرابات واندلعت الثورات، حيث كانت حكومة الانتداب تعمد إلى ارسال اللجان لتهدئة الوضع سياسيا حيث فشلت عسكريا(مثال لجنة بيل الملكية اثر ثورة 1936 ) وهو ما يؤكد ان بريطانيا لم تكن جادة في البحث عن حل.
- طبيعة النخبة السياسية الفلسطينية: لقد كانت النخبة الفلسطينية منقسمة على نفسها حيث كان المجتمع الفلسطيني يعيش انقساما سياسيا عموديا وليس أفقيا قاطعا عبر الطبقات الاجتماعية والمهن والأجيال وهو انقسام نابع من الارث الزعاماتي لبعض العائلات التي كانت ترى أن لها الأحقية في وراثة الحكم العثماني، وأكبر دليل على ذلك هو الصراع بين عائلتي الحسيني والنشاشيبي، وهو ما يؤكد بأن ميلاد الحركة العربية قد تأثر كثيرا بسياسات الاقصاء المبنية على الولاءات للعائلات العريقة ولملاك الاراضي في طابع غلبت عليه الزعاماتية العائلية أو العشائرية الباحثة عن الجاه والسلطة دون العمل على معالجة القضية الرئيسية والتصدي لها في اطار وحدة وطنية تغلب المصلحة الوطنية عن الذاتية الزعاماتية وهو ما أدى إلى حالة من الخصام السياسي (مقاطعة لجنة بيل الملكية بناء على أوامر من الهيئة العربية العليا واعتذارهم عن استقبالها رغم ثقتهم في نزاهتها ثم دعوة الحسيني فيما بعد لمقابلتها بعد ضغوط من الملوك العرب وهو ما أدى الى حالة من الانخرام في الصف العربي) استغلته بريطانيا والحركة الصهيونية لتمرير المشروع الاستيطاني الصهيوني في ظل غياب وحدة فلسطينية حقيقية لمقاومة الاستيطان اليهودي.
كما ان الظهور المبكر لبعض الأحزاب العربية ك"العربية الفتاة " و"اللامركزية" و"العهد" ورغم معارضتها للصهيونية والأتراك،فإنها لم تكن فاعلة في الوسط الاجتماعي، نظرا لأن أغلب مؤسسيها انحدروا من بين طلاب البيروقراطية والضباط الذين لم يكن لهم تأثير فعال في المجتمع الفلسطيني الذي كان في جله منساقا وراء العائلات العريقة أو ان صح التعبير "البورجوازية" الفلسطينية ممن كانوا يمثلون القيادة التقليدية( مثال على ذلك استنكار الهيئة العربية العليا بقيادة المفتي الحاج أمين الحسيني مبدأ التقسيم لعام 1937 دون ان تحدد موقفها منه بشكل قاطع نظرا لحالة الانقسام وكذلك كان الامر بالنسبة للجنة وودهيد رغم ان البعض من الفلسطينيين من انصار الامير عبد الله وافقوا على مبدأ التقسيم (حزب النشاشيبي)) وهو ما يؤكد أن قوى الممانعة العربية والفلسطينية للمشروع الصهيوني ولدت هشة وكانت عاجزة عن التعاطي مع المستجدات والأحداث الناتجة عن سنوات الحرب في مجتمع سادت فيه الانتهازية وأثقلت أعباءه الضرائب وتردي الحالة الاقتصادية(اصرار الحاج أمين الحسيني على موقفه الرافض للكتاب الابيض لعام1939 رغم أن غالبية أعضاء الهيئة العربية العليا وافقوا عليه في ما بعد بتشجيع من العرب وذلك جراء نوازع شخصية خاصة وان نية بريطانيا كانت تتجه نحو التعاون مع جمال الحسيني في تنفيذ الكتاب الأبيض).
- طبيعة الحركة الصهيونية:عملت الحركة الصهيونية بمساعدة بريطانيا على جر فيصل ابن الشريف حسين نظرا لرمزيته الزعاماتية لدى العرب وقائد الحكومة العربية في دمشق الى توقيع اتفاق معها (اتفاق حاييم وايزمان –فيصل) يسمح بالهجرة اليهودية الى فلسطين.
لقد تشبثت الحركة الصهيونية بالوطن القومي اليهودي وذلك بانتقادها لتقارير اللجان المتعاقبة ومعارضتها الشديدة لأي شكل من أشكال التمثيل للعرب داخل ادارة الانتداب في فلسطين وفي نفس الوقت الضغط على الحكومة البريطانية برفض تقارير اللجان وعدم الأخذ بتوصياتها رغم مسارعة اليهود بالمثول أمامها لشرح وجهة نظرهم مغتنمين المقاطعة العربية للرفع من سقف مطالبهم مسخرين بذلك كافة امكانياتهم وثقلهم أمام اللجان مستعملين مختلف الاساليب للتأثير في سير عملها وكذلك مغتنمين رفض القيادات الفلسطينية وترددها في المثول أمام اللجان، وهو ما أدى الى حد تهديد بعض رموز الصهيونية بالاستقالة من مناصبهم للضغط على حكومة الانتداب(استقالة وايزمان من رئاستي الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية اثر صدور الكتاب الأبيض لعام1930).
دعوة المنظمة الصهيونية الى العصيان المدني ردا على اي تراجع بريطاني قد يمس بالهجرة اليهودية الى فلسطين او يحدد شراء الاراضي من طرف اليهود، والذي كان متبوعا بدوره باتجاه الحركة الصهيونية نحو الولايات المتحدة والذي كان حاسما بالنسبة لها بعد ان تأكدت من تراجع القوة البريطانية وظهور الولايات المتحدة كقوة يمكن التعويل عليها لتحقيق اهدافها في تأسيس الوطن القومي اليهودي في فلسطين.
أما الظروف الخارجية: فقد تمثلت في الاطراف الدولية والأنظمة العربية التي ساهمت بدورها في فشل مشاريع السلام ويمكن اختزالها في النقاط التالية:
-عدم انصات الحلفاء خلال مؤتمر الصلح الى المطالب العربية المتمثلة في الاستقلال وتقرير المصير، بل ساندو مبدأ الانتداب وحتى لجنة كنغ كراين الأمريكية لم يؤخذ بتقريرها وحتى الرئيس الامريكي ولسن لم يحرك ساكنا بشأن المطالب العربية بالاستقلال وتقرير المصير وهو الشعار الذي رفعه هو نفسه، علاوة على ذلك فإن تقرير لجنة كينغ -كراين لم ينشر إلا بعد أن فقد أي تأثير في تسوية القضايا التي عالجها.
كما ان الامم المتحدة كانت بدورها عاجزة عن ايجاد الحل من خلال لجنة الاونسكوب التي أقرت مبدأ التقسيم دون الأخذ بالمطالب العربية وهو ما يتنافى مع مبادئها خاصة وأن النزاع لا يدخل في باب اختصاص المنظمة الدولية بحكم انه لم يكن بين دولتين عضوتين في المنظمة الدولية وبالتالي فإن الامر كان يستوجب من الناحية القانونية أن يعرض على المحكمة الدولية في لهاي.
أما بالنسبة للأنظمة العربية، فإن البعض منها انساق وراء الحكومة البريطانية للضغط على القيادة الفلسطينية(ضغط الملوك والزعماء العرب على الهيئة العربية العليا بانهاء ثورة 1936)، ممّا جعل الموقف الفلسطيني متذبذبا ورهين مواقف ورؤى عربية مرتبطة بمصالح آنية وذاتية وبعضها كانت له طموحات توسعية في فلسطين نفسها(مشروع الملك عبد الله) تفاديا لقيام دولة فلسطينية تحد من طموحاته في المنطقة.
أما بالنسبة للمرحلة الثانية والتي تمتد من حرب1948 حتى 1994 فقد عرفت بدورها العديد من مشاريع السلام والتي لم توفق بدورها في ايجاد حل للصراع العربي-الصهيوني خاصة وأن عديد المعطيات شهدت تغيرا على أرض الواقع، فقد استطاعت الحركة الصهيونية تجسيد المشروع الصهيوني اثر اعلان دولة اسرائيل في وقت توزع فيه الفلسطينيون داخل دول الجوار بعد ان تلاشت القوى السياسية التقليدية التي نشطت قبل النكبة وباتت بذلك المنطقة العربية تعيش مرحلة حاسمة استحكمت فيها الخلافات العربية –العربية وشهدت فيها الساحة الفلسطينية حالة استقطاب ثوري بظهور العديد من الفصائل الفلسطينية وما رافقها من ضغوط خارجية حملتها رياح الحرب الباردة، خاصة وأن سياسة الاحلاف كانت من المؤشرات الأولى لاحتدام التنافس بين قطبي الرأسمالية والاشتراكية في وقت رفضت فيه بعض الدول العربية اية محاولة استقطاب غربية، وبالتالي يمكن القول أن عوامل عديدة داخلية وخارجية ساهمت في فشل مشاريع السلام ورغم توقيع اتفاقيات كامب ديفد واسلو ووادي عربة فإنها بدورها لم تحق السلام العادل والشامل واعدت في خانة التنازلات العربية.
-العوامل الخارجية: رغم تعدد مشاريع السلام يمكن القول بأن السبب الرئيسي لفشلها يعود في جزء منه إلى الانحياز الامريكي الفاضح للدولة العبرية وللدور المشبوه الذي لعبته الولايات المتحدة الامريكية في كواليس القرار داخل الامم المتحدة، وتغاضي واشنطن عن الزام اسرائيل بتطبيق الشرعية الدولية(مثل تفسير القرار 242) في وقت كان فيه الدعم السوفياتي للعرب محدودا. كما أن سياسة المكيالين التي طالما انتهجتها الادارة الامريكية كسفت حقيقة الموقف الامريكي الداعم بشكل مطلق لإسرائيل في قبول ما تشاء وما اغداق الولايات المتحدة المال والسلاح على الكيان الصهيوني إلا دليل على ثبات السياسة الامريكية الداعمة لإسرائيل.
-عجز الامم المتحدة على تفعيل القرارات الاممية الصادرة عن مجلس الامن مثل القرار 242 في حين ان المنظمة الاممية اباحت احتلال العراق تحت البند السابع وهو ما يفسر مدى قوة الولايات المتحدة واستماتتها في الدفاع عن الكيان الصهيوني ودور واشنطن في صنع القرار داخل اروقة المنظمة الاممية.
اما بالنسبة للعوامل الداخلية التي ساهمت بدورها في فشل مشاريع السلام فتتجسد في حالة التجاذبات التي طغت على المرحلة بين الفرقاء الفلسطينيين من ناحية وبين بعض القوى الفلسطينية والأنظمة العربية من ناحية أخرى بعد ان طغت عليها حالة من التسرع ولم يتأسس أي منها على تخطيط وتأمل نظري مسبق بعد أن غلبت عليها المصلحة الذاتية والآنية وقد تجلى ذلك من خلال جامعة الدول العربية بعد ان اصبحت المنظمة العربية اداة بيد البعض لكبح القرار الفلسطيني وجعله مرتهنا للرؤى العربية ذات المصلحة الذاتية والتي تلاشى بموجبها الواجب القومي تجاه القضية الفلسطينية.
-عمل بعض الانظمة العربية على تحجيم القوى التقليدية وإبعادها عن مراكز القرار والعمل في نفس الوقت على انشاء كيان فلسطيني بدعم من النظام العربي الرسمي موال لها من اجل مصادرة القرار الفلسطيني وتطويعه خدمة لمصالحها الذاتية والدليل على ذلك تعدد الفصائل الفلسطينية موالية لعدة انظمة عربية.
-استعمال بعض الانظمة العربية للقضية الفلسطينية في اطار عربي مشترك تحت مظلة الجامعة العربية باعتبارها قضية العرب المحورية وذلك بالتصدي لأي مشروع أو رؤية أو مبادرة ولو كانت حتى عربية قد تساهم في ظهور قرار فلسطيني حر والمثال على ذلك رفض مشروع بورقيبة.
-بقاء القرار العربي والفلسطيني رهينا للبعض الانظمة الطامحة في الزعامة والتوسع والتي عملت على تفتيت القوى الفلسطينية الى فصائل تحت مسميات مختلفة(القوميين العرب البعثيين اليسار..) تدين في اغلبها بالولاء الى انظمة عربية مختلفة غايتها الاساسية خدمة مصالحها الذاتية.
- كما أن الصراعات بين الفصائل الفلسطينية ذات الايديولوجيات المتناقضة من اجل الزعامة والقيادة واختلاف مفاهيمها الثورية ساهمت بدورها في اضعاف الصف الفلسطيني وجعل قرارها رهينا للأنظمة العربية، في ظل سياسة الامر الواقع التي كانت ولازالت تنتهجها الدولة العبرية الرافضة للاعتراف بالشعب الفلسطيني أو حتى بالهوية الفلسطينية ورافضة لأية صيغة تفاوضية حول القضايا الجوهرية للصراع والتي مازالت الى اليوم معلقة حتى بعد توقيع اتفاقية اوسلو وهي ملف اللاجئين والقدس والاستيطان وهو ما يؤكد على أن أي انخراط في العملية السلمية دون ايجاد حلول جذرية للقضايا الجوهرية يعد بمثابة تمرير للوقت ودليل على انتفاء الرغبة الصهيونية في السعي الى السلام العادل والشامل.
بيد أن الباحث يختتم رؤاه لعملي السلام في الشرق الأوسط بطرح سؤال جوهري وذلك بعد مرور66 سنة عن نكبة فلسطين نتيجة غياب الارادة السياسية وتخاذلها في ادارة الصراع العربي– الاسرائيلي، فهل سيتغير الخطاب السياسي العربي تجاه القضية الفلسطينية وعملية السلام في الشرق الاوسط اثر التغيرات السياسية التي تشهدها بعض الاقطار العربية بعد ثورات الربيع العربي، أم ان السلام سيبقى بعيد المنال ومرتهنا لسياسة الامر الواقع الاسرائيلية ولموازين القوى الاقليمية والدولية؟
على الرغم من الصورة القاتمة لعملية السلام ولملامح الصراع العربي- الإسرائيلي منذ كامب ديفيد وحتى أوسلو ووادي عربة، فإن الدكتور إدريس رائسي لازال يرى أن آفاق حالة النهوض الفلسطيني والعربي ليست مسدودة من الناحية الموضوعية فالعرب لم يعوا حينها أبعاد اللعبة الدولية التي واكبت قيام دولة إسرائيل ولم يدركوا مبكرا خطورة الدور الذي اضطلعت به الصهيونية في الغرب ولم يضعوا خطة توازي الحدث وذلك بارتكابهم عددا من الأخطاء المميتة على مستوى الرؤية الإستراتيجية في إدارة المعركة العسكرية والسياسية، خاصة أنهم لم يتواصلوا إلا نادرا ولمرحلة قصيرة وبقي الخلاف بينهم سيد الموقف في ظل غياب التضامن ووحدة الصف، إضافة إلى ذلك لم يمارسوا مبدأ الديمقراطية التي ألغوها بحجة متطلبات المرحلة خلافا للإسرائيليين الذين تمسكوا بالديمقراطية في ظل الحروب. وبالتالي فهل أن الحالة الثورية العربية ستؤدي بالضرورة إلى خلق مناخ ليبرالي ديمقراطي قد يوفر مناخا جديدا في المنظومة السياسية والفكرية والاقتصادية العربية لتجاوز شروط التبعية والخضوع والارتهان للسياسات الأمريكية-الإسرائيلية عبر خطوات تدريجية صاعدة في المسار الديمقراطي العربي؟ وهل سينعكس ذلك على القضية الفلسطينية والقضايا العربية الحارقة التي تستند في مجملها إلى زخم شعبي واسع؟
إن الإجابة على ذلك تبقى رهينة مدى قدرة الشعوب العربية على الضغط على سلطات القرار في المنطقة العربية ومدى استجابة هذه الأخيرة للضغط الداخلي مع مراعاتها-في نفس الوقت-للتوازنات الخارجية، فالقضية ليست في حاجة إلى "قوة عاطفية" بقدر ما هي في حاجة لقوة حقيقية تعادل القوة الصهيونية، وهذا حسب رأيي لا يمكن تجسيده على أرض الواقع دون تعويد المجتمعات العربية على مواجهة التحكم والسيطرة ومعانقة الديمقراطية والحريات بالفصل بين الدولة والمجتمع المدني كي لا يبقى تابعا ومطيعا للدولة أبدا، وما يحمي الديمقراطية في المستقبل هو تكوين رأي عام من النخب المثقفة والمجتمع المدني للدفاع عنها ضد أي تعسف يطال الحريات الفردية والجماعية والوقوف بقوة ضد الاتجاهات الفكرية المتخلفة التي لا ترى في الديمقراطية سوى مجرد أداة للانقضاض على النظام.
وبالتالي يمكن القول بأن عملية السلام في الشرق الأوسط ستبقى "تراوح مكانها" ما لم يواجه المشروع الصهيوني بمشروع عربي حضاري بعيدا عن التبعية والارتهان لقوى جذب داخلية وإقليمية في ظل اختلال موازين القوى وهو ما يجعل العلاقة غير متكافئة في العملية التفاوضية.
إن الصراع العربي الإسرائيلي سيبقى مستمرا مهما إختلفت أدواته خاصة وأن اتفاقيات السلام لم تلغ احتمالات اندلاع حرب عسكرية جديدة في الشرق الأوسط طالما بقي الإسرائيليون متمسكين بسياسة الإستيطان والتهويد في ظل رفض شعبي فلسطيني وعربي للسياسات الصهيونية مما يجعل إحتمالات العودة إلى الحرب أكبر من إحتمالات التوصل إلى السلام، كما ان اتخاذ الصراع منحى اقتصاديا في السنوات الأخيرة وهو في بعض جوانبه أشرس من الصراع العسكري والذي بات بموجبه الكيان الصهيوني يعمل على تحقيق إسرائيل الكبرى إقتصاديا من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد لتكريس تفوقها إقتصاديا بعد أن ضمن تفوقه العسكري على الصعيدين التقليدي والنووي.
ودون حدوث تغيير جذري في الدول العربية يستند إلى ديمقراطية حقيقية تجسد طموحات المواطن العربي السياسية والاقتصادية والفكرية فإن فرضية السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط ستبقى "عبثية" وستظل القضايا الوطنية العربية والفلسطينية تواجه أخطر عملية تصفية منهجية تحت شعار "السلام" خاصة وأن الحرب في الشرق الأوسط لم تنته، والصراع العربي-الإسرائيلي لن ينتهي إنه صراع الحضارات، وقد علمنا التاريخ أن الصراع في الشرق قلما يحسم بتسوية عادلة ومتوازنة إذ كثيرا ما يؤدي إلى غالب ومغلوب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.