اذا عدنا قليلا الى الوراء، وتحديدا لاحداث الكامور وما رافقها من قطع لامدادات البترول، فان الحملة المزعومة ضد الفساد التي اطلقها رئيس الحكومة انذاك، لم تكن الا بهدف التغطية والالتفاف على الاحداث المعنية ومحاولة ايقاف تمدد رقعة الاحتجاجات واسترجاع ثقة التونسيين والتونسيات . و كان لا بد من صدمة قوية ,عبر ايقاف شخصية مشهورة و معروفة لدى الراي العام ,من اجل تاكيد حسن النية والارادة الحكومية الصادقة في محاربة الفساد ,فلم يكن افضل من شفيق جراية ,الذي اعلن ذات مرة ان رئيس الحكومة لعاجز على ادخال "معزة" الى السجن ,و الذي دخل حينها في مساعي حثيثة من اجل تطعيم نداء تونس بوجوه جديدة, يبدو ان السيد يوسف الشاهد قد توجس منها خيفة ,علما واني لست من المدافعين عن شفيق جراية و لا غيره ... و تزامن الامر مع ايقافات اخرى, اعلن السيد لطفي ابراهم قبل اقالته ,ان من بينها ,من لا تستند لاي تهم او ملفات جدية ,و هو تقريبا فحوى الشكاية المقدمة من لجنة الخمسون محاميا ضد رئيس الحكومة الحالية ووزير الداخلية السيد الهادي المجدوب ,الى جانب مسالة التمويلات البريطانية, و يبقى القضاء هو الفيصل والمتهم بريء الى ان تثبت ادانته و لكن المسالة صحية وايجابية ,من اجل تكريس ثقافة جديدة ,لا تستثني من المحاسبة اي مسؤول مهما كان منصبه . في الاثناء، أعلن رئيس الحكومة عن عزمه انشاء لجنة وطنية تعددية للتدقيق في الثروات الطبيعية الوطنية ,لم ترى النور الى يوم الناس هذا ! اثر التوصل لاتفاق بين الحكومة و معتصمي الكامور, انتهت تقريبا ما سمي بحملة مكافحة الفساد وعادت حليمة لعادتها القديمة, مما يؤكد ان الحملة المزعومة ضد الفساد لم تكن الا ظرفية و انتقائية و تكتيكية ! في هذا الصدد ,فلن ادعو الحكومة للمبادرة بتغيير العملة الوطنية, او الانخراط في الاتفاقية الدولية للشفافية في الصناعات الاستخراجية ,او منح الاستقلالية الضرورية لمحكمة المحاسبات و لهياكل الرقابة العمومية ,او تعزيز هياكل الاستخلاص الجبائي او لدى الصناديق الاجتماعية ,او غيرها من المقترحات المعلومة من الجميع و التي لا تتطلب الا جراة و ارادة سياسية ,لا اعتقد انها متوفرة لدى الحكومة الحالية و لا حتى لدى رئاسة الجمهورية التي لا ننسى استهزائها من المطالبين بالشفافية في التصرف في مواردنا الطبيعية ... هذا ليس تحليلا ,بل وقائع و حقائق لا زالت حديثة ,لمن يدعي اليوم, ان السيد يوسف الشاهد هو قاهر الفساد و العدو اللدود للمفسدين وان من يطالب برحيله انما يصطف مع المجرمين والمخربين والمهربين ... ناشط سياسي مستقل