ذلك ما صدر أخيرا منشورا عن مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات في شهر ماي 2018 تحت رقم 66 في كتاب متوسط الحجم في نحو 300 صفحة جاء نقلا امينا لحوارات عدة جرت وتم نقلها صوتا وصورة عن أصحابها بالمؤسسة وبحضور نخبة من كبار المؤرخين وغيرهم من المهتمين بالثقافة والسياسة وبالشأن العام ممن تعودوا على متابعة ما يدور من حوارات مفتوحة أرادها صاحب المؤسسة الدكتور عبد الجليل التميمي وذلك خدمة منه للتاريخ وللحقيقة واستنطاقا لما بصدور من شاركوا في الحياة السياسية زمن الكفاح التحريري او اثناء بناء الدولة التونسية الحديثة. لقد احتوى ذلك الكتاب الذي قراته أخيرا على مواضيع حيوية وجديّة وحساسّة وكل ما جاء في تلك الحوارات التي جرت في وقتها، ولم تخرج للعموم ليطلع عليها حتى يعرف الحقيقة عما جرى ويجري في قضايا ما زالت تشغل المهتمين بالشأن العام وبالسياسة وما كان يدور وراء الجدران المحصنة والابواب المغلقة عليها بأحكام وقد تيسر فتحها اخيرا بعد سقوط الرقابة التي أحكمت طوقها على الحقيقة لعدة سنين. فبالإضافة الى المقدمة التي كتبها الدكتور عبد الجليل التميمي بعناية وتحت عنوان: دفاعا عن قاعدة البيانات المجمعة لشهادات الذاكرة الوطنية الجريحة منذ 20سنة! نجد شهادة المرحوم أحمد الزمني الذي عايش الحركة الوطنية من الداخل وله مساهمات كبيرة بالفكر والقلم وتحمل أخيرا مسؤولية معتمد في زمن الاستقلال وهمّش بعدها تهميشا مقصودا لأسباب بينها هو نفسه في الحوار الذي اجري معه خصيصا في محل سكناه بعدما تعذر عليه الحضور شخصيا في المؤسسة بالنظر لتقدم سنه وللمرض الذي مات بعده بمدة قصيرة، لقد كان ذلك في تقديري تحليلا قيّما نزيها لفترة عاشها وشارك فيها وتم نقله في الكتاب حرفيا مع الحوار الذي تعنى له نخبة من المؤرخين حضروا فيه. كما جاء بالكتاب المذكور نقلا للحوار المفتوح الذي جرى بالمؤسسة حول المقاومة المسلحة التي جرت قبل الاستقلال وشارك فيه السادة: زواوي حيدري وبوجمعة صعدولي واحمد الساكري ومحمد الضيفي. كما انفرد كل من السيدين احمد التليسي والمختار بن سعد الحامي بندوتين حول المقاومة المسلحة ولجان الرعاية وصباط الظلام وما وقع فيه واليد الحمراء التي كونتها السلط الاستعمارية وقامت بتصفية بعض الزعماء الوطنيين بعدما احترت فيهم مثل فرحات حشاد والهادي شاكر وغيرهم من الوطنيين المخلصين. كما انتظمت مائدة مستديرة بالمؤسسة خصصت للحوار حول الخلاف البورقيبي اليوسفي وتداعياته في تلك الفترة على تونس المستقلة ذاتيا والمقارنة بين التيارين وما كان يجمع بينهما او يفرق في القضايا السياسية والعلاقات الخارجية ومشروع التنمية وعلاقة الحكم بالدين. وخيرا تم نقل الندوة الخاصة بالشيخ عبد الرحمان خليف والدور الذي تزعمه اذ وكان من اول المعارضين لسياسة بورقيبة التحديثية في الشأن الديني. وينتهي بنا ذلك الكتاب القيم بندوة حول المحكوم عليهم بالإعدام إثر محاولة الانقلاب المشترك بين بعض المدنيين والعسكريين والتي جدت في أواخر سنة 1962 وقد شارك في ذلك الحوار المحزن البعض من عائلات هؤلاء المحكوم عليهم وممن حضر يومها من المهتمين. ذلك هو الكتاب الذي خصصت له حيزا من وقتي وقرأته باهتمام وتعني وكنت حضرت البعض من الندوات والحوارات التي دونت فيه، كما شاركت في البعض منها شخصيا مثل غيري من المهتمين بالتاريخ الحديث الذي كان مخزونا في الصدور وتم الكشف عنه بفضل اجتهاد مؤسسة التميمي التي أخرجته وسجلته واعتنت بنشره في كتب انيقة وبوبته ودعمته بكشوفات تسهل على الباحثين والقراء الوصول الى غايتهم المنشودة بيسر وسهولة. لقد تعمدت الإيجاز والاختصار قصدا في هذه الورقة حتى لا أفسد على القرّاء لذة الرجوع الى تلك الكتب المخصصة لذلك ولان التونسيين خاصة والعرب جميعا تعودوا على الأخذ بالإشاعة ويبنون احكامهم عليها بل وياخذون المواقف الخاطئة عليها ولا يجدون من يرد عليهم لان الجهل عمنا جميعا واستقر فينا وفِي مواقفنا الارتجالية حتى بتنا أضحوكة الدنيا يتندر بِنَا ولا يعتد بما يصدر عنا. لقد بتنا نأخذ أخبارنا من الآخرين ونزيد عليها وننمقها بينما كان البعض من هؤلاء يعمل على تنمية تلك العادة فينا. وفِي ختام هذه النبذة القصيرة اريد ان أشير بأن مؤسسة التميمي تقوم بذلك المجهود بصفة شخصية وفردية اعتمادا على إمكانيات صاحبها الدكتور عبد الجليل التميمي الذي حبًس صحته وماله على ذلك العمل المفيد منذ سنين وكثيرا ما اتهم بالانحياز وعدم الموضوعية جهلا وظلما ولكن ناقديه لم يذكروا لنا الجهة التي ينتمي اليها. لذا اقول لهم بالمناسبة لقد كان لي شرف تتبعه منذ اكثر من خمسين عاما ولم أقف عما يروّجون وحتى قبل ان يصدر مجلته التاريخية المغاربية التي تجاوز سنها اكثر من خمسة واربعين عاما وما زالت تصدر الى اليوم والحمد لله رب العالمين .