أهم ما يمكن رصده في علاقة بملف الجمعيات في بلادنا هو أن عددها تزايد ويتزايد بكثرة بعد الثورة وهو ما يعني تكريس الحريات خاصة في ممارسة العمل والنشاط المدني. لكن عندما تعرض الأرقام عن عدد الجمعيات الجديدة التي ولدت بعد 2011 نجدها تحصي بالآلاف حيث تشير آخر المعطيات كونه وصل الى 18آلفا بل أن هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك واعتبر أن العدد الحقيقي للجمعيات الناشطة في بلادنا حاليا يتجاوز ال80ألفا وهو للعلم رقم مبالغ فيه لكن أيضا حصر العدد في ال18ألفا ليس بالقليل.. وفق القانون الجديد للجمعيات والذي انطلق العمل به منذ 2011فان تكوين أو بعث جمعيات صار أمرا يسيرا وسهلا بل وبسيطا جدا ورغم ذلك فان عدد كبير من الجمعيات تنطلق في نشاطها دون اتخاذ أي إجراءات قانونية بل مجرد إعلان عن وجودها والغاية أن فرد أو قلة تبعث جمعية تحت مسمى ما وتطلق عليها تسمية لكن تحديد طبيعة عملها وما الذي تقوم به ومن أين تأتي بالتمويل وماذا تفعل بتلك الأموال فان كل ذلك يبقى غير معلوم . آخر أرقام صدرت تحدثت عن 18ألف جمعية حوالي 10آلاف منها تكونت بعد الثورة أي بعد 2011. هذا الرقم على ضخامته فانه لا يعكس كل الحقيقة بل هو يخفي مئات إن لم نقل آلاف الجمعيات التي تعمل وتنشط في الخفاء ولا تعلم الدولة عنها شيئا . وفق وزارة المالية فانه من جملة ال18ألف جمعية فان التي لها معرف جبائي أو تصريح ضرائب والتي استكملت إجراءاتها القانونية للعمل والنشاط لا يتجاوز ال8آلاف جمعية أي أن 10آلاف جمعية أخرى لا تعلم الدولة عنها شيئا ورغم ذلك هي تنشط لكن في ماذا تنشط هذا هو السؤال المهم . هذا الأمر رغم انه خطير إلا أن هناك خطورة تتجاوزه لكنها مرتبطة به وتتمثل فيما أعلنه البنك المركزي عن طريق تقرير للجنة التحاليل المالية كون هناك مئات الحسابات المصرفية المشبوهة . وهذا يعني أن هناك أموال تودع في حسابات بنكية لا يعرف مصدرها إن كان من الداخل أو من الخارج. الأمر لم يقف هنا بل ان هناك سفارات في بلادنا تقوم بتقديم تمويلات لجمعيات تحت عناوين كثيرة منها مساعدات أو تمويل مشاريع أو أنشطة ثقافية أو دعم للديمقراطية والحقيقة أن هذه العناوين تخفي خلفها أجندات معينة فالمعلوم أن الدول الأجنبية لا تقدم أموالا خاصة للمجتمع المدني إلا لتحقيق أهداف ما . وفق التدقيقات التي قام بها البنك المركزي ولجنة التحاليل المالية تم اكتشاف عشرات الجمعيات المشبوهة والتي تم اتخاذ قرارات بتجميد نشاطها فورا كما تم فتح تحقيق قضائي بخصوص أخرى لكن كل هذه الإجراءات لم تشمل إلا بضعة مئات في حين أن عدد الجمعيات في تونس بالآلاف بل أن العدد الحقيقي لها غير معلوم بدقة ما يعني أن الدولة ليست قادرة على مراقبتها كلها. تكفي المشاهدة أي التنقل في جهات داخلية لمدن بما في ذلك في المناطق الحدودية حتى نرصد تزايد عدد مقرات الجمعيات والتي لا يعلن عنها إلا بلافتات في مقراتها وأغلبها تأتي تحت تسميات تعكس نشاط خيري أو ديني أو حقوقي لكن عند البحث في مصادر التمويل يكون هناك جواب واحد تبرعات ومساهمات . مسألة التبرعات هذه يقال عنها كونها من منظمات دولية وإقليمية لمساعدة الشباب على بعث مشاريع والتربية أو التكوين على ممارسة الديمقراطية وتكريس حقوق الإنسان لكنها في الحقيقة عناوين فضفاضة لا تعني شيئا سوى الشعارات بالتالي فان عددا من الجمعيات يتخفى وراء هذه العناوين لتخفي أنشطتها الحقيقية. الخطر الأول الذي يرتبط بالجمعيات غير القانونية هو الشبهة في تمويل الإرهاب وأيضا تبييض الأموال .أما الثاني وهو الذي صار منتشرا بكثرة فهو تحويل تأسيس الجمعيات إلى مصدر لجذب التمويلات الأجنبية والثراء أي أن قلة قد تكون شخصا أو أكثر يستفيد من هذه التمويلات لنفسه. من بين هذه الأنشطة إقامة ندوات أو مؤتمرات هي في الأصل مجرد تحركات ليوم أو يومين مع التقاط صور وإلقاء بعض الخطابات وهذا يكون طبعا في نزل أو قاعة عروض أو مؤتمرات خاصة ومن خلاله يتم تسجيل قيمة كبيرة ماليا للإنفاقات في حين أن ما انفق حقيقة وواقعا لا يمثل إلا جزءا بسيطا مما سجل . الوجه الثاني للتحايل هو الإيهام بتقديم مساعدات اجتماعية في حين أن جل تلك المساعدات حبر على ورق ولم تنفذ واقعيا . ما نريد الوصول إليه من كل هذا هو أن ملف الجمعيات في تونس تضخم بشكل كبير وصار مجالا للتدخلات الأجنبية ولتمويل الإرهاب ولتبييض المال الفاسد وحتى للنهب والسرقة دون التعميم طبعا