عجائب الدنيا سبعة : أهرامات مصر، الحدائق المعلقة ببابل، تمثال رودس، معبد ارتميس، مقام الملك موزول بها ليكارناس، تمثال رودس و منارة الإسكندرية. و إنني لأعجب من حصر العجائب و الجلوس دونها فالدنيا أرحب من أن تقنع بتلك العجائب السبع و لو أحطنا النظر بما حولنا لبزغت لنا أعجوبة ثامنة. هي الحنايا يا سيدي ! جاء في الحلل السندسية للوزير السراج في ذكر الساقية المجلوبة على زغوان :" هي من جملة غرائب الدنيا و هي قديمة من عمل الروم بالأحرى هي من عمل الرومان – مجلوبة في أوعار و أودية و جبال بنوها قناطر بعضها فوق بعض حتى يستوي مع جري الساقية بصخر منحوت أتقن ما يكون البناء و أوثقه حتى ينسرب الماء في مستو معتدل." لقد أنشد في حقها ابن عفيف: حارت عقول الناس في إبداعها ألسكرها أو لشكرها تأود و كأني به يردد ما قد نظمه من قبل في ذات المعنى شيخنا محرز بن خلف: تراها كمثل العقد في الجيد نظمت فلا بعضها يعلو على بعض أصبعا فلما انتهى بنيانهم ثم أوصلوا بها من زلال الماء ما قد تفرغا. الحنايا هي منشأة مائية بل هي معلم مائي يعبر البر كمثل الماء الذي يجري ينسكب عبر التضاريس يتعانقان و يسبّحان للخالق الذي جعل من الماء كل شيء حيّا . و هو إلى جانب ذلك كل شراب و طهر. من أجل ذلك شيد الأولون السدود من سالف الأزمان و الصهاريج زمن الفينيقيون حتى جاء الرومان و ابتدعوا الحمّامات. يقول عمار المحجوبي في كتابه عن المدينة الرومانية: " إنّ الداعي لإنشاء الحنايا إنما هو مد حمامات قرطاج الموسومة بأنطونيوس بالماء و لو كان على بعد ثمانين كيلومتر". لقد تم ذلك في عهد الإمبراطور هادريان الذي تولى الحكم بعد تراجان من سنة 117 إلى أن مات عم 135 عن سن تناهز62 عاما. من مآثره إحداث مجلس الأمير يرجع إليه بغاية المشورة. و هو مثقف رحاله زار المقاطعة الإفريقية مرتين كان شغوفا بالحصون و المنشئات الحجرية و المائية. انطلقت أشغال بناء الحنايا بأمر من الإمبراطور سنة 122 و اكتملت سنة 160 أي في نفس الفترة التي اكتملت فيها أشغال حمامات قرطاج المطلة على البحر والتي بقيت أطلالها الشامخة شاهدا على روعة البناء و زخرفه و كذلك معبد المياه في زغوان المحلّى بالعرائس المرتبطة بالآلهة نبتون. الحنايا وهي الرباط الذي يوصل بين المعبد وأسفل جبل زغوان وحمام أنطونيوس على ضفاف البحر المتوسط يبلغ طولها 132 كيلومتر و ذلك لأنها تخترق المساحات الفاصلة و بخاصة الحوض السفلي من وادي مليان فتعلوا أحيانا إلى حدود العشرين مترا و تنحدر تحت الأرض أحيانا أخرى و لكن كما هو الشأن بالنسبة للكائنات فلقد أصابها الوهن بعد أن أعطت كعين ما لا عين رأت و لا ذهن أحصى و مع ذلك فلم تجف العيون في زغوان كعين عياد و لا في جوقار- كعين جور وعين زيقا. و لقد همّ الفاطميون في القرن العاشر بترميم القناة بعد تخريبها إثر سقوط دولة الرومان ثم جاء زمن الحسينيين فأعيد تشغيل الحنايا لغاية تزويد سكان مدينة تونس بالماء الصالح للشراب و ذلك إثر إتفاق بين محمد باي و قنصل فرنسا عام 1852 و تم بناء خزنات للغرض بسيدي عبد الله. و في عام 1872 أسند الجنرال خير الدين رئيس وزراء آنذاك لزمة ماء زغوان إلى الجنرالات البكوش وحسين و رستم و محمد خزندار. و لكن قبل ذلك فلقد سعى المستنصر بالله ونجح أيّما نجاح في توظيف الحنايا بإضافة حنايا جديدة لتزويد الحدائق العجيبة التي ابتناها بنفسه بأريانة في النصف الثاني من القرن الثالث عشر. و لكن هذه حكاية أخرى سوف يأتي الحديث عنها في أوانها عندما ندرك العهد الحفصي.