ايداع 9 من عناصرها السجن.. تفكيك شبكة معقدة وخطيرة مختصة في تنظيم عمليات "الحرقة"    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    قبل نهائي رابطة الأبطال..«كولر» يُحذّر من الترجي والأهلي يحشد الجمهور    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بطولة المانيا : ليفركوزن يتعادل مع شتوتغارت ويحافظ على سجله خاليا من الهزائم    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هادي دانيال يكتب لكم: تَرَبُّص صهيو-أمريكي بالجزائر لإطاحة الدولة والجيش الوطَنِيَّيْن
نشر في الصريح يوم 25 - 01 - 2019

بَعْدَ استقلالِها الذي كَلَّفَ الشّعْبَ الجزائريّ أكثر مِن مليون ونصْف المليون شهيد وإلى أن تُوفِّي الزّعيمُ الوَطنيّ "هوّاري بومديَن" كانت الجزائرُ حاضِنَةً كُبرى لِحَرَكات التّحَرُّر الوطنيّ التقّدُميّة في العالَم ، وعلى رأسها الثّورَة الفلسطينيّة بِفَصائلِها كافّة تقريباً . وَيُذْكَرُ أنّهُ عندَما جَرى تأسيس اتحاد الشبيبة الجزائري ذي الصبغة اليساريّة، صدَرَتْ بطاقةَ الهويّةِ الأولى في عضويّةِ الاتحاد للرئيس الجزائري فَجاءَ في خانة الاسم : "هوّاري بومديَن" ، وَفي خانةِ المِهنَة " «جورج حبش»، نسبةً إلى زعيم الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين ، وَتدليلاً رَمزيّاً على مكانة القضيّة الفلسطينيّة في وجدان وعقل الجزائر شَعْباً وشبيبةً وقائداً. وَلن يتسع المجال في مُجَلَّدٍ كامِل لسَرْد الوقائع مِن تاريخ الجزائر المعاصِر للتدليلِ على هذه المكانة التي لم تنطفئ جذوَتَها عنْد الشعب الجزائريّ بأجياله المُتَعاقِبَة على الرُّغْمِ مِن التغيّرات التي شهدها مَسار المسألة الفلسطينيّة أو التي شهَدَتْها الجزائر بَعْدَ رحيل بومدين ، يُؤكِّدُ ذلكَ ببساطة اللقاءُ الرّياضيُّ الأخير (العام الماضي2018) الذي شهدتْه الجزائر بينَ فريق كُرَة القَدَم الوطني الجزائري وَنَظيرِهِ الفلسطينيّ حيثُ كانت الجماهيرُ الجزائريّة – في ظاهرَةٍ لم يَعْرِف التاريخُ لها مَثيلاً – تُشَجِّعُ لاعبيّ الفريق الفلسطينيّ على حساب لاعِبيّ فريقِها الوَطنيّ!.
وَما أشَرْنا إليهِ يُؤَهِّلُ الجزائر بامتياز كي تَعدّها الدوائر الصهيونيّة العالميّة والكيان الإسرائيلي " عَدوّاً " حاضراً حُضوراً دائما في سياساتها المرحليّة والاستراتيجيّة ، خاصّةً وَأنّها البلد الأكبر في المغرب العربي مِن حيث الثروات البشريّة والطبيعيّة والماليّة وتمتلك القوّة العسكريّة الأقوى بجيش هُوَ الرابع الذي تَعدّه "إسرائيل" خَطراً يُهَدِّدُ أمنها الاستراتيجي إلى جانب جيوش العراق وسوريا ومصر. وبالتالي كانت ولاتزال هَدَفاً رئيساً مِن أهدافِ مؤامرَةِ "الربيع العربي" لإقامةِ ما يُسَمّى "الشَّرْق الأوسط الكبير مِن الباكستان إلى مراكش" عَبْرَ تدمير الدُّوَل الوطنيّة في هذا الحيِّز الجغرافي لتقومَ على أنقاضِها،وعلى أسُسٍ دينيّة طائفيّة وعرْقيّة، دُويلاتٌ فاشِلَة تَدورُ في فلكِ "دولة إسرائيل اليهوديّة الكُبْرى" ، وفي هذا السِّياق تُصَفّى القضيّةُ الفلسطينيّة. كما أنَّ الجزائرَ تُمَثِّلُ عَقبة كأداء في وَجْهِ المَطامِع الإسرائيليّة ومَطامِع الدولة العميقة الأمريكيّة الرّوتشيلديّة بالثّروات الطبيعيّة والبشرية على امتدادِ القارّة الأفريقيّة ، خاصّةً بَعْدَ انهيار جدار مصْر "الناصريّة" وَجدارليبيا "القذّافيّة" اللتين كانتا إلى جانب الجزائر سُوراً مَنيعاً في وَجْهِ تنفيذ السيناريوهات الصهيو-أمريكيّة الواحد بَعْدَ الآخر في القارّة السّمراء ، فَحتّى وَقْتٍ قريب تَحُول الجزائر دونَ نجاح "إسرائيل" في مُحاوَلاتِها المُتَكَرِّرَة للانضمام إلى "الاتحاد الإفريقي" والحصول على صِفَةِ "عُضو مُراقب" فيه ، ولا تزال الجزائر بسياستِها المبدئيّة الرافضة لأيّ تَدَخُّلٍ خارجيّ في شُؤون الدٌّوَل ذات السيادة تَحمي دُوَلَ المغرب العربي مِن المُحاوَلات الإسرائيليّة للتوَغُّلِ أكثَر في استباحَةِ الأمْن القومي العربي مِن الظهْر الأفريقي العاري ، وَبتنسيقٍ مع موريتانيا و النيجر ومالي تَمَكّنت مِن تشكيل ما يُسَمّى "حلقة الميدان" لصيانة أمنها وأمن دُوَل المغرب العربي بأسْرِه مِن الخَطَر الصّهيو أمريكي المُتَرَبِّص، وترفض بشدّة أي تَدَخُّلٍ جديد للحلف الأطلسي في مُجْرَيات الأزمة الليبيّة كما أنّها تَعي جيّداً مَخاطِر مُحاوَلات جرّ الجيش الوطني الجزائري إلى حُروبٍ خارج حُدوده ، في ليبيا أو مالي مَثلاً . وَعلى الرغمِ مِن ذلكَ فإنّ الدوائر الصهيونيّة لن تكلّ ولن تملّ مِن تكرار المُحاوَلات لاختِراق جدار الصدّ الجزائري. فَمُنْذُ ما سُمِّيَتْ "المُصافَحَة التاريخيّة" سنة 1999بين الرئيس الجزائري "عبد العزيز بو تفليقة" و"إيهود باراك" رئيس حكومة العدوّ الإسرائيلي(آنذاك) على هامش جنازة الملك الحسَن الثاني في العاصِمَة المغربيّة / الرّباط، والتي حَصَلَتْ في لقاءٍ بينهما دامَ عشْرَ دقائق فإنَّ بوتفليقة (حسبَ إعلان الرئاسة الجزائريّة) قالَ لِباراك :" لم تكُن لنا مُشكِلَة أبداً مع إسرائيل ، وفي اليوم الذي سَيُحَلُّ فيه الصِّراع مع الفلسطينيّين سنكون سُعَداء بإقامَةِ العلاقات الدبلوماسيّة معكم" ، إذَن مُنْذُ ذلك اللقاء شَهَدَتْ العلاقات الإسرائيليّة – الجزائريّة محطّات تطبيعيّة عديدة في مجالات مختلفة ، تَصدّى الشعبُ الجزائري وَقُواه الحيّة لأكثرها بينما تَمَّ بَعُضُها (ليس هُنا مَجال التفصيل فيها ، فَقَد تطَرَّقْنا إلى جانبٍ مِنها في كتابنا "التطبيع ومقاربات أخرى في المسألة الفلسطينيّة" – دار ديار – تونس2018)، لكن المُهمَّ هُنا أنّه في حين كانَ الجانبُ الجزائري يرمي مِن تلك المحطّات إلى تخفيض حدَّةِ الاندفاع العدواني الصهيو أمريكي ضدَّ الجزائر ، فإنَّ الجانب الإسرائيلي لم يُخْفِ حقيقةَ أنَّ كُلَّ خُطوَة "تطبيعيّة" منه صَوْبَ الجزائر يكون الهَدَف منها أن تُساعِدَه على تقويض الدولة الوطنيّة الجزائريّة في حال تَمَكُّنِهِ مِن كَسر عَمودِها الفَقري الذي هُوَ الجيش الوطني الجزائري. ولذلكَ فإنَّ "إسرائيل" تأمَل مِن جميع المحطّات التطبيعيّة تمكين جهاز "الموساد" الجزائري مِن زَرْع جواسيس ليس فقط لاخْتِلاق ذرائع أحْداثِ شَغَب وتخريبٍ ، وإدارتها عندما يحين الوقت المُناسب ، بل والأهمّ لرصْد أيّ شيء وكُلّ شاردة وواردة تتَعلّق بالجيش الوطَني الجزائري بما في ذلكَ مَثلاً مَعلومات "تتعلّق بِحَجْمِ وطبيعةِ صَفقات الأسلحة التي تُبْرِمُها الجزائر مع دُوَلٍ كروسيا ، وَتَطَوُّر الصناعات العسكريّة داخل الجزائر ،وطبيعة البرامج العسكريّة وَمُستويات التكوين والمعدّات اللوجستيّة والمراكز الحيويّة العلميّة والتقنيّة...إلخ". ولاشكّ أنّ العيون الجزائريّة المعنيّة مفتوحة على ذلكَ كُلّه ، ألم تكشف سنة2016 مُحاوَلات امرأة كانت ضابطا في جيش الاحتلال الإسرائيلي ، حضرَت إلى الجزائر بجواز سفَر أوربي لغَرَض التّجسُّس؟، وفي سنة 2017 ألم تُفَكِّك السلطات الجزائريّة المعنيّة في منطقة غرداية شبكةَ تجسُّس إسرائيليّة على رأسها "علاء الدين فيصل" الليبيري مِن أصْلٍ لبناني الذي يبلغ مِن العُمر 37عاماً ، ومعه تسعة عناصر أخرى مِن أربع جنسيات أفريقيّة ، فحَكَمت على "فيصل" بالإعدام وعلى العناصر الأخرى بثماني سنوات سجنا لكلٍّ منهم؟. وقبْلَ هاتين الحادثتين ثمّة حَوادث مُماثلة . بل إنّ الشرَّ الإسرائيليّ لم ولن يتوقّفَ عنْدَ هذا الحدّ ، فإسرائيل لم تتردَّدْ في تسيير طائرات مِن غير طيّار للتّجسُّس على مُنشآتٍ عسكريّة جزائريّة ، بل هي تُتابعُ كَلَّ ما يَتَعلَّق بالجيش الجزائريّ حتى خارجَ الجزائر أيضاً . فحسب موقع "مينا ديفنس" نَفَّذَ جهازُ "الموساد" الإسرائيلي عمليّةَ تجَسُّس على مصنع للسُّفُنِ الحربيّة في ألمانيا كان بِصَدَدِ صناعةِ بارجتَيْن حَربيّتين مِن نوع "2001" لحساب القوات البحريّة الجزائريّة، الأمر الذي أدّى حينها إلى توَتُّر وخلافات بين برلين وتل أبيب.
فالكيان الصهيوني يعتقد أنّ الجيش الجزائري سيكون طَرَفاً في أيّة حرْب عربيّة حقيقيّة ضدّ جيش الاحتلال الإسرائيلي ، لذلكَ يجب التخلُّص مِنه وَمِن كُلّ عَوامِل القوّة الوطنيّة الجزائريّة في أقرب الآجال المُمكنة، كما تمّ التخلُّص مِن الخَطَر الاستراتيجي الذي كانت تُمَثِّلُه جيوشُ العراق ومصر وسوريا. فإذا كانَ الجيشُ العراقي (في عهد الرئيس صدّام حسين) قد تمّ شلّه وحَلّه بِغَزْوٍ واحتِلالٍ مُكلِفَين، فإنّ الجيشين المصري والسّوري يُسْتَخْدَمُ مُعهُما "الجيل الرابع مِن الحَرْب" حسب تعبير خبير الاستراتيجيّة العسكريّة في معهد الدراسات التابع لكليّة الحرب الأمريكيّة البروفيسور "ماكس مانوارينج" بِمُحاضَرَة له في "إسرائيل" أمامَ ضبّاط كِبار في حلف الناتو يوم 13/08/2013،لَفَتَ فيها إلى أنّه ليس الهدَف هُنا تَحطيم المؤسّسة العسكريّة لإحدى الأمم ، أو تدمير قدرتها العسكريّة ، بل الهَدَف هو : الإنهاك، والتّآكُل البطيء، لكن بثبات، والهدَف هُوَ إرغام العَدوّ على الرّضوخ لإرادتِكَ" وذلك "بزعزعة الاستقرار ، وهذه الزعزعة يُنَفِّذُها مُواطِنون مِن الدَّولة العَدوّ لِخَلْقِ الدولة الفاشلة". و" الجيل الرّابع مِن الحرب" هُوَ الذي تُعِدّه الدوائرُ الإسرائيليّة – الأمريكيّة للدولة والجيش الوطنيين في الجزائر أيضاً ، ولكنَّ المؤامَرَة الخارجيّة مُحكومٌ عليها بالفَشَلِ سَلَفاً إنْ لم تَعتمدْ على حاضِنَة وأدوات داخليّة مُتَواطئة مع مُدَبِّريّ المؤامَرة الخارجيّة. ولِتَنفيذ السيناريو التآمُري وتمزيق أواصِر الدولة الوطنيّة الجامِعة تُسْتَخْدَم البراجماتيّة الرخيصة باستخدام الوسائل المتناقضة جذريّاً أحياناً وتوظيفها لبلوغ ذات الغاية وتحقيق الهَدَف المَنْشود صهيو أمريكيّاً ، وَهُوَ هُنا تدمير الدولة الوطنيّة وجيشها ، وذلك بدَعْمِ وَتحريك الإسلام السياسي العَولَمي مِن جهة وإيقاظ وتسعير المَشاعر القوميّة الشوفينيّة مِن جِهَة ثانية. وَمِن المُفارَقات في الجزائر أنّ الثّورة مِن أجلِ الاستقلال جَعَلَتْ مِنَ الإسلام رافِعَةً نضاليّة ضدّ الاستعمار الفرنسي حتّى في المناطِق الأمازيغيّة ، بما في ذلكَ "جبال الأوراس" ، ولا حِقاً حاوَلَتْ فرنسا تحريك ما يُسمّى "الأكاديميّة البربريّة" ضدّ الدولة الجزائريّة (العربيّة) على خلفيّة عرقيّة ، لِيُفاجئنا خِطابٌ ضدّ العَرب "الغُزاة" ولكن بِتَبَنٍّ مُتَطَرِّف لنتاج " الغَزْوِ العربي " أعني الإسلام السياسي "بَطَل" العقد التسعينيّ الأسود ، مُنَفِّذ نظريّة دَفْعِ الدولة الوطنيّة وجيشها إلى دوّامةِ الإنهاك والتآكُلِ البطيء ولو عَبْرَ سنوات بأدوات محليّة "شَرِسَة وشرِّيرَة" كالإخوان المسلمين والسلفيين الجّهاديّين. وبتراكُم الخبرات على مَدى عقْدٍ مِن "ثورات الفوضى الخلّاقة" تُحَرِّكُ الدوائر الصهيو-أمريكيّة السيناريو الأمازيغي/الإباضي الذي يستهدف استقرار الجزائر خاصّة على الرغم مِن أنّه يشمل الدول الأفريقيّة الواقعة على الساحل الجنوبي للبحر المتوسّط كافّة(مِصْر ، ليبيا ، تونس، الجزائر والمغرب)، وفي هذا السّياق يتنزّلُ نشاط "بنيامين نتنياهو" مِن سلطَنَة عُمان مركز النشاط الإباضي إلى تشاد وَمالي.
يُؤكِّدُ المُؤرِّخُ الجزائري "جمال مسرحي" في حوار أجرتْهُ معه صحيفة "الشروق" الجزائرية يوم 14/01/2019 أنّ "النضال من أجل الهوية البربرية كحقٍّ مشروع في كثير من الحالات، وفي حالات أخرى كحقٍّ أريدَ به باطل لدى الكثير مِن السياسيين، بَرَزَ بغية اتخاذ القضية مَطِيَّة لتصفية الحسابات بين قادة الثورة أنفُسِهم، وأمام القبضة الحديدية التي اتسمت بها فترتا حكم الرئيس أحمد بن بلة والرئيس هواري بومدين تجاه هذه المسالة، وتبنِّيهما بشكل كبير للعربية كلغة وهوية رسميه للدولة الفتيّة(...) حاولت المؤسسة الاستخباراتية الفرنسية استثمار (...) تلك الخلافات بين الجزائريين لتستغل بعض المثقفين الجزائريين أمثال مولود معمري ومحمد أركون، يؤطِّرُهم بعضُ المحسوبين على جهاز الاستخبارات الفرنسية، كجاك بينيت (JACQUES BENET) الأنثروبولجي اليهودي الفرنسي المعروف والباحث جابريال كاميس (G.Camps)، بتأسيس الأكاديمية البربرية في فرنسا سنة 1967" ،و"يبدو أنّ ما جَعل فرنسا تُقدِم على ذلك هو محاولة عَرْقلة جهود الرئيس الراحل هواري بومدين فيما يتعلق بسياسة التنمية الشاملة التي أعلنها منذ توليه مقاليد السلطة غداة الإطاحة بالرئيس أحمد بن بلة في 19جوان1965، حيث قام بتأميمات أضرَّتْ بالتواجُد الفرنسي في الجزائر، لاسيما في شِقِّه الاقتصادي، ويتعلق الأمر بتأميم المناجم في 1966، والبنوك في ذات السنة، وإلغاء التجارب النووية الفرنسية في الصحراء (رقان وإينكر)، ثُمَّ طَرْد الفرنسيين مِن قاعدة المرسى الكبير البحرية في سنة 1967، لذلك يبدو الأمر واضحا تماماً أن فرنسا التي استمرَّ احتلالُها للجزائر أزْيَدَ مِن قرن ونصف القرن لم تفكر في إنشاء مؤسسة تهتم باللهجات البربرية إلا بعد مغادرتها للجزائر، وهذا يثير أكثر من علامة استفهام، ويَجْعل مِن أمْر إنشاء الأكاديميّة البربرية في باريس في تلك الفترة تحديداً فِعْلاً مُوَجَّهاً لعرقلة جُهود الرئيس بومدين وإلهائه عن تلك السياسة التي أزعجَتْ الساسة الفرنسيين، لا سيما أنه كما هو معروف ، سيُقْدِم على إجراء جريء تمثَّلَ في تأميم المحروقات في 24 فبراير 1971، وهو ما قَوَّضَ فعلاً المصالحَ الفرنسية بالجزائر، وكانت له انعكاسات على الساحة الإفريقية ككل.." ، وقد عادََ "الوضع للبروز مرّة أخرى بعد وفاة الرئيس بومدين، وانفجَرَ في سنة 1980، وتحديداً في 20 أفريل من تلك السنة، فيما عُرِف آنذاك بالربيع البربري، وذلك بمواجهات عنيفةٍ بين المتظاهرين وقوّات الأمْن في مدينة تيزي وزو، وذلك بعْد رفْضِ والي الولاية الترخيص للكاتب مولود معمري بإلقاء مُحاضَرة حول الشعر القبائلي. كان ذلك في 10 مارس 1980، ومنذ ذلك التاريخ توالتْ الاحتجاجاتُ والمُواجهات، وكانت تندلعُ مِن حِينٍ إلى آخر باحتلال الطلبة لجامعة تيزي وزو، وبلغَتْ أشدَّها في 20 أفريل 1980، ورغم أن الطلب كان في جوهره ثقافيّاً إلا أن باطِنَه كان سياسيّاً بامتياز، مِن خلال سَير الأحداث، من ذلك إشاعة خبر مقتل 32 طالبا لتأجيج الوضع أكثر، مِمّا يوحي أن هناك في هذا السياق مستفيد من تأجيج الصراع وتعقيد الأمور، وهو من كان وراء تلك الشائعات." ، ثُمَّ " هدأتْ الأمورُ إلى غاية فتْح المجال أمامَ التعدُّديّة السياسية بعد أحداث أكتوبر 1988، والتحوّلات السياسية التي عرفتها الجزائر، ليعودَ مطلبُ الهوية الأمازيغية وبشكلٍ عَلنِيٍّ مِن قِبَلِ الأحزاب السياسية، رغم أن بعض تلك الأحزاب لم تكُن تؤمن به أصلا، وإنّما كان الهدَفُ هُو الضغط على السلطة أو كسب أصوات المُواطنين واللعب على عواطِفهم، ذلك ما جعل الرئيس "اليمين زروال" يُبعِد الأمازيغية والإسلام عن التجاذبات السياسية مِن خلال قانون إعادة هيكلة الأحزاب والجمعيّات السياسية الصادر سنة 1995، ويُكرِّسُ ذلك في دستور 1996 بشكل واضح."، ومُؤخَّراً بَرَزَ مَشروعٌ تقسيميٌّ جديد في شمال أفريقيا يَعِدّ "الذريعةَ الأمازيغيّة" ركيزتَهُ وَغِطاءَه ، وَبَدأَ تنفيذُهُ بزيارة "بنيامين نتنياهو" رئيس حكومة العَدوّ الإسرائيلي الأخيرة والمُعْلَنَة إلى سَلطَنة عُمان مركز المذهب الديني الإباضي ، كَوْنَه المذهبَ الأكثر انتشاراً عند أمازيغ شمال أفريقيا ، وزيارة "نتنياهو" الأخيرة إلى تشاد والزيارة التي يعتزم الرئيسُ المالي القيام بها إلى الكيان الصهيوني ليست بعيدة عن هذا السّياق. ويجري الحديث عن أنّ مليارات الدولارات الأمريكيّة مَرصُودَة لهذه الخطّة ، إضافةً إلى زجّ قبائل زوارة الليبيّة الأمازيعيّة الإباضيّة لتكون رأس حربة انطِلاقِ هذا المشروع التآمري لما تمتلكه تلك القبائل مِن قُوّة عسكريّة تُسَمّى "القوّة الوطنيّة المُتحرّكة" وقوّة مالية ناجمة عن سيطرتها على عمليّات تهريب النّفط والغاز والّرفْد المالي العُماني. وإذا كانت مَسْقَط قد استقبلت 400شخصيّة أمازيغيّة لتدريبهم وتأطيرهم كمرجعيّة دينيّة لأتباع المذهب الأمازيغي ، فإنّ التنسيق مع الإخواني الليبي "علي الصلابي" هدفه استقطاب الطوارق الأمازيغيين الذين يعتنقون المذهب السنّي للانخراط في هذا المشروع ، ناهيك عن أنّ قبيلتي الطوارق والتبّو على علاقات مع إسرائيل التي تُشرف على تُسليحهما!. ولا تخفى حقيقة أنّ الوجود الإرهابي في تونس يتركّز منذ سنوات على التضاريس الصعبة القريبة مِن الحدود الجزائريّة . يُضاف إلى ذلك أنّ أطرافاً عسكريّة وأمنيّة في المنطقة رَبَطَت بين هذا المُخَطَّط والتواجُد الأمريكي في البحر الأبيض المتوسّط قُبالة شواطئ الشمال الأفريقي.
والقوى الجزائريّة الوطنيّة تستشعر هذه المخاطر بدون شكّ ، وهذا ما نستشفّه مَثَلاً مِن تصريح "مُعاذ بوشارب" رئيس الهيئة المُسَيِّرَة لحزب جبهة التحرير الوطني الذي توَعَّد فيه "بالتصدّي لِكُلِّ مَن يُحاوِل زعزعة استقرار البلاد وتغيير مسارها، قائلا : مَن أرادَ للجزائر أن تأخذَ مَنحى آخَر سنقف له بالمرصاد"، كما جاء في صحيفة "الشروق" الجزائرية يوم 12/01/2019.وكذلك مِن دعوة رئيس "تجمُّع أمَل الجزائر" في ديسمبر 2018 إلى "طَيّ صفحة العداوات والتراشُق ، تحقيقاً للحصانةِ مِن التهديدات الدّاخليّة والخارجيّة". ناهيكَ عن تحذيرات الرفيقة المناضلة "لويزة حنّون" الأمينة العامّة لحزب العمّال الجزائري مِن مَخاطِرِ ما يُدَبّر لبلادها وجيشها مِن مكائد.
ليس بعيدا أنّ المُتآمرين رُبّما حدّدوا نقطة الصفْر للعبَثِ الكبير بأمْن الجزائر واستقرارها ، مُراهنين على الوضْع الصحّي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يبدو أنَّه الآن مُرَشَّح الأحزاب الكبرى لخوض الانتخابات الرئاسيّة يوم 18أفريل 2019 .ولذلك فإنّ الواجب الوطني يُحتِّم على جميع القوى الوطنيّة الجزائريّة أنْ يتّحدوا على برنامج مِن نقطتين رئيستين هُما : وحدة الجيش الجزائري ووحدة الدولة الجزائريّة ، لأنّهما هَدَف مُزْدَوج للمتآمِرين في الداخل والخارج مهما رفعوا مِن شعارات ديماغوجيّة سياسيّة وحقوقيّة وإنسانيّة ، هذه الشّعارات التي استيقظَ البَعْضُ على زَيْفِها مُتأخّراً ، وهذا ما أراده مُنِظِّرو "الجيل الرابع مِن الحرب" بقولهم "استيقاظ العدوّ مَيْتاً".
ولكن هذا لا يُعفي أحداً ، لا الحكومة الحالية ولا الحكومات اللاحِقة ،مِن تأمين حقوق المواطن الجزائري كافة الأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعية والصحيّة والتعليميّة والثقافيّة ، وهذا واجبٌ حَتْمِيٌّ على الحكومات الوطنيّة كي يلتفّ الشعب حولها ، كما حَصَل مع الزعيم "هوغو شافيز" ويحصل اليوم مع خَلَفه "نيكولاس مادورو" في فنزويلا" . وإلا فإنَّ الجماهير ستكون على الحياد إن لم تكن حاضنة للسيناريوهات التآمُريّة التي تتربّص بالجزائر والمنطقة بأسرها.
وَبتعبير أوضَح ، نَعَم ثَمّة مُؤامَرَة خارجيّة ، ولكن ليس كُلّ ما يُعاني مِنْه المواطن والوَطَن (في الجزائر وسوريا والعراق ومصر وليبيا وتونس إلخ..) مِن جَرّاء المُؤامَرَة الخارجيّة ، لأنّه يحدث أيضاً أن تتآمَر الحكومة مع الرأسمال الداخلي المُرتبط بالرأسمال المركزي الإمبريالي العَولَمي في الخارج ومع الفساد (الداخلي والخارجي) ضدّ الدولة الوطنيّة.
وعلى كُلّ القوى الوطنيّة في شَمال أفريقيا خاصّة ، والمنطقة العربيّة بعامّة، أن تَنتبه إلى أنّه في حال عادَت الأمور في الجزائر (لا سمَحَ الله ) إلى عَقْد التسعينات الأسود ، فإنّ المنطقة بأسرها ستعود إلى المُرَبّع الدَّمويّ الوحشيّ الأوّل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.