تأسست في سوسة جمعية جديدة اسمها "الجمعية التونسية للشفافية المالية"، عرضت برنامج عملها أمام قلة قليلة من ممثلي الصحافة الوطنية، فكشفت حقائق مذهلةً تستدعي علاوةً على إطلاع الرأي العام عليها الدعوةَ إلى أن تتحلى إجراءات الحكومة المؤقتة في ملف استرجاع الأموال التونسية المنهوبة والمودعة في بنوك أجنبية بالسرعة والجدية والنجاعة والشفافية. يبين الدكتور سامي الرمادي رئيس الجمعية استنادا إلى تحاليل الخبراء والمعطيات المنشورة في تقارير دولية، أن الأموال التي تحتفظ بها عائلة الرئيس المخلوع والعائلات المتصاهرة معه والمطلوبَ تجميدُها فورا والعملُ على إعادتها إلى البلاد التونسية، تعادل قيمتُها أكثرَ من خمسمائة مرّة محتوى الخزانة التي ضبطتها لجنةُ تقصِّي الحقائقِ حول الفسادِ والرشوة في القصر الرئاسي، هذه الأموالُ تكفي على سبيل المثال لإنشاء طريق سيارة طولها خمسة آلاف كيلومتر، أي أن تضاعف شبكتنا الحالية عشر مرات لو كنا في حاجة إلى ذلك !! ونبه رئيسُ الجمعية ونائبه السيد حافظ البريقي المحامي إلى أن ما نشرته الصحف الوطنية بالعناوين الغليظة حول تجميد هذه الأموال المسروقة من قبل الدول الغربية مثل سويسرا وكندا، أمر غير دقيق ومن شأنه أن يخدّر المواطن بطمأنينة زائفة، فمن السذاجة أن يعتقد الواحد منا أن هذه الدول ستعمل تلقائيا على إرجاع هذه الأموال لمجرد إعجابها وانبهارها بالثورة التونسية، أو لمجرّد تلقيها إشعارا من الحكومة غيرَ متبوع بإجراءات دقيقةٍ وواضحةٍ وصحيحة، ويستدلُّ المتكلمان على ذلك بأن هذه الدول تطلب على سبيل التسويف والتعجيز من الدولة الراغبة في تجميد حسابات مشبوهة أن تمدها بقائمة هذه الحسابات وخصوصا الحسابات البنكية ذات الهوية الرقمية وما يفيد فساد مصدرها وأحكام قضائية تدين أصحابها وهو ما لا يمكن توفيره الآن ولا شيء يضمن البتة أن يستغل الجناة المتضررون هذه المماطلة الرسمية لتذويب هذه الحسابات ونقلها. وإذا أدركنا حجم مديونية بلادنا ونظرنا بعين الريبة إلى استعدادات الدول الغربية لمنحنا المزيد من الديون لتجاوز مخلفات الوضع الاقتصادي الراهن، وإذا اعتبرنا أن استرجاع الأموال المنهوبة وضخها من جديد في الدورة الاقتصادية الوطنية أهم من مجرد تجميدها، من الضروري الانتباهُ إلى أن التجاربَ السَّابقةَ تُثبت عدمَ جدية الدول الغربية في إرجاع الأموال المودعة في بنوكها إلى مستحقيها، وهي تتعامل بسياسة المكيالين مع طالبي الحقوق، فلئن سوّفت سويسرا دولةَ الزايير أكثر من عشر سنوات لتعيد الأموال في النهاية إلى ورثة الديكتاتور المخلوع موبوتو، فإنها رضخت بصعوبة لضغوطات اللوبي الصهيوني في كواليس مؤسسات المال الأمريكية وأعادت إلى اليهود ورثة ضحايا الهولوكوست أموالا طائلة لم تستطع التّفصِّي منها رغم مرور أكثر من نصف قرن !! لقد باشرت الجمعيةُ بعدُ عملَها وربطت الصلةَ بجمعيات دولية تعمل على فضح السياسة البنكيةِ الغربيةِ وخصوصا في سويسرا حيث يُمنحُ لصوصُ العالَمِ الثّالِثِ خزائنَ وثيرةً لإخفاءِ مسروقاتِهم بينما تُغرِقُ هذه الدولُ ذاتُها البلدانَ المنهوبةَ بالقروض، ونقل رئيس الجمعية إلى الحاضرين إعجابَ الطرف الغربي بشجاعة الشارع التونسي وانبهارَه بقدرته على قلب النظام رأسا على عقب بقوة العزيمة والإرادة والإصرار واحترازَه في ذات الوقت من الطريقة التي تعاملت بها الحكوماتُ المؤقتة مع ملف الأموال المنهوبة حيث تنتظر هذه الجهات المناصرةُ لحق الشعوب في استعادة أموالها خطواتٍ أكثرَ جرأةً وثباتًا حتى لا تكون الإجراءات الخاطئة سببا في تعطيل القضية والدخول بها في متاهات يتقن الطرف الآخر أكثر منا مساربها... الجمعية التونسية للشفافية المالية، تُنبِّه إلى أن الدول التي تحتضن بنوكُها أموالَ الشعب التونسي تَعرفُ أكثرَ من غيرِها أن هذه الأموالَ مسروقةٌ، ولا حاجة لدليل مادي يثبت أن رئيس دولة تقع في شمال إفريقيا لا يمكنه في ظرف عقدين من الزمن أن يمتلك تلك المبالغ الطائلة، ولذا فهي تشارك في الجريمة بإخفاء المسروق، ويتعيّن على المجتمع المدني بأسره أن يشارك بشتى الطرق وبنسق تصاعدي في الضغط عليها كي تتراجع عن موقفها هذا وتلقي بأساليب المماطلة المألوفة جانبا، فهذا الملف الموضوع بين أيدي الحكومة التونسية الموقّرة هو ملفُّ كل التونسيين، لأنّ استردادَ الأموال المسروقة وضخَّها من جديد في الاقتصاد الوطني سيكون إضافة إلى أهميته التنموية كفيلا بأن يزيح عن صدورنا قليلا من الهم الكثير الذي يتراكم من يوم لآخر كلما اكتشفنا المزيد من فساد النظام السابق خلال عهده السعيد.