خرجت ذات صباح يوم أحد قبل شروق الشمس قاصدا مكتبي، وأنا حامل حاسوبي على كتفي متوجها إلى أين أركن سيارتي ليلا، ترجّل أحدهم من سيارة قد وقفت قبالتي، وتوجه نحوي وألقى علي التحية، فرددت بأحسن منها، فقال لي: ألا تذكرني يا سي الحبيب... قلت: المعذرة سيدي... فقال: أنا من كنت مع فريق لي (قبل هروب المخلوع) مكلفا بمتابعتك ومراقبتك إداريا بعد خروجك من السجن... فقلت: وهل لازلت على الشغل نفسه؟، قال: لا سيدي، أنا الآن أعمل مكونا ومؤطرا للمنتدبين الجدد في سلك الأمن... وأؤكد لك سيدي، أنني أدرب أفراد هذا الجيل كيف يكونون خداما للوطن وحماة لأرض تونس وسيادتها، وأعلمهم أنهم ليسوا خدما لزيد أو لعمرو، وأنهم ليسوا معنيين بالتجاذبات السياسية ولا بتصفية الحسابات بين الأحزاب... فقلت: واعلم سيدي أيضا، أنكم إذا كنتم مع الشعب فالشعب سيكون معكم، وإذا عملتم ضد كرامة وحرية وأمن هذا الشعب، فالشعب لا زال على عهده أبيّا، فسيهدم البيت على رؤوسكم وسيشعلها نارا في وجوهكم... فلا يغرنكم حلم وغفلة العامة من الناس، فلا تبخلوا على هذا الوطن بأرواحكم وجهدكم وتضحياتكم من أجل سلامتكم وكرامتكم، وسلامة وكرامة كل التونسيين... فقال: أنا سعيد برؤيتك سيدي، وأؤكد لك أن الأمر قد تغير بحق لصالح تونس وشعبها... فقلت له مودّعا: أرجو أن يتحقق ذلك... يخطئ من يظن أن أمر هذا البلد العربي المسلم تونس أعز الأوطان، بيد زيد أو عمرو، ولكن الأمر يؤتيه الله لمن يشاء متى شاء لحكمة ما، والأمر كله لله، ولكنني عجبت، كما قال عمر الفاروق رضي الله عنه، لأهل الباطل وحرصهم ولأهل الحق وتهاونهم... كما عجبت لمن آل إليه الأمر ففسق وأفسد وأطلق لهواه العنان، وظن أن لن يقدر عليه أحد... والكل نسي أو تناسى لضعف في الإيمان بحكمة الديان، بأن الأمر كله لله، وأن الدُول دِول، وأن الأيام هي أيام الله يداولها بين الناس... ولو شاء ربك ما فعلوا ما فعلوه...