تتبعت مثل غري من التونسيين الحديث الذي جرى ليلة البارحة مع فاضل عبد الكافي عن مستقل تونس القادم وبصمت على كل ما جاء فيه بأصابعي العشرة، وقلت بانه كان الأشمل والأقرب الى قلوب التونسيين قاطبة، يبعث الثقة والأمل في نفوسهم بعدما كلت ويئست من كل الأطروحات السابقة التي قدمت منذ14 أكتوبر2011 وما قبله ومنذ دخول القرن الواحد والعشرون الذي بتنا نعيشه. اقول ذلك صادقا لأني اعرف السيد فاضل عبد الكافي شخصيا معرفة جيدة، وقد تتبعت مساره ومسيرته وتشرفت بالقرب منه والعمل مع المؤسسات التي أدارها ومازال يديرها وسبق لي ان كتبت عنه وتفاعلت معه ذات مرة لما تعرض لتهمة كيدية تبددت بالقضاء الذي جابهه بشجاعة وخرج منها سالما مثل البلور الناصع. كانت نظرتي له دائما صادقة لأنه لم يكن يتبع الطرق السهلة دائما وكان صارما حتى مع نفسه، ولم يصدر منه أو عنه ما يشين ابدا لأنه تربى على ذلك في وسط معتبر لا فائدة من ذكره حتى لا أحرجه لما له من تواضع مفرط. قلت وانا استمع اليه بانتباه واعجاب وكأني تلميذ جالسا على المقعد في المدرسة وهو المعلم يشرح الدرس لنا بيسر وبساطة، متمنيا لو كان لتونس منه عشرة حتى تقف على سوقها وتخرج من ازمتها التي طالت وتعقدت من قلة الكفاءة وسوء الادارة وجمودها الذي ضربت به، ومن كثرة الوعود الكاذبة والعجز المطبق الذي كان عاما في كل الحوارات التي تداول عليها في زمن ما قبل الثورة وما بعدها أناس لا خبرة لهم في أي ميدان كان وباتت تونس من وقتها تطلب المساعدات والإعانات والقروض المجحفة لخلاص موظفيها واعوان مؤسساتها الى الدرجة المسيئة لسمعتها زيادة عن ارتهانها للغير بدون سبب او أفق لمستقبلها. لكنني في النهاية استيقظت من غفوتي وتذكرت الواقع الذي بتنا عليه الان خاصة بعد الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية ونتائجها وما سياتي بعدها وكيف بتنا في مأزق يفرض علينا الاختيار بين مترشح أجمع القوم على علمه ونزاهته واستقامته ولكنه لم يكشف لنا عن خطته التي ستخرجنا من أزمتنا، ومترشح واخر له مشكلة مع القضاء لم تنحل بعد وبات متهما وموقوفا على ذمتها بالرغم مما شابها. ذلك ما حيرني وبدد كل تفاؤل فرحت به لأني لم أجد طريقا مشرفا يخرجنا من هذه الحلقة المفرغة والكابوس الذي بقي مسيطرا علينا دائما. قلت ربما كان ذلك من سوء اختيارنا للنظام السياسي الذي بات عائقا، وظهرت مساويه في الانتخابات السابقة التي كانت أكثر ايامها خصاما وتعطيلا لتركيز المؤسسات التي أوجبها الدستور ولم تنجز، وبتنا نعالج القضايا الكبرى بالتوافق الذي بات معطلا لأنه معلق على حسن النية وسوئها وهو ما كان ليقع. وأقول صادقا بان الطرح الذي أوجزه السيد عبد الكافي ليلتها يستوجب فترة استثنائية لإجراء الإصلاحات الكبرى التي باتت تعطل اَي تنمية، وفتح الأفق للاستثمار وعودة الثقة. ولن يكون ذلك الا بإعلان حالة الطوارئ الخاصة، غير التي بتنا تحتها منذ الأيام الأولى من الثورة لمجابهة الارهاب. لكن ذلك يجب ان يقع بالتوافق بين المنظمات الكبرى والأحزاب الأساسية الممثلة في مجلس النواب الذي سينتحب لاحقا. تلك هي الخواطر التي باتت تخامرني صباحا مساء خرجت بها بعد استماعي ليلة البارحة لذلك الطرح الواجب التنفيذ عاجلا، متمنيا ان يتبلور اكثر في نطاق الدستور ومؤسساته،وتحت راية حب الوطن وحده، وتلك هي الفرصة الذهبية المتبقية التي علينا عدم إضاعتها والسلام.