اتابع بانتظام كمعظم التونسيين ما ينشر في الصحف اليومية، الورقية منها والالكترونية، مركزا خاصة على الناحية الاقتصادية، رغم غياب الصحافي المختص في هذا الميدان، وتجربة المناظرة اكدت للمشاهد ذلك، يطلب من المرشح، عند وصوله لقبة البرلمان، وفي بعض ثوان، الادلاء بتصوره للحد من المديونية والتضخم، و اصلاح منظومة التقاعد، و معالجة البطالة، وتحيين نظام التعليم ... وهلم جر من المواضيع الحياتية الدقيقة التي تطلب التحاليل المعمقة، والاقتراحات المدروسة، وكلها لها تأثير على الحياة اليومية، وعلى المستقبل المجهول، والخضم الذي اصبح سرا صعب ادراكه، و الذي رمتنا فيه احزاب بعثت لنشر البلبلة، بتدعيم مالي ومعنوي من ايادي، سواء كانت خفية المصدر، او تخشى الاضواء الكاشفة، لان اغلب المرتشون، عند المسؤولية التي انيطت بعهدتهم، وقضوا فيها ردحا من اعمارهم لقربهم من مصدر القرار، كانت لهم في العهود المتتالية ، المناصب والتبجيل، وما كان لهم نضال او تاريخ يذكر، و لما لم يتحصلوا على ما كانوا يرمون اليه، في اعلى هرم الدولة، انقلبوا على من كانوا يعبدونه، ولو لضرف وزمن محدودين، وانطلقت اقلامهم من جديد، بكل وقاحة، على اهلهم واولياء نعمهم، بالذم والشتم، وهم كعادتهم يترصدون الفرص، للنصح والارشاد، والتحليل المعمق الذي يدعونه من وجهة نظرهم، لإغراء الناخب وجلبه الى استماع صوتهم الهامس، وتغريدهم المتواصل، فالواجب يدعوا التصدي لهؤلاء، ومقارعتهم بالحجة النابعة عن صوت الضمير، و ازاحة النقاب على مسيرتهم، وتاريخهم يثبت مراوغاتهم، لتذهب اقلامهم في مهب الرياح، لفقدانها المصداقية، وانحيازها لمن هب ودب، لعل وراءه غنيمة، يمكن الظفر بها، او قضية يجب تبنيها، لما تدره من اموال و شهرة، ذلك هو النضال التي اتوا به من معاقلهم او من سجونهم او من لجوئهم الى الخارج، واستنجادهم بمزاياه، ركبوا حصان الثورة على الفور، وأحاوده عن مصاره القويم، حتى اصبح الوضع مأسويا، ومرتعا للذئاب، تصول وتجول فيه كما تشاء، بدون عقاب او رقيب، واليوم ونحن نتجه الى صناديق الاقتراع بكثافة لأنه تأدية لواجب، يجب النظر الى الامور من زاوية خاصة، تمكن بالتصويت لأخف الضررين، اذ لم توجد في الساحة السياسية التي هي في المشهد، ما هو احسن، ونميز عن روية بين الخير والشر لكل الاحتمالات، حتى لا ننزلق من سيء الى اسوأ، ونعيد تجربة الدمار، الذي يتملص اليوم منها كل المشاركين فيها، على اختلاف مشاربهم، ومدبريها بدعم من الخارج، وتواطء مع الاعلام الداخلي والخارجي (تونس الرقمية مثلا) ، كيف يمكن النهوض بهذا القطاع الملقب بالسلطة الرابعة وارجاعه الى عنفوانه، مع استقلاليته من مجموعات الضغط بأنواعها، ومن المال السياسي الفاسد، الذي عجزت الحوكمة على التعرف على مصادره، و ايضا على تثمينه؟ فعلى المدى الطويل، ومساهمة في بناء صرح جديد للصحافة بأنواعها، لأنها ركيزة اساسية لبناء الجمهورية الثانية التي نطمح اليها، على الدولة أن تغير أسلوبها، وتعتمد إجراءات جديدة لتحديد الثغرات، واقتراح الحلول الناجعة، و اقترحنا في هذا الصدد، وواصلنا وسنواصل الدفاع عن هذا الطريق الموصل، الذي أعطى ثماره في الدول المتقدمة، وهو اللجوء إلى النخبة، لإطلاق ورشات عمل، متعددة الاختصاصات، برئاسة شخصيات بارزة من حيث السلوك المثالي، والتمييز العلمي، ويمكن لهذه المجموعات دراسة الموجودلبناء التصور المستقبلي، دون أي انتماء إيديولوجي او عقائدي او حزبي ،وبعث مجموعة دراسة وبحث على سبيل المثال تكون مسؤولة عن تقييم التكوين في معهد الصحافة والأخبار، والادلاء بمقترحات واقعية وبناءة لتعديل برامجه، مسايرة لمتطلبات التنوع والحداثة من الذي استفاد من الأزمة الاجتماعية والسياسية الحالية وتطويرها عبر وسائل الاعلام؟ هذا السؤال الحاسم يبقى مطروحا وليس لدى الصحفيون الإجابة عنه بل سيحسمه الشعب مرة ثانية بتصويته، وان كانت نتيجة الدور الاول زلزالا للأحزاب التي شاركت في حكم البلاد منذ الثورة، وقد تشدقت بانها تملك الحلول السريعة لإخراج البلاد من الوحل التي هي فيه، و لم يعد في هذا القرن الجديد قرن الإنترنت تجنب المسؤوليات، بل من الواجب الاعتراف بالفشل، والبحث عن الاصلاح الممكن، وابتكار الإنترنت أحدث ثورة في العالم، وغير وضعه بشكل جذري، وانفجار الشبكات الاجتماعية، دون رقيب يذكر، مهدت للمشاركة بدون كلفة او عناء، اذ أصبح المواطن بفضلها قادرا على ممارسة حرية المعلومة من تلقاء نفسه، وبإمكانياته الفردية، يضع المتطفلين عليه كل في مكانه، ويوم الانتخاب هو يوم الحساب المنتظر للحكام، نتائجه هي الفاصل لان بها الشعب يريد و يختار و يقرر وللرجوع للعمل الصحفي، ولأهميته من مكان، في القيام بخدمة "حق المعرفة للمواطن"، وإعلامه حول وضع البلاد من كل جوانبه، بكل صدق وشفافية، أصبح اليوم أكثر صعوبة من الامس، إذ وجب عليه التخلي عن آرائه ومعتقداته الخاصة، لإبلاغ تنوع وتعددية المعلومة، بعيدا عن الابتذال والانسياق لمحاولة الإرضاء أو الإحراج، وفضح النوايا الخبيثة لكي يبق الشعب يقظا، اصبح من الواجب الثوري، نظرا لتكاثر الزعامات المفبركة، وتداخل قوى المال والفساد في كل ميادين الحياة التي ازدهر فيها الفساد والرشوة، في كل ارجائها، وتعدد الاحزاب والجمعيات زاد الطين بلة، لفقدان البرامج، وطرق المواضيع المصيرية أي الخوض في المشاكل الحقيقية للمجتمع، ووجود الحلول الملائمة لها والأحداث الجارية أمام أعيننا لا تترك المجال للتردد في تجاوز المصالح الضيقة، والبحث عن الإجماع مهما كان مأتاه، نحن على شفى حفرة اذا تمادى نشر الكراهية والتحريض على الفتنة والانقسام، ولنتذكر دعاة جاؤوا الى بلادنا من الخارج بعد الثورة، واستقبلوا بالأهاجيز، لكن هيهات لم يكن لهم تأثير على دولة ذات حضارة قديمة مثل بلدنا، استطاعت أن تصدر العلماء، وتشارك في تطوير العلوم، وثورتها السلمية المنبثقة من الشعب، زعزعت استقرار الأنظمة، ومهدت الطريق للفرد، لأخذ مصيره بأيديه وفي نهاية هذه التأملات فلنحافظ على هذا الكسب ونرعاه من الاتلاف، ولنترك لشبابنا التمتع بفرحة الحياة، ونمهد له اجتناب فخ المزايدات السياسية، لكي لا تغرنه الاوهام، ولا تهزمه الاطماع، والعبرة هي في الخروج من المأزق ومواصلة طرد الفئة المتسببة فيه، التي طوال حكمها، وضعت حدا للبناء والتشييد، وعملت على تهميشه "واصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين " صدق الله العظيم