بعد أسبوع في ليبيا والتوغل في عمق التراب الليبي لأكثر من ألف كليمتر بدأت الثورة تتوضح وبدأت حالة الغموض تنقشع ولا يمكن إنكار وجود الخطر لكن ما رأيته ان الخطر هو خطر الصواريخ الغربية وقصف الامريكان ومن تحالف معهم وما غير ذلك فهو من قبيل المبالغات الكثيرة التي كرست اعلاميا. أكتب بطاقتي الآن في طرابلس من العاصمة الليبية بعد جولة في أماكن عدّة وصلت خلالها الى سبها على بعد قرابة ال800 كم من طرابلس رأيت خلالها أشياء كثيرة سننقلها على صفحات «الصريح» تباعا إن شاء الله لكن في هذه المرحلة أردت أن أعرّج على أمرين أولهما كرم الشعب الليبي وحبّه للتونسيين: «أنتم إخوتنا ونحن شعب واحد» هذا ما تسمعه من كل ليبي تلتقيه ونحن نقدّر لكم مجيئكم رغم الخطر ورغم حالة الحرب لنقل الحقيقة ونقل الصورة كما هي وهذه وظيفتي كصحفي. الامر الثاني الذي أريد أن أعرّج عليه هو أن الصورة في ليبيا ليست كما نراها في الفضائيات فالوضع على الارض في طرابلس والجنوب مختلف تماما فالحياة طبيعية ومرافق الدولة تسير بشكل عادي تماما والخطر الوحيد كما قلت آنفا هو خطر القصف الاجنبي وهو في أحيان كثيرة بلا أسباب معقولة من ذلك القصف العنيف الذي حصل في سبها فالحجّة التي روّجت هي حماية المدنيين لكني وجدت نفسي أسأل وأصوات الانفجارات تدكّ في ساعات الصباح الأولى هذه المدينة ما الداعي للقصف هنا فالمدينة ليست مكان حرب ولا وجود لقوات القذافي هنا والمدينة تسير فيها الحياة بشكل طبيعي وهي في عمق الجنوب حيث لا مواجهات عسكرية بين الطرفين ومع هذا يحصل القصف ويحدث حالة رعب للمدنيين ويسقط ضحايا وهذا أمر لم أتعامل معه من خلال ما نقل لي بل من الشهادات ومن معاينة المواقع المدمّرة بل أكثر منها انتقلت الى مستشفى سبها وفيه ما فيه من ضحايا مصابين بحروق وكسور والبعض في حالة موت سريري وهو أمر سننقله بالصورة والاكثر من هذا حالة الرعب والصدمة التي حدثت للمدنيين وخاصة للاطفال جراء قوّة الانفجارات التي تحدثها وصواريخ التوماهوك والكروز وما ينتج عنها من شظايا تصل الى عشرات الكيلمترات اما الارتجاجات والتصدّعات فمفعولها يصل الى أكثر من 200 كلم. هنا أردت أن أسأل: هذا الغرب جاء ليحارب القذافي أم ليحارب الشعب الليبي؟ أنا جئت ليبيا كصحفي همّي الوحيد البحث عن الحقيقة وأنا لا أدّعي انني صرت أمتلك هذه الحقيقة لكن ما صرت أمتلكه هو قناعة مؤكدة على الاقل بالنسبة لي حاليا وهي أن ما يحدث أمر يتجاوز حماية المدنيين لأن الطرف الذي يدفع الثمن هم المدنيون فمهما كانت دقة هذا الملعون التماهوك فالخطر ضد المدنيين قائم بل هو يحدث يوميا يروّع النائمين ويحدث حالة فزع لدى الاطفال وصلت حد الرعب فالمجتمع الليبي ليس متعوّدا على مثل هذه الامور لكن مع هذا رأيت أمورا عجيبة ومنها ما عاينته في باب العزيزية في قلب طرابلس التي نالت النصيب الأكثر من القصف فالناس تجتمع هناك باستمرار والامر تحوّل الى مهرجان أو احتفال عائلات وأطفال وشباب بالمكان ومع القصف اطلاق للشماريخ أردت أن أسأل نفسي هل الامر مدروس أم تلقائي مهما كان فهناك تحدّ للقصف لأن الكثير من الليبيين حاليا مقتنعون بأن ما يحصل هو عدوان خارجي غربي والامر تجاوز مسألة الخلاف الداخلي السؤال المشروع اليوم هو هل أن حلف الناتو المتورّط في أفغانستان والذي يقصف المدنيين في باكستان وهل أن أمريكا التي دمّرت العراق ثم فرنسا التي كانت أول من ساند الرئيس المخلوع وشكك في ثورة الشعب التونسي الى آخر لحظة كل هؤلاء فجأة صاروا يهتمون للمدنيين وهل أنهم ينفقون مليارات الدولارات في حربهم على ليبيا من أجل عيون الليبيين؟ أمر حقيقة ليس مقنعا فهؤلاء عوّدونا على أنهم لا يحرّكون أساطيلهم الحربية الا للدفاع عن مصالح أو لتحقيق مصالح. هل ما يحرّكهم النفط أم هم بصدد اعادة تقسيم المنطقة الامران معا وربّما ما كان خافيا هو أعظم. أنا مقتنع وأحمل هذه القناعة وهي أن كل شعب من حقه المطالبة بوضع أفضل على مستوى الحريات وهذا ما حدث في تونس ومصر وحاليا باليمن ومناطق عدّة لكن هل أن تغيير المواقف تكون بالتوماهوك وبجحافل قوّات الناتو هذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه لكن يبقى السؤال الأكثر إلحاحا وهو هل الغرب يريد اسقاط القذافي أم تغيير سياسات أم أن الامر يتجاوز كل هذا؟