الحسابات البنكية "المنسية": أكثر من 140 ألف حساب معني بالإجراء الذي أقره قانون المالية لسنة 2025    موجة حرّ في انتظار التونسيين وتحذيرات نهاية الأسبوع...تفاصيل    عاجل/ تأخّر انطلاق "قافلة الصمود" بساعتين.. والناطق الرسمي يكشف السبب    تفاصيل جريمة بوسالم تهز الرأي العام: مأساة إنسانية ومطالب بتفعيل القانون عدد 58 لسنة 2017    تونس تُنتج 500 ألف قارورة مياه معدنيّة في الساعة الواحدة    قافلة ''الصمود'' تُغادر تونس في اتّجاه غزة لفكّ حصارها(فيديو)    8 شهداء برصاص الاحتلال أثناء انتظارهم المساعدات برفح    المباراة الأولى لمحمد علي بن رمضان.. الأهلي ينهزم أمام باتشوكا بركلات الترجيح    برنامج أبرز مباريات اليوم الإثنين والنقل التلفزي    المنتخب الجزائري يسرح بلايلي وتوغاي للإلتحاق بالترجي الرياضي    ليفاندوفسكي لن يلعب مع بولونيا تحت قيادة بروبياش بعد تجريده من شارة القيادة    عاجل : موسم حج 1446ه آخر موسم صيفي ...تفاصيل لا تفوّتها    عاجل/ ظهور متحوّر جديد من كورونا شديد العدوى    تنطلق اليوم: قافلة "الصمود" من تونس إلى غزّة.. #خبر_عاجل    حظر سفر مواطني 12 دولة إلى الولايات المتحدة يدخل حيّز التنفيذ    باكالوريا 2025: أكثر من 151 ألف مترشح يستأنفون اليوم اختبارات الدورة الرئيسية    الحرارة تصل 42 درجة اليوم.. #خبر_عاجل    حرب شوارع في لوس أنجلوس.. وترامب يهدد بإرسال المارينز    عاجل/ جيش الاحتلال يختطف السفينة "مادلين" المتوجّهة الى غزّة    وزير التربية يتابع سير العمل بمركزي إصلاح امتحان البكالوريا بولاية سوسة    ثلاثة أعمال كبرى من السينما التونسية ستعرض نسخها المرمّمة في مهرجان "السينما المستعادة" سنة 2025 في إيطاليا    اريانة:جلسة عمل حول متابعة تدخلات النظافة بكافة البلديات    جامعة كرة القدم: إلغاء اللقاء الودي بين تونس وإفريقيا الوسطى    البرتغال تفوز على إسبانيا بركلات الترجيح لتتوج بدوري الأمم الأوروبية    إجراءات هامة لرفع درجات اليقظة وحماية صابة الحبوب بهذه الولاية..    بتكليف من رئيس الجمهورية ،وزير الشؤون الخارجية يترأس الوفد التونسي في أشغال مؤتمر الأمم المتحدة الثالث بمدينة نيس..    الليلة..خلايا رعدية وأمطار بهذه الجهات..    مع الشروق : في انتظار النبض !    في غياب هيكل تعديلي .. التلفزات الخاصة إثارة وانحرافات بالجملة    ألكاراز يحتفظ بلقب فرنسا المفتوحة بعد انتفاضته أمام سينر    أولا وأخيرا .. أسعار لها مخالب وأنياب    بالمرصاد... التنّ الحي أراده الله رحمة للبحّار... فانقلب إلى نقمة    وراء قصة القهوة ... نضال أفريقيا ضد الاستعمار    لحسن تنظيم موسم الحج: تونس تتحصل على الجائزة البرونزية الأولى 'لبّيتم' في خدمة الرحمان    زيت الزيتون التونسي يتألق دوليًا: 57 تتويجًا في مسابقة إسطنبول لجودة الزيت    بعد عقود من الغياب: أول "بيركن" تظهر للنور في مزاد عالمي    وزارة الفلاحة وبنك التضامن يصدران منشورا يقضي بتمويل موسم حصاد الاعلاف الخشنة    35% فقط يصلون إلى البكالوريا... أين الخلل؟    7 نصائح لحماية سيارتك في صيف تونس الحار...تعرف عليها    بسام الحمراوي: '' أريار الڨدام''... فكرة خرجت من حب الماضي وتحوّلت لسلسلة كاملة بفضل الجمهور    شنوة لازمك تاكل في كلّ مرحلة من حملك باش تضمن راحة وسلامة ليك وللصغير؟    غدا الاثنين.. استئناف اختبارات الدورة الرئيسية للباكالوريا 2025    في ثالث ايام العيد.."الصوناد" توجه نداء هام للتونسيين..#خبر_عاجل    رئيس البعثة الصحية لموسم الحج يدعو الحجاج إلى أخذ الاحتياطات اللازمة في ظل ارتفاع درجات الحرارة    رفع أكثر من 45 ألف مخالفة اقتصادية في خمسة أشهر من 2025    وزير التربية يؤدي زيارة تفقدية إلى مركز إصلاح الباكالوريا بالمهدية    عاجل/ حالات ضياع في صفوف الحجيج التونسيين : وزارة الشؤون الدينية توضّح وتكشف..    تطور التعويضات المالية المسددة من شركات التأمين بنسبة 3ر14 بالمائة مع أواخر الثلاثية الأولى من 2025    عاجل/ النيابة العمومية تأذن بمباشرة الأبحاث حول شبهات فساد بهذه الشركة..    تونس تلاقي منتخب إفريقيا الوسطى: نحو تكريس هوية هجومية تقطع مع التحفظ الدفاعي    3 علامات في رقبتك لا يجب تجاهلها: قد تكون إشارة لمرض صامت يهدد الملايين!    ما عندكش وقت للرياضة؟ تقسيم المشي على النهار ينجم يكون سرّ صحة قلبك    قصة رجم الشيطان في منى: عبادة تعبّر عن الطاعة والتضحية    جائزة محمود درويش تضيء على إرث الصغير أولاد أحمد وشعر المقاومة    تسليم كسوة الكعبة لسدنة بيت الله الحرام    في حفل تكريم الموسيقي لسعد المؤخر ...موسيقيون لأول مرّة يجتمعون وبالذكريات يتأثرون    منح جائزة محمود درويش الأولى بعد الوفاة للشاعر الصغير أولاد أحمد عن مجمل أعماله (لجنة تحكيم)    وزيرة الشؤون الثقافية ونظيرها الإيطالي يدشنان معرض "مانيا ماتر: من روما إلى زاما    









لماذا لم أحرق؟! (6)
نشر في الصريح يوم 16 - 04 - 2011

ما إن استعدت عافيتي وأخذت أتسكع في الشارع الكبير الذي يقع في قلب باليرمو حتى رأيت الصعاليك الثلاثة الذين سرقوا حقيبتي وقد اتجهوا نحوي بسرعة والشرّ يتطاير من عيونهم والتفوا حولي ومنعوني من التحرّك.. حاولت أن أهرب.. أن أصيح.. أو أطلب النجدة.. ولكنهم أحكموا قبضتهم عليّ.. وتقدم أحدهم وأغلق فمي.. فحاولت أن أعضّ أصابعه.. فصاح.. ولكمني على فمي الذي انهمر بالدماء..
وقال الثاني: لقد فتشنا حقيبتك ولكننا لم نجد الليرات التي أتيت بها معك من تونس.. «أطع بيهم».. وإلا ف «ستطلع روحك»!!
وتظاهرت بأنني لم أفهم ماذا يريد.. فتطايرت «البونيات» في كل اتجاه.. ونزلت عليّ من كل حدب وصوب..
ثم تداولوا عليّ بأقدامهم وأرجلهم هذا يرفسني.. وذلك يعفسني.. ثم توقفوا وقالوا بصوت واحد: «يزّيك وإلا نزيدوك؟»..
رفعت بصري نحوهم وأنا أتكلم بصعوبة: أنا باش نموت..
فقال أحدهم: «موت لا يردّك.. أما قبل ما تموت هات الليرات»..
كانت الليرات في شكارة «خاطتها» لي أمي وكنت أضعها في حزامي.. فتحت السروال وأخرجت الشكارة.. وبسرعة هجموا على الشكارة فاختطفوها.. وعلى السروال فانتزعوه..
ثم هربوا.. وتركوني مثلما ولدتني أمي!!!
ووجدت نفسي في أكبر وأهمّ شارع بباليرمو وأنا عريان..
اتجهت ببصري نحو السماء أبحث عمن سيحميني..
أنا الآن ازددت ضعفا.. وكدت أنهار..
يا ربّ ماذا سأفعل.. وكيف أتصرّف.. وكيف أخبئ عورتي.. وكيف أحمي نفسي من عيون الناس؟..
تجمدت و«تمسمرت» في مكاني وأخذ المارة يلاحظون أنني عريان.. وصدمهم المنظر.. وربما استفزهم.. وأغضبهم.. خصوصا وأن العريان عربي الجنسية..
تساءلت: لماذا «الميزيريا» تلاحقني حتى وأنا في إيطاليا؟.. ولماذا أنا عريان هنا وعريان هناك؟..
إنني الآن في ورطة.. وفجأة رمى لي أحد المارة بجريدة فالتقطتها.. وحزمت بها نصفي الأسفل.. فصار منظري يدعو الى السخرية والضحك..
صحة ليكم «يا طلاين» اضحكوا ما طاب لكم.. فأولاد بلادي هم الذين «أعطاوكم» هذه الفرصة..
هكذا حدّثتني نفسي..
وتذكرت في هذه اللحظة عمّ محمد حجّام الحومة ذلك الرجل الذي كنا نصفه ب «التكاري» على اعتبار أنه يقضي يومه في تدخين السبسي بعد أن يحشوه بحشوة نصفها «طومباك».. ونصفها الثاني «تكروري».. ويضع الساق على الساق أمام الحانوت فوق كرسي بأرجل قصيرة ويظل يراقب ما يحدث في الحومة بدقة عجيبة وكأنه رادار ولا تفوته صغيرة أو كبيرة مما يحدث في الحومة وحتى ما يحدث داخل الغرف المغلقة فإنه يطّلع عليه..
تذكرت عمّ محمد عندما أوصاني وأنا أستعد للحرقان فقال لي: «شوف يا وليدي إنت ماشي لبرّ الطليان.. نوصيك وصية وهي أنك عندما ترى توانسة وإلاّ عرب اهرب منهم فلا تكلّمهم.. ولا تقترب منهم.. ولا تدخل معهم في علاقة ولو عابرة.. لأنهم (ما يحبّوش الخير) لغيرهم.. وحتى لأرواحهم ساعة ساعة»..
وأخذ أنفاسا طويلة من «السبسي» إلى أن إحمرّ وجهه.. ثم واصل كلامه:
«شوف يا وليدي عاشر ألماني.. فرنساوي.. روسي.. إن شاء الله حتى يهودي.. أمّا سيدي عربي في إيطاليا وفي أوروبا عليك أن تهرب منه مثلما تهرب من النار.. ومن الوباء.. ومن المرض»..
ولكنني سرعان ما تخلصت من صورة عمّ محمد الحجّام وعدت الى ورطتي.. وإلى المشكلة التي أنا فيها.. فلا سروال يغطيني.. ولا مال عندي لكي أشتري سروالا جديدا..
ماذا سأفعل؟
ربطت جيدا الجريدة حول حزامي وتطلعت حولي فإذا بسيارة شرطة تتوقف حذوي ونزل منها أحد الأعوان وكان ضخم الجثة فارتعشت.. وارتبكت.. ونزلت عليّ كمية من العرق البارد..
لقد استيقظ بداخلي خوفي القديم المقيم من الحاكم..
أنا الآن ضحية.. ومظلوم.. ومع ذلك فأنا خائف وكأنني مجرم!!!
كنت مثلما كانت تصفني أمي دائما: (قصبة في الريح)..
نعم أنا الآن سأموت خوفا وحذوي الحاكم..
وطوال عمري وإلى الآن أخاف من مراكز الشرطة والمحاكم..
وعندما تضطرني الظروف الى الذهاب الى مركز شرطة أو محكمة فإنني أموت.. وأختنق.. وأفقد كل قدراتي..
إنني أشعر في قرارة نفسي بأنني أضعف من الناس جميعا.. وإنني كائن لا يقوى على الصمود.. وبأن أقل «نفخة» من الحاكم تطيّرني وتمحوني من هذا الوجود..
وعندما اقترب مني الشرطي الايطالي انفجرت بالبكاء.. كنت كالطفل الذي فقد أمه..
ورحت أردد: أين أنت يا أمي إنني أكاد أموت.. ولكن سرعان ما توقفت عن ذلك عندما تذكرت أن أمي أضعف مني فهي أضعف من أن تحميني..
إن الضعف يخرج من الضعف.. والقوة تخرج من القوّة.. ولكن يحدث أحيانا أن تخرج القوّة من الضعف.. ويخرج الضعف من القوّة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.