عاجل/ تزامنا مع الاضراب العام..تفاصيل الوضع في قابس..    اضراب عام في قابس اليوم..    عاجل/ من أجل هذه التهم: هذا ما قرره القضاء في حق عدد من أعضاء المكتب التنفيذي السابق لنقابة قوات الأمن الداخلي..    عاجل/ بشرى سارة: الخطوط التونسية تطلق عروضا استثنائية وتخفيضات تصل الى 50 بالمائة..    التجارة الخارجية: هل لا تزال تونس قادرة على الحفاظ على استقلالها الاقتصادي؟    صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2025 إلى 3.3 بالمائة..    عاجل/ اتفاق وقف الحرب في غزة..أول تصريح لخليل الحية..    عطل في خوادم AWS يعطل Snapchat وFortnite وAlexa في الولايات المتحدة    البطولة العربية للجيدو للاكابر بالعراق: تونس تتوج بذهبية مسابقة الفرق للسيدات    نادي ميالبي يتوج بلقب بطولة السويد للمرة الاولى في تاريخه    يهم المترشحين للبكالوريا..#خبر_عاجل    عاجل/ حادث اصطدام عربتي المترو 3 و5: تفاصيل جديدة ووضعية المصابين..    فظيع/ زوج يلقى بزوجته من الطابق الثاني..    موجودة في كل منزل/ توابل تحافظ على شبابك وتحمي قلبك..    رياض جراد: لا قدر الله ..ان تم إغلاق المجمع الكيميائي راو سوم البطاطا باش يكون 7 آلاف    تونس تشارك بثلاثة لاعبين في بطولة العالم للكرة الحديدية المقيدة لاقل من 18 و23 عاما    الأهلي المصري يتوج باللقب الإفريقي للمرة الثالثة توالياً    لمنع عودته إلى غزة.. وزيرة إسرائيلية تطالب ب"حرق" جثمان السنوار    ساركوزي أول رئيس فرنسي يدخل السجن منذ الحرب العالمية الثانية    تونس تحرز 7 ميداليات في بطولة العالم لل"ووشو كونغ فو للأساليب التقليدية" بالصين    طقس اليوم: الحرارة تصل إلى 34 درجة وأمطار ضعيفة بأقصى الشمال    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي الإفريقي في مواجهة الإتحاد المنستيري    سارة مصمودي الإمام ضمن قائمة أفضل القيادات النسائية التونسية في قطاع الصحة عالميًا    مشروع قانون المالية لسنة 2026 : نائب في البرلمان يكشف المستجدات    أخطاء شائعة رد بالك منها ''وقت تخزين زيت الزيتون''...تعرف علاها    عاجل: تفاصيل جديدة عن المتهمين بسرقة متحف اللوفر في باريس و ماكرون يتوعد بالمحاسبة    التوانسة و الذهب : ال100غ تنجم توصل لل40 مليون ...شنوا الحكاية ؟    طائرات مسيّرة تضرب مطار الخرطوم قبيل إعادة افتتاحه    توفيق مجيد: المعاملة الخاصة لساركوزي في سجن "لا سونتيه" لن تعفيه من المسار القضائي    مدنين: استعدادات حثيثة لاحتضان جزيرة جربة الملتقى الدولي للمناطيد والطائرات الشراعية    ساناي تاكايشي أول امرأة في تاريخ اليابان على رأس الحكومة    دمشق تطرح نفسها بديلاً عن "قسد" في محاربة "داعش"... والتنظيم يستبق التحولات بتصعيد عملياته    اريانة:جلسة عمل حول تقييم نتائج الحملة الجهوية المشتركة لمعالجة النقاط الزرقاء ذات الأولوية بالجهة    أصداء التربية بولاية سليانة .. مهرجان circuit théâtre    في ظل عزوف الأطفال عنها .. كيف نحوّل المُطالعة من واجب إلى مُتعة ؟    الكوتش وليد زليلة يكتب..الإفراط في أحدهما يُسبّبُ مشاكل للطفل.. بين التشجيع والدلال .. كيف نُربي أبناءنا؟    وكالة النهوض بالصّناعة والتجديد تفتح مناظرة خارجية بالاختبارات لانتداب 14 إطار    مواطنة من أمريكا تعلن إسلامها اليوم بمكتب مفتي الجمهورية!    شركة نقل تونس: اصابة عون التأمين وحالات هلع في اصطدام بين عربتي مترو... ولجنة للتحقيق في الحادث    بعد الأربعين: 4 فحوصات دمّ هامة تنقذ حياتك    الدورة الرابعة لملتقى محجوب العياري للكتاب والآداب تحتفي بالكاتبة حياة الرايس من 24 إلى 26 أكتوبر 2025    الرابطة المحترقة الثانية: حسان القابسي مدربا جديدا للبعث الرياضي ببوحجلة    لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب تشرع بداية من الغد الثلاثاء في النظر في مشروعي قانون المالية والميزان الاقتصادي 2026    في حركة إنسانية نبيلة: تمكين طفلين قاصرين من لقاء والديهما بعد سنوات من الانقطاع عن رؤيتهما    تحسّن الصناعات الكهربائية والميكانيكية استثمارا وتصديرا    بطولة الرابطة المحترفة الثانية: برنامج مباريات الجولة السادسة    عاجل : صدمة للتوانسة: حجز و إتلاف أكثر من 29 طن مواد غذائية ومياه فاسدة في عدة ولايات    الداخلية: إيقاف وتقديم عدد من المخالفين وحجز كميات ضخمة من السلع والبضائع ضمن عمليات أمنية    مسرح أوبرا تونس يكرّم الفنانة سُلاف في عرض "عين المحبة"    أجواء ربيعية خلال ''الويكاند''    خطير/ دراسة تكشف: تلوث الهواء يبطئ نمو دماغ الأطفال حديثي الولادة..!    طقس اليوم: سحب أحيانا كثيفة بهذه المناطق مع أمطار متفرقة    لا تدعها تستنزفك.. أفضل طريقة للتعامل مع الشخصيات السامة    دراسة علمية تربط بين تربية القطط وارتفاع مستوى التعاطف والحنان لدى النساء    التوأمة الرقمية: إعادة تشكيل الذات والهوية في زمن التحول الرقمي وإحتضار العقل العربي    عاجل: الكاتب التونسي عمر الجملي يفوز بجائزة كتارا للرواية العربية 2025    لطفي بوشناق في رمضان 2026...التوانسة بإنتظاره    خطبة الجمعة .. إن الحسود لا يسود ولا يبلغ المقصود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا لم أحرق؟! (6)
نشر في الصريح يوم 16 - 04 - 2011

ما إن استعدت عافيتي وأخذت أتسكع في الشارع الكبير الذي يقع في قلب باليرمو حتى رأيت الصعاليك الثلاثة الذين سرقوا حقيبتي وقد اتجهوا نحوي بسرعة والشرّ يتطاير من عيونهم والتفوا حولي ومنعوني من التحرّك.. حاولت أن أهرب.. أن أصيح.. أو أطلب النجدة.. ولكنهم أحكموا قبضتهم عليّ.. وتقدم أحدهم وأغلق فمي.. فحاولت أن أعضّ أصابعه.. فصاح.. ولكمني على فمي الذي انهمر بالدماء..
وقال الثاني: لقد فتشنا حقيبتك ولكننا لم نجد الليرات التي أتيت بها معك من تونس.. «أطع بيهم».. وإلا ف «ستطلع روحك»!!
وتظاهرت بأنني لم أفهم ماذا يريد.. فتطايرت «البونيات» في كل اتجاه.. ونزلت عليّ من كل حدب وصوب..
ثم تداولوا عليّ بأقدامهم وأرجلهم هذا يرفسني.. وذلك يعفسني.. ثم توقفوا وقالوا بصوت واحد: «يزّيك وإلا نزيدوك؟»..
رفعت بصري نحوهم وأنا أتكلم بصعوبة: أنا باش نموت..
فقال أحدهم: «موت لا يردّك.. أما قبل ما تموت هات الليرات»..
كانت الليرات في شكارة «خاطتها» لي أمي وكنت أضعها في حزامي.. فتحت السروال وأخرجت الشكارة.. وبسرعة هجموا على الشكارة فاختطفوها.. وعلى السروال فانتزعوه..
ثم هربوا.. وتركوني مثلما ولدتني أمي!!!
ووجدت نفسي في أكبر وأهمّ شارع بباليرمو وأنا عريان..
اتجهت ببصري نحو السماء أبحث عمن سيحميني..
أنا الآن ازددت ضعفا.. وكدت أنهار..
يا ربّ ماذا سأفعل.. وكيف أتصرّف.. وكيف أخبئ عورتي.. وكيف أحمي نفسي من عيون الناس؟..
تجمدت و«تمسمرت» في مكاني وأخذ المارة يلاحظون أنني عريان.. وصدمهم المنظر.. وربما استفزهم.. وأغضبهم.. خصوصا وأن العريان عربي الجنسية..
تساءلت: لماذا «الميزيريا» تلاحقني حتى وأنا في إيطاليا؟.. ولماذا أنا عريان هنا وعريان هناك؟..
إنني الآن في ورطة.. وفجأة رمى لي أحد المارة بجريدة فالتقطتها.. وحزمت بها نصفي الأسفل.. فصار منظري يدعو الى السخرية والضحك..
صحة ليكم «يا طلاين» اضحكوا ما طاب لكم.. فأولاد بلادي هم الذين «أعطاوكم» هذه الفرصة..
هكذا حدّثتني نفسي..
وتذكرت في هذه اللحظة عمّ محمد حجّام الحومة ذلك الرجل الذي كنا نصفه ب «التكاري» على اعتبار أنه يقضي يومه في تدخين السبسي بعد أن يحشوه بحشوة نصفها «طومباك».. ونصفها الثاني «تكروري».. ويضع الساق على الساق أمام الحانوت فوق كرسي بأرجل قصيرة ويظل يراقب ما يحدث في الحومة بدقة عجيبة وكأنه رادار ولا تفوته صغيرة أو كبيرة مما يحدث في الحومة وحتى ما يحدث داخل الغرف المغلقة فإنه يطّلع عليه..
تذكرت عمّ محمد عندما أوصاني وأنا أستعد للحرقان فقال لي: «شوف يا وليدي إنت ماشي لبرّ الطليان.. نوصيك وصية وهي أنك عندما ترى توانسة وإلاّ عرب اهرب منهم فلا تكلّمهم.. ولا تقترب منهم.. ولا تدخل معهم في علاقة ولو عابرة.. لأنهم (ما يحبّوش الخير) لغيرهم.. وحتى لأرواحهم ساعة ساعة»..
وأخذ أنفاسا طويلة من «السبسي» إلى أن إحمرّ وجهه.. ثم واصل كلامه:
«شوف يا وليدي عاشر ألماني.. فرنساوي.. روسي.. إن شاء الله حتى يهودي.. أمّا سيدي عربي في إيطاليا وفي أوروبا عليك أن تهرب منه مثلما تهرب من النار.. ومن الوباء.. ومن المرض»..
ولكنني سرعان ما تخلصت من صورة عمّ محمد الحجّام وعدت الى ورطتي.. وإلى المشكلة التي أنا فيها.. فلا سروال يغطيني.. ولا مال عندي لكي أشتري سروالا جديدا..
ماذا سأفعل؟
ربطت جيدا الجريدة حول حزامي وتطلعت حولي فإذا بسيارة شرطة تتوقف حذوي ونزل منها أحد الأعوان وكان ضخم الجثة فارتعشت.. وارتبكت.. ونزلت عليّ كمية من العرق البارد..
لقد استيقظ بداخلي خوفي القديم المقيم من الحاكم..
أنا الآن ضحية.. ومظلوم.. ومع ذلك فأنا خائف وكأنني مجرم!!!
كنت مثلما كانت تصفني أمي دائما: (قصبة في الريح)..
نعم أنا الآن سأموت خوفا وحذوي الحاكم..
وطوال عمري وإلى الآن أخاف من مراكز الشرطة والمحاكم..
وعندما تضطرني الظروف الى الذهاب الى مركز شرطة أو محكمة فإنني أموت.. وأختنق.. وأفقد كل قدراتي..
إنني أشعر في قرارة نفسي بأنني أضعف من الناس جميعا.. وإنني كائن لا يقوى على الصمود.. وبأن أقل «نفخة» من الحاكم تطيّرني وتمحوني من هذا الوجود..
وعندما اقترب مني الشرطي الايطالي انفجرت بالبكاء.. كنت كالطفل الذي فقد أمه..
ورحت أردد: أين أنت يا أمي إنني أكاد أموت.. ولكن سرعان ما توقفت عن ذلك عندما تذكرت أن أمي أضعف مني فهي أضعف من أن تحميني..
إن الضعف يخرج من الضعف.. والقوة تخرج من القوّة.. ولكن يحدث أحيانا أن تخرج القوّة من الضعف.. ويخرج الضعف من القوّة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.