في زمن الكورونا كل شيء انهار ، الاقتصاد والصحة انهارت .. مفهومنا للحياة هو الآخر تغير .. تغير إحساسنا بالسعادة حتى علاقتنا بالأشياء تبدلت و لم تعد كما كانت .. الزمن تغير والمكان تغير وحتى إدراكنا للفضاء وهذه الفوضى التي أحدثها هذا الوباء وصل إلى لغتنا العربية التي عرفت هي الأخرى حالة من الاضطراب والفوضى وعدم الضبط وحصل فيها لغط كبير وارتكبت في شأنها أخطاء لغوية من هذه الأخطاء أن الأعلام والسياسيين قد استعملوا في الأيام الأولى لانتشار الوباء مصطلح "الحالات المستوردة " للتميز بين الحالات المحلية والحالات التي تسبب فيها أفراد قدموا من الخارج و الأرجح أن نقول عنها " حالات وافدة " لأن الاستيراد مصطلح اقتصادى لا يستعمل في مثل هذه القضايا حيث لا يصح أن نستورد الوباء. مثال آخر على هذا النوع من الأخطاء الكلمة التي نعبر بها عن الأموات التي تحصل جراء هذا الوباء حيث استعمل الإعلام كلمة " الوفيّات " بكسر الفاء وتشديد الياء وهو خطأ شاع في الآونة الأخيرة والوفيّات جمع وفية من الوفاء نقول سيدات وفيات لأزواجهن أو وفيات بالعهد وفي موضوع الكورونا الأصل أن نقول " وفيات " بفتح الواو و الفاء دون تشديد من الوفاة وهي الموت وفي هذا الباب كتاب مشهور في تراجم الأعلام للفقيه القاضي ابن خالكان ( 608 ه / 681ه ) عنوانه " وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان " . والمثال الثالث عن هذه الأخطاء اللغوية المرتكبة اللفظة التي بدأت تظهر في كلامنا في الآونة الأخيرة حينما نتحدث عن بداية رفع الحجر الصحي والإجراءات الطبية التي يجب اتخاذها بعد إنهاء الإغلاق الشامل حيث ينصح الأطباء بضرورة وضع " الكمامة " على الوجه حتى تقي الإنسان الرذاذ المسبب للمرض. ولكن بالعود إلى معجم لسان العرب لابن منظور نحد أن هذه اللفظة تستعمل في لغتنا العربية في مجال الحيوان نقول الكمام بالكسر والكمامة أي الشيء الذي يشد به فم البعير والفرس وفي فترة استعملت للكلب واليوم يقع استجلاب هذه اللفظة للإنسان فنقول بعد رفع الحجر الصحي على جميع المواطنين أن يضعوا كمامة على وجوههم والصواب أن نقول على الانسان أن يضع واقيا من قماش أو غيره على فمه وأنفه . مثال آخر مصطلح " التباعد الاجتماعي " أو " البعد الاجتماعي " الذي يستعمل في الوقت الحاضر من قبل الأطباء والإعلاميين لمطالبة الناس بضرورة احترام مسافة متر أو مترين عند قضاء الحاجيات المنزلية في الفضاءات العامة أو عند باعة الخضر والمواد الغذائية وغيرها لتجنب انتشار العدوى فالأصل أن نقول " التباعد الوقائي " أو " التباعد الجسدي " على اعتبار أن البعد الاجتماعي هو مفهوم يعود إلى حقل علم الاجتماع الذي يدرس حالة المجتمعات في تواصلها العاطفي والنفسي والأخلاقي والتعاوني. وننتهي مع ما توقف عنده الدكتور محمد العديل من استعمال لعبارة " اللإتيكيت الرقمي " وهي كلمة لا أصل لها في لغتنا العربية الغنية بمفرداتها ويقصد بها فن التواصل في وسائل التواصل الاجتماعي أو السلوك الرقمي في التعامل والسبب في ذلك أن جامعاتنا وإعلامنا يعيشان حالة من الارتهان المعرفي فهما لا يجتهدان في تأصيل المفاهيم والتدقيق فيما يفرض علينا من خارج دائرتنا الثقافية.