أوّل مرّة قابلته فيها مباشرة كانت سنة 1970 لحظة كنت أتهيّأ للإختبار الغنائي الذي يتمّ، على ضوئه، إختيار المواهب الشّابّة المرشّحة للغناء في برنامج نجوم الغد ... سألني " ماذا ستغنّي؟". أجبت "مين عذّبك لمحمّد عبد الوهاب»…فباغتني بسؤال ثان أربكني وجعلني أفقد قليلا من التّركيز، إذ قال " ألا تحفظ أغنية تونسية؟" فأجبت ب«نعم...لكنّني تدرّبت على هذه الأغنية بالذّات". حدّق النّظر في وجهي المتصبّب عرقا من شدّة شعوري بالحرج والرّهبة في هذه اللّحظات الفارقة الهامّة بالنّسبة لي كشابّ يرغب في إحتراف ميدان الغناء، ثمّ همس لي بلطف و تبسُّمٍ أعادا لي الثّقة بالنّفس وكامل تركيزي قائلا " تفضّل، سِي عدنان". مسكت بعودي وغنّيت كما لم أغنّي من قبل صحبة فرقة الإذاعة و التّلفزة التّونسية الرّائعة التي أطربتني وجعلتني أنتشي وأكتشف لأوّل مرّة متعة الغناء مع عازفين كبار. بإختصار ، نجحت في الإختبار.. ثمّ نلت لاحقا شرف العمل ضمن فرقة سيّدي ومُسْنِدي و قُرّة عيني أستاذي و صديقي الحميم النّصوح حبيبي "عبد الحميد بلعلجية" رحمه الله و طيّب ثراه....... كان فنّانا وموسيقارا كبيرا وإنسانا لطيفا ظريفا لا تخلو مجالسه الضيّقة بمكتبه الخاصّ بجهة "لافايات"، من الدّعابة و الحوارات الشيّقة الممتعة مع أصدقائه المقرّبين... "حمّادي النّيفر، بوراوي بن عبد العزيز، عبد المجيد بن جدّو، جعفر ماجد رحمهم الله و كذلك المنجي بلعربي و نور الدّين صمّود أطال الله في عمرهما"، كنت أصغرهم سنّا وفردا قارّا في هذه "الشلّة" الرّائقة المثقّفة المتنوّرة الرّائعة التي تعلّمت منها الكثير ولن أنسى فضلها علي و على مسيرتي الفنّية.. كان سِي"عبد الحميد" هو الذي يكتب موسيقى كلّ أعمالي "ترقيم" و يصلّح أخطاءها، وكم كانت كثيرة خاصّة في بداياتي. كان كذلك يشرف على التّدريبات ويقود فرقتي الموسيقية في كلّ المهرجانات....كان، مع لطفه الفيّاض ورقّته و ظرافته المميّزة، محترفا ملتزما صارما حازما و فريدا في موهبة "قيادة الرّجال" بسلاسة وأساليب خاصّة به وحده... رحمك الله يا معلّمي الفاضل و صديقي المتواضع الحميم و مشجّعي النّصوح ومُلهِمي و سيّدي و أخي المحترم الرّاقي الكبير....رحمك الله يا أطيب و أعزّ النّاس.