مع تعدد الأحزاب التي يسميها التونسيون تندّرًا ب«الدكاكين»، تتعدد أيضا أزمات البلاد، في تطور سياسي معكوس، إذ من المفروض عندما تتعدد الأحزاب ، تتعدد أيضا الحلول و البرامج و التوجيهات، وتعدد الأحزاب يكون تبعا لهذا حالة ظاهرة صحية، من الناحية السياسية الديمقراطية.. في تونس كان التأثير عكسيا، وكان الإخصاء بدل الإخصاب، و التنكيل والتمكين بدل الفعل و التفعيل... ماذا ربحت تونس و التونسيون من مئات الأحزاب؟؟؟ لن أكون ديمقراطيا، أكثر من الإغريق (الذين خلقوا الممارسة الديمقراطية و فعّلوها دون أحزاب)، وسأكون براغماتيا إلى أبعد الحدود، و أقنع فقط بالنتائج، فالأعمال بخواتمها، و "أما الزبد فيذهب جفاء، و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". ماهي تصورات مئات الأحزاب لأزمة تونس منذ عقد من الزمن أليسوا هم سبب الازمة، أيضا، ألسنا فعلا على أبواب إنتخابات نيابية مبكرة!؟؟، أم الأزمة أزمة مؤسسات، و أزمة نظام حكم!!؟؟ ماهو النظام الأصلح لتونس و الذي يتناسب معها، شبه برلماني أفرز أزمات متلاحقة، لو لا تماسك بعض المؤسسات الأمنية، لأصبحنا في عمق حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، وضع لا يختلف كثيرا عن الوضع اللبناني مع فارق في طبيعة الطائفية لا غير.. أليس من حق المناهضين للحكم الرئاسي أن يظهروا تخوفاتهم و تحفظاتهم، خاصة مع التلاعب و الإرتباك و المراكمة في الأخطاء بين قصر قرطاج و القصبة و تنازع الصلاحيات بينه و بين باردو، رئيس بصلاحيات محدودة يريد أن يتغول، و يستأثر بكل شيء، فما بالك برئيس ذو صلاحيات مطلقة، ألا يقود ذلك إلى مفسدة مطلقة و عودة إلى الديكتاتورية!؟؟ ثم ماذا فعلنا بالدستور و بالثورة و بدماء من سقطوا إذن إذا كنا سنعود إلى المربع الأول!؟؟، من جهة أخرى ، بما أن الأحزاب الفاعلة محتجة على إقصائها من المشاركة في الحكم سلطة و مشاورات، أليس من حقها أن تدافع على النظام البرلماني و تتمسك به، إلى النهاية و إذا كان الرئيس يعتقد أن سبل الخروج من الأزمة هو تركيز الصلاحيات في جهة واحدة، و إبعاد الأحزاب بعدما إتضح أن توزيعها بين قرطاج و القصبة و باردو بدرجات متفاوتة لم يكن مثمرا، و لم يساهم في إخراج تونس من أزماتها.. فهذا يعني أننا فعلا كما يقول المرحوم الباجي، في عنق الزجاجة، لا الأحزاب قادرة على إحداث إختراق في جدار الأزمة، و لا الرئيس بهذه السياسة الهلامية( لا برامج و لا رؤى و لا مخططات ) قادر على تحقيق هدف واحد من أهداف الثورة.. فنحن نعرف أي سياقات أتت بالنظام البرلماني، بعد الثورة ،فحتى الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمي، كانا قبل إغتيالهما أكثر إستشرافا لحكم الإسلاميين، و عجزهم بمكونات الترويكا على إخراج البلاد من أزمتها، و كانا يدعوان إلى العودة إلى النظام الرئاسي، فكم وقتا خسرنا منذ الإغتيال الأول، ثم الثاني و كم هزات شهدنا و كم أزمات لازلنا نعاني منها، و الحال تغير فقط إلى الأسوأ.. التحول إلى النظام الرئاسي ممكن و لكن يطول أمده، فالرئيس يمكن أن يستثمر في شعبيته، و يكوّن حزبا سياسيا ، يمكنه من تغيير نظام الحكم طالما يدعو إلى ذلك، و يسانده البعض من السياسيين، مشروع تونس مثلا و الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يدعو إلى المرور إلى الجمهورية الثالثة، و حتى الإستفتاء عليه، ليس فيه مخاطرة ناهيك أن التونسيين قد تعودوا على أن الرئيس هو الحاكم الفعلي و هو من يتحمل المسؤولية، ما يوحي فعلا بأزمة حزبية، حادة، فليست هناك أحزابا وازنة يمكنها أن تحكم، ولا حتى أن تحالف مع بعضها و تكوّن جبهة قوية للأسباب التي نعرفها،( ربما في المستقبل مع تنقيح القانون الإنتخابي). فعلى كثرتها، تعمقت أزمتنا، و لا حلول في الأفق القريب، فهل يصار إلى مراجعات سياسية (تنقيح قانون الاحزاب)،إزاء طفرة الأحزاب أم ستتوالد بلا فائدة!؟؟؟.