الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الإعلان
التونسية
الجريدة التونسية
الحوار نت
الخبير
الزمن التونسي
السياسية
الشاهد
الشروق
الشعب
الصباح
الصباح نيوز
الصريح
الفجر نيوز
المراسل
المصدر
الوسط التونسية
أخبار تونس
أنفو بليس
أوتار
باب نات
تونس الرقمية
تونسكوب
حقائق أون لاين
ديما أونلاين
صحفيو صفاقس
كلمة تونس
كوورة
وات
وكالة بناء للأنباء
موضوع
كاتب
منطقة
Turess
بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك
قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين
مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن
صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية
سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ
مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج
في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي
عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟
الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل
الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار
ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم
خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام
انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»
نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا
الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي
أولا وأخيرا: أم القضايا
المسرحيون يودعون انور الشعافي
إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا
المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها
الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء
الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟
انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة
لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟
وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي
مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة
عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..
الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر
تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس
ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025
بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)
إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل
وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع
عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..
الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي
نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة
يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة
البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح
بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات
توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب
عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..
تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب
صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..
التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..
قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''
محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان
توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق
منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة
كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2
وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما
منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي
معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة
زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات
مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة
في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟
اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد
رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي
سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة
أذكار المساء وفضائلها
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
"بَابُ السَعادَة" لِ فاليريا دِي فيليتشي (*) : لا إمْكان لِلسعادَة إلَّا بِالمَحَبَّة والتَواصُل.
مصطفى الكيلاني
نشر في
الصريح
يوم 12 - 10 - 2020
- 1 -
التَرْجَمَةُ هِي في كُلّ الأحوال قِراءَة وتأوِيل مُحايِث لِلْمَقرُوء، وإِنْ قارَبتْ رُوحَ النَصّ وَوَهَج مَعانِيه. وإلى ذلكَ فَالترْجمة قد تُذهب الكثير مِن رَوْنق أسالِيب النَصّ الأَصْلِيّ بِحادث الأُسْلوب انتِقالا مِن لُغَة المُتَرْجَم إلى لُغَة المُتَرْجَم إليْه. إلَّا أَنّنا عند قِراءَة ترْجَمة "باب السعادَة"، المجمُوعة الشِعْريّة لِ "فاليريا دِي فيليِتشي" بإحساس المُتَرْجِمة المغربيّة سناء درغموني وَثقافَتها تشمِيلا، والأَدَبِيّة الشِعريّة تخصِيصاً ندرك بِالحدْس القارئ أنَّ الوَهَج الكثير مِن رُوح النَصّ الأَصْلِيّة مُتبقٍّ، وإِنْ نحن لم نَقرأه بِالإيطالِيّة لِجهلنا لها، وَيا للأَسَف!
- 2 -
ما يَسْتَوْقفنا بَدْءاً هُو عنوان المَجْمُوعة "باب السَعادة": لَفظ البَاب لِما له مِن دَلالَة إيجابِيّة نفسِيّة حِكائيّة خُرافِيّة أُسْطورِيّة عَجائبيّة..، والسَعادَةُ هِي اللَّفظ الّذِي يختصر دَلالَةً البعض الكَثير مِن فلسفة الوُجود والمَوْجُود، ذَلِكَ أَنَّ السَعادة هِي القَصْد الأَوّل مِن أَيّ عَمَل بَشَرِيّ وفِكر. ولا سَعادَة إلَّا بِالإِسْعاد، بِمَا يَصِل الإنِّيّة (mienneté) بالغَيْرِيّة (altérité) في ذات الحَدَث الوُجودِيّ المُشتَرَك. وَكَذَا يُعَرَّفُ البابُ بِالسَعادَة، مِثلما لِلسَعادة بابٌ تَتَحدّد به بَدْءاً، وَبِمُطلق المَعنى.
وَلَكنْ، عن أَيّ سَعادَة تَتحَدّث الشاعِرة؟ وما هِي عِباراتها؟ دَلالاتها؟ تِدْلالاتها، تِلك الدَلالات الغارقة في التَخَفِّي؟
- 3 –
المَحَبَّة في هذه المَجْمُوعة الشِعْريّة هِي الدَلالة الوالِدَة الكُبرى (matrice)، ولا سَعادَة إلَّا بها، وَلَوْلاها لاستَحالَ الوُجود إلى جَحِيم لَيْس بإمكان الكائن الإنسان احتماله. إلَّا أَنّها مَشْرُوطَة بِالأَلَم ولا تخفيف لِحدّة هذا الأخير إلَّا بِها. لِذَا يَتلازم الاثنان في ما يَتَضمّنه تَصْدِير الشاعرة لِمَجْموعتها بِأَبْيات للشاعر الإيطالِيّ الشَهِير ماريو لوزي (Mario Luzi) (1914 م- 2005 م) مِن قَصِيدة "نسيان- الحُبّ"، ضمن "بَواكير الصحراء" (1952 م).
وَبِهذا التَصْدِير تتأكّد دَلالة الحُبّ المَرْجَعيّة الّتِي هِي يَقِين الحال المُتَكَرِّر في مُجمل نُصوص المجموعة الشعريّة رغمَ بُهمَة الأَشياء ووحشة العالم الماثِلة هُناك وَراء "البَاب"، "باب السَعادَة".
- 4 –
مُعْجَمُ الحُبّ، دَلالتُه/دَلالاتُه وَتِدْلالاته مُنتشرة في مُجْمل النُصوص. وَالإشارةُ إليْه مُعْلنة مُنْذ البَدْء بِمَا وَرَدَ إهداءً "إلى دينو" وبِنَصّ التَصْدِير المذكُور لِ ماريو لوزي.
هُو عِشق اللُّغة بَدْءاً بارتِغاب طِفلة لاعِبَة بِالحُروف، وَبِدَهشة المُفتَتِنة بَطَبِيعة البحر وأحلامه في عِزّ الرَبِيع، رَبِيع العُمُر. وهو الاستعداد أَيْضاً لِخَوْض تجربة الفَرَح بِرُوح الطفلة اللَّاعبة العاشِقَة المُندفِعة بِأقصى النشوة إلى "خِفَّة العالم".
فَالوَقتُ جَمِيل، وَالخُرافَة أَجْمل، والرغبة جِدّ مُتَيقّظة، وَالإنِّيّة مُكتَمَلة انتِشاءً بِالآخر القَرِيب واندِماجا في ضَمِير ال "نَحْن" الدالّ على اثنَيْن في واحد.
- 5 –
إنَّهُ فَيْضُ مَحَبّة هذا الّذِي تمتلئ به فاليريَا دِي فيليتشي، مَحَبّة أُنثى بَلَغت أقصى حالات ارتِغابها، مُنفتحةً على الآخر/الذَكر إحْسَاسا بِفَائق الأُنوثَة وبِفَرح لا كَأيّ فَرَح: "اِبقَ بِجانبي. قريبا جِدّاً/ بِلا تظليل لِظِلّي/ لِأَجد وحدي نور كَوْنِي امرأة/ حولي. في نفسي. في فِكري/ لِصَدِّ الخوْف، كي لا أهرب أبدا/ مِن أرض السَعادَة هذه" (ص24).
- 6 –
لا سَعادَةَ، إذنْ، إلَّا بِالمَحَبّة. وَالمَحَبّةُ ارْتِغابٌ حَدَّ الهَوَس، انفِتاحٌ بِأَقصى جهد الأُنثى على الآخر الذَكر، بِإيروسِيّة عاشِقَة استثنائيّة تتنقّلُ عبْر قارّات الجَسَد وأقالِيمه، وفي خارِطَة الرَغبات والأَحاسِيس، بِلا دَلِيل لها، ولا بَوْصلَة إلَّا علامة هذا الآخر الماثل في خَبايا لعْبة الكِتابَة وَطَوايا الحال العاشِقَة لِلْعالم بِالآخر، وَلِلْآخر بِالعالم.
أَمَّا لُغَة المَحَبّة فهي لُغة حُلم يَقظة (rêverie)، بل أَحلام تتشكّل في حِين الكِتابَة بِمدى الاقتِراب مِن هذا الآخر الحاضر في الكيان قبْلَ المَكان، أو بِهما مَعاً. ثُمّ إنَّ لِهَذه المَحَبّة لعْبة أدائها الخاصّة بِالاشتِغال على الضَمائر: أنا، أنتَ مُخاطَبَةً أو أنا- السارد، هِي أوْ أنا يُخاطِب أناه بِضَرْب مِن الحِوار الذاتِيّ.
- 7 –
يَتَرَدّد في الأثناء لَفظ الخَوْف، هذا المُناقض لِلْمَحبّة والمُهَدِّد للسَعادَة. ف"أشواكه" مُنزَرعَة في الداخل لا تَدع الفَرَح يَسْتمِرّ إلى ما لا نِهاية، شَأنَ حَياة المَوْجُود ذاتها، فهي بَيْن أَلَم وَلَذّة، وَبَيْن أَلَم وأَمَل. وَكُلّما تَحَقّقت رغبةٌ اشتدّ قَلق. وَكُلّما انحبست رغبةٌ أُخرى اشتدّ أَلَم، لِتَظَلّ النَفس غَيْر ثابتة على حال. وذاتُ الشَاعِرة، وهي المُتَلهّية بِلُعبة الكِتابَة مُدْركةٌ بِصِفَة واعية ولا واعية أَيْضاً وضْع المُؤَقّت الزائل، في حِين تنشد في عَمِيق الحالّ كمال الفَرح ودَيْمُومة السَعادَة.
- 8 –
إنَّ حال المحَبّة واضحة حَدّ الالْتِباس، مُلْتبسة حَدّ الوُضوح، كما النَفس البَشَرِيّة، ونَفس الشاعِرَة تخصِيصاً، كما العالم، وكما اللُّغة، وَلُغة الشِعْر في مُقاربة هذا العالم الواضح الغامِض. فَالمَحَبّة هِي بالِغة الوُضوح بِالمَحَبّة ذاتها، وبالِغة الالتِباس بِسِواها الماثل فِيها، بِما قَدْ يُقَوّض بُنْيانها في أَيّ حِين. وَهذا الإحساس الآخر النَقِيض هُو مُوَلّد الخَوْف والدافع إلى التَوَجُّس.
كَذَا لُغَة الشِعْر فهي تذهب بَعِيدا في أدَاء معنى حال المَحبّة مُوغِلةً في عَتمة اللَّا- معنى، بِسريالِيّة تُرْبك المعنى وَتَدْفعه إلى دائرة مَوْصُوف حالٍ شِبْهِ هَذيانِيّة...
- 9 –
يُستمَع إلى صَوْت المُحِبّ، وَلِلْجَسد رَفِيفُه الخاصّ، ذِكرى "تُراثه القَدِيم"، مَكانه المُتقادِم أَيْضاً: "معصرة حُقول زَيْتون قديمة". وَبِهَذه القَدَامة تتشكّل صُورة العاشِقَة مُتَأَمِّلةً في أشياء العالم، حالِمَةً في اليَقَظة.
وب"الضفيرة" المُهْداة رَمْزًا شِعْريًّا إلى الآخر الحَبِيب تُصَرّح الذات الشاعِرَة بِيَقين مَحَبّتها مُتَحَدّيَةً بِعِشقها الجارف عَتمة الأشياء، بُهمة المعاني. فلا إمكانَ لِتَجْلية هذا المُعتم إلَّا بِالنُور المُنْبعث مِن داخل النَفس العاشِقة...
وَكَذَا فَإنّه بِالمَحَبّة يَتَجَلّى بَعْضٌ كَثير مِن العالم وتُشرق النفس، تتوهّج بِالمَعيّة: "نلتهب ولا نحترق" (ص50)، ك "إيروس" مُولّد الحَياة في الأُسْطورة اليُونانِيّة القَدِيمة وَمُخصِب الكائنات وَمُجَدِّد الحَياة.
- 10 –
على "ظهر البحر"، أوّل قَصائد المَجْمُوعة الثلاثة الكُبرى، تتجلّى حال العاشق. وَبِالبحر ينفتحُ عالم فاليريا دِي فيلتشي الجُوانيّ على "لحنٍ فاصل" (ثاني القَصائد الثَلاثة الكُبرى). وَبِالمُوسِيقي، مُرادِفةً لِلْمَحَبّة، يُمْكن تَحَمّل الوُجود المُوحش. إذْ ب "اللَّحْن" تنشأ وِلادة جَدِيدة (انبِعاثٌ). فَمُنذ بَدْء المَحبّة و ب"اللَّحْن" تتغيّر الأشياء، تدّاخل الأشكال وعناصر الطَبِيعة في ذاتِ وُجودٍ واحد مُشترَك.
كَذَا يروي "لحن فاصل" بِوَاسطة الشِعر حِكايَة وِلادة جَدِيدة حادِثَة، وتنطلق "الكلمة المكْتُومة مِن حُبْسة الغِياب" (ص54) لِإنهاء زَمَن والابْتِداء في زَمَن آخر جَدِيد:" كُنتُ أَتَكَلّم بِشَكل كامل عن الحَياة. والآن وأنتَ مَعِي/ أَنتَ هُنا وَنَحْن هُنا/ أحملك مَعِي، بِداخلي/ في الجَيْب المَخِيط والمُلْتصِق على صَدري/ لِجَمْع حِبْر قُبلاتك" (ص54- 55).
وَكَأَنَّ نُصوص "على ظهر البحر" تشهدُ حَدَث اللّقاح المُبارك بِالمَحَبّة، ثُمّ حَدَث وِلادَة جَدِيدةٍ.
- 11 –
"أعيش مِن جَدِيد خُرافة المِيلاد/ معك أنت/ أنت الوعد المُجاوِر لِبَاب السَعادَة/ الفُرْصة الّتِي أُتِيحتْ لِشمس جَدِيدة" (ص62). فلا تَجلَّيَ بِالكامل للدَلالة الشِعْريّة وإنْ حَدث المِيلاد وتأَكّدَ معنى السعادَة. وإذَا يَقِينُها غَيْر مُكتَمَل نَتِيجَةَ الخَوْف المُنْدسّ في عَمِيق النَفس غَيْر المُطمئنّة لِتَوجّسها الخَطِر الّذِي يتهدّدُ السَعادة لِإنهائها، كأَيّ فِعْل لِزَمن آيل إلى الانقِضاء، وذلكَ لانتِصار المَوْت أخيرا، العَدَم، الخواء. ف" خُرافة المِيلاد" هِي مُختصر هذا الخَوْف مِن التوقّف، مِن التَعَطّل، مِن الاندِثار، إذْ لا إمْكانَ في المُحَصّل الأخير لاستمرار أَيّ شَيْء في الحياة، بِما في ذلكَ السَعادة، وَرُبّما المَحَبّة أَيْضاً!، ذلكَ أنّ السَعادَة مشرُوطةٌ بِالإسعاد المُتبادَل، فَإذَا أَخَلّ أَحَد المُتحابّيْن بِهذا الشَرْط تَقَوَّض كُلّ شَيْء، لِذا فلا سَعادةَ ولا إسْعاد إلَّا بِالآخر (أنت) المُعَرَّف: "أنتَ الوعي المُجاور لِبَاب السَعادَة".
- 12 –
رغم يَقِين المَحبّة فإنّه لا شَيْء في العالم مُكْتمل، إذْ هُو عالم مُهتزّ، "جَدَليّته مُتَخلخِلة" بِلا تناظُم وَبِلا وحدة أَيْضاً، مُفَكّك، مُهَدّد بِالانهِدام، وإلى ذلكَ فهو مُلغَز مجهُول... فَتَتوالد أَسئلة الشاعِرَة مِن فراغ. وكَأَنَّ اللُّغَة، بِواقع هذه الحال، مُزدحمة بِخواء المعنى، كَأَنْ تستحيل إلى ما يُشبه الكِتابَة الهَذيانِيّة أحيانا. لِذَلك نراها توغل في عَتمة اللَّا- معنى، مُقارِبَةً بِذَلك مَوْصُوف السريالِيّة. وما اتَّضح في "على البحر" و"لحن فاصل" مَحَبّةً وارتِغابا في السَعادَة استحَال إلى نَواةِ دَلالةٍ مهزُوزة مُزدحمة بِالقَلق والخَوْف مَعاً.
- 13 –
فَتُحاول الشاعِرَة أمامَ الفَراغ المُسْتَبِدّ بِالكيان الانفِتاح على الكُوسموس، على الكَوْن الفَسِيح، على "قمريْن كامليْن يَدُوران" (ص72)، على "أزرق السَماء"، على "النُجوم" واللّيْل والنهار والطُيور المُحَلِّقَة في أعلى سَماء. كما تفتح "اللَّحْظة"، حَبِيسة المُبهم، على حُلم الأَبَدِيّة، ولا مَلاذ، ولا مُنقذ مِن حال الانحِباس إلّا الجَسَد، حُلم الجَسَد بِالإنّيّة والغَيْرِيّة. وتفتح اللَّحْظة أَيْضاً على غامض الرَغَبات، وعلى اللُّغة، لُغة الشِعْر تَحْدِيداً، حَيْث إمْكان المعنى الوَحِيد المُتَبقِّي في زحمة فوضى الكيان، وعلى اللّعب إمْكانا مُتَحَقِّقاً بِلُغة الشِعْر، بِبراديغمات الإنشاء والفسخ وإعادَة الإنشاء بِحَرَكة شِبْه دَوَرانِيّة حَوْل نَواةِ مَعنى تقريبيّة مُمثَلةً في المَحَبّة المُحَفِّزَة على الاستمرار في لُعبة الكِتابَة إلى آخر هذه المجمُوعة الشِعْريّة، وفي مَكانِيّة تَصِل بَيْن الإنّيّة والغَيْرِيّة: "فِي مكان انتِظار آخر/ أنا هُنا، أنتَ هُنا/ على هذا الشُرشف الأخضر/ مِن صَمْت مُمَزّق" (ص84) حَيْث الأَمَل غيْر مُنتفٍ تماما، ولا بَدِيل عنْه، إذْ بِانتِفائه الكامل يتداعى كُلّ شَيء: الوُجود والمَوْجُود في آنٍ واحد.
إنَّه الأَمَل في استمرار المَحَبّة، التَلاقِي، التَواصُل الّذِي به يُمكن تَحَمُّل فاجعة الفَراغ المُوحش.
- 14 –
جَسَدان في واحد، إذْ داخل المَكان (الغُرْفة) بِأَشيائها الخاصّة، وأَبْرزُها "السَرِير" و"الشراشف" يلتقي الماء والنار، الرغبة واللَذّة: "فخذاي المَصْنُوعتان مِن الماء/ تنْفَتحان على نار حِزامك"، وبِالحَرَكة (السرير الأُرْجوحِيّ) في تَلاقِي اللَّحمَيْن يحدث التَوالُج الحَمِيم إثباتا وَحِيدًا حِينِيّاً لِيَقِين المَحَبّة، ولا يَقِين سِواها في المُحَصّل. وَكَذا يتّضح المَشهد الجامع بَيْن مُختلِف المَواقف والحالات الشِعْريّة بِالمَقام الإيرُوسِيّ، هُناك "في غُرفة الحُبّ المُظلِمَة" (ص94) حيْث بِتَكرّر الفِعْل الجنسيّ إثباتا لِوُجود وَمَوْجود، بل لِوُجود مَوْجودَيْن بِالرغبة المُتَيَقِّظة والشهوة المُسْتفزّة المُتبادَلة: وَبِهذا الفِعْل المُتكرّر تتحرّر إنِّيّة الشاعِرَة مِن الخَوْف والشكّ والقَلق أَيْضًا، إذْ يحدث الترائِي ب "اللُّغز المكشُوف في مِرْآة الآخر" (ص99).
- 15 –
كَذَا السَعادَة، في خاتِمَة هذا القَوْل، لا تتحقّق إلَّا بِفائض الرغبة والاستِجابة لِندائها بِالجَسَد ينفتح بِأَقصى جهد التَشَهِّي على الجَسَد الآخر. وما المَحَبّة في المُحَصَّل إلَّا حُدوثٌ في الجَسَد وبِه، وَبِالقُوَى الفاعِلة فِيه، وَبِما يَصِل ولا يُفارِق بَيْن الرغبة والألَم والأَمَل والخَوْف والقَلق والحُلم واليَقِين واللّا- يَقِين وَبَيْن أشياء المَكان والعالم والكَوْن في أبْعد أقَاصِيه، لِيَتَبدّى فائِضُ العِشق بِاللَّحْظة الإيروسِيّة تختصر فِعل الحياة آنَ تخَلُّقها الأوّل ثُمّ تَكَوُّنها حَياةً لِتتجدّد وتتبدّد ثمّ تتجدّد مِراراً وتِكْراراً وإلى ما لا نِهايَة، كما الرغبةُ تختصر الحَياة: حُدوث فانقِضاء ثُمّ عَوْد آخر لِحُدوث...
وإِذَا "باب السَعادة" في زحمة الدوالّ الشِعْريّة لِ فاليريا دِي فيلتشي هُو العَلامة الدالّة على إمْكان ثابتٍ دلالِيّ مَرْجعيّ هُو المَحَبّة، كما أَسْلفنا، بِشَرْط التَواصُل بَيْن إنّيّة الأُنثى وغيْرِيّة الذَكر: سَعادةٌ مُتبادَلَة إسْعاداً وانْسِعاداً في الآن ذاته.
(*) فاليريا دِي فيليتشي، "باب السَعادة"، ترجمة عن الإيطالّية: سناء درغموني،
تونس
: دار ديار للنشر والتوزيع، 2020.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
لا شيءَ عَدا سوريّة : هادي دانيال عاشِقاً
لا شيءَ عَدا سوريّة : هادي دانيال عاشِقاً
لا شيءَ عَدا سوريّة : هادي دانيال عاشِقاً
صَرْخَةُ الوَجَعِ الأمَضّ: مَن يَفْتَدِي سوريّا؟ في "الرُّخام يبتَسِمُ لِأصابِعي" ل"هادي دانيال"
"معراج إلى دِمَشْق" ل"هادي دانيال" : حُلْمٌ كانَ بانْتِصارِ سُوريّة ، وانْتِصارٌ وَشِيكٌ الآن!
أبلغ عن إشهار غير لائق