طهر وعفة وكرامة، رحلت كما عشت سيدا، وصديقا، واخا، طوال حياتك تعج بحبك لتونس، وفيا لأصدقائك، طالبا في باريس، حيث عرفتك الالمعي في تدخلاتك في اجتماعات اتحاد الطلبة، وتناولنا مرارا الاكل في مطعم 115، وتجاذبنا الحديث عن دور الطالب في تونس المستقلة، وكم كنت المرشد في الازمات، والوسيط في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء، بورقيبي التكوين، يشهدها كل من عرفك عن قرب، ومارس خصالك، وتمتع بلقائك، وتجاذب الحديث معك، عبقري أنت في ميدانك، عزائي لتونس، اذ فقدت احد رموزها الاوفياء، تغمدك الله برحمته الواسعة، ورزق اهلك وذويك جميل الصبر والسلوان . كنت من الذين آمنوا بمسيرة تونس بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة، ناضلت منذ صغرك في فرنسا، حيث كنت نشيطا في الاتحاد العام لطلبة تونس، و عند عودتك الى تونس، تحملت المسؤوليات في الميدان الاقتصادي، وكنت المبتكر في تجديد الوسائل، تعرف مهنتك عن ظهر قلب، رؤوف حنون قريب للعمال، "عكاري" الطبع، شريف الانتماء، منهجي المسار، تحملت المسؤوليات المختلفة في ميدان الاقتصاد عن قدرة وجدارة ليس من السهل، ولا من الهين، رسم صورة واقعية لدماثة أخلاقك، ولما قدمته من خدمات جليلة، تذكر فتشكر، واهل مدينة جرجيس ادرى مني بذلك، اما انا فلم تبخل علي يوما بنصحك وارشادك، عندما تحملت المسؤوليات في جميع اطوارها، كنت لي المؤيد، والنصوح الابي، وانت ادرى بمشاق المسؤولية وكلفتها، كم كنت ملاذي عند الانقلاب الطبي، لجأت اليك عند الشدائد، ولما دعاني محمد الناصر لتكليفي بمهمة في ديوانه بالمجلس، دفعتني لقبول المهمة بدون تردد، لماكنت تلمسه منه من حسن نية وتقدير ومحبة.. كان الطاهر كما عرفته، دائما مرجعا في السياسة، سباقا في التفكير في تطوير المجتمع، والنهوض به الى الافضل، لأنه يؤمن بالعمل الصالح في خدمة الغير، وما أتذكره يوما في لقاءاتنا المتعددة، مجد دوره، او تباهى بنضاله، أو حقد على من لا يشاطره رأيه، او خان أصدقاؤه، وكان المغفور له محمد الصياح، يكن لك المحبة والتقدير، ويعتبره من الذين ساهموا في بناء الدولة العصرية، التي ننعم بالعيش فيها اليوم، ولم ينقطع الطاهر عن الدفاع عن افكار ه بذكائه الحاد، وذلك عن دراية وتبصر، وكان فعلا ينتمي الى الذين اختاروا" نحن الذين نموت واقفين ولن نركع"، لما يمتاز به من رؤى ثاقبة، وأخلاق عالية، وكان يكون دوره ريادي في ايجاد الحلول في محاربة ما تتميز به البلاد اليوم، من تذبذب في المواقف، وما تشكوه من نقص في تصور المستقبل يعجز اللسان ان يعطيك حقك اليوم ياطاهر، وأي قلم يمكن له تعداد خصالك، ففي غروبك ذكريات لا تنسى، وصور من شريط لن يكتمل، أثر فيك منتسكيو، وديكرت وغيرهما من فلاسفة التنوير، واعتنقت عصرهم، عصر المعرفة، ومصدر الحضارة الانسانية الحالية، تؤمن بفصل السلطات، وبالديمقراطية الفعلية، وبالحقيقة عن طريق العلم، و اذكر كما عرفتك، تؤمن بهذا كله، وتنبذ الحقد والكراهية، وتأسف لما فيه تونس اليوم من وحل، ومن اغلاق للأفق، وللحديث عن افكارك ومراجعك في الحياة تطول الكتابة، وسأعود اليها بسلاحك: مثالية السلوك وشفافية المقصد تلك هي لمحة خاطفة جادت بها ذاكرتي لفقدانك، وانت عزيز علي، وستبقى بدون ريب، فانت مثال للأخلاق الحميدة و للبذل والعطاء للغير، وأنت منارة مضيئة لا تنطفي في صدور من عرفوك، و في محياك يا طاهر اجلال الكبرياء، وعظمة الانفة ومجد الشجعان، فنم هادئا انك خالد، وانعم بوجه ربك راضيا، وانا لله وان اليه راجعون "يا أيّها النّفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك راضيّة مرضيّة فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي" صدق الله العظيم. هوامش رجب حاجي : دكتور في الاحصائيات- دكتور في الاقتصاد- شهادة تكوين مستمر بجامعة هارفارد الأمريكية - ألف أربع كتب في علم الاحصاء في المستوى الجامعي- اول رئيس بلدية ملولش- شغل رئيس ديوان المرحوم محمد الصياح عشرات السنين ورئيس ديوان وزيرة الصحة ومكلف بمهمة في اختصاصاته لدى رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر اطال الله عمره الى غيرها من المسؤوليات الوطنية...