عشر سنوات بأكملها مرت منذ قيام الثورة التونسية التي أشعل شرارتها الأولى الشاب محمد البوعزيزي بائع الخضار المتجول الذي أحرق نفسه بسبب الوجع الذي أحس به بعد أن تم منعه من نصب عربته التي يضع فوقها بضاعته في الطريق العام .. عشر سنوات مرت على رحيل نظام بن علي الذي أفسد البلاد والعباد وحوّل الدولة إلى مزرعة لا مكان فيها إلا لأفراد العائلة والمقربين منهم وكل الزمرة من الخدم والعسس للنظام القديم… عشر سنوات مرت منذ أن خرج الشعب رافعا صوته "خبز ماء وبن علي لا " و "يسقط جلاد الشعب يسقط حزب الدستور " في دلالة واضحة على رفض نهائي لمنظومة الحكم التي ورثها حزب التجمع المنحل لما انقلب زعيمه على الرئيس الحبيب بورقيبة. عشر سنوات مرة بكل أمالها وآلامها وخيباتها وحلمها ونكساتها .. وفشلها و إفشالها وانحرافها عن مسارها الأول والتآمر عليها وتحويل وجهتها من قبل الدولة العميقة ومنظومة الثورة المضادة وبقايا نظام الاستبداد وعبيد حزب التجمع والحالمين بعودة المنظومة القديمة…عشر سنوات عرفت فيها الثورة التونسية تقلبات كثيرة ومد وجزر وارتدادات كثيرة ومحاولات لتشويهها وإضعافها ساهم في هذا الوضع الكثير من السياسيين والكثير من الإعلاميين والكثير من أبناء الشعب الكريم.. عشر سنوات مرت حاولت خلالها الثورة أن تصمد أمام الرياح العاتية وأمام سهام الغدر الموجه إليها من كل حدب وصوب من أجل ترذيلها وتحميلها كل الفشل الذي تسبب فيه من تولى شأنها وأؤتمن على إنجاحها وتحقيق أهدافها ورهانات من قام بها ... عشر سنوات مرة على ثورة الحرية والكرامة تعرضت فيها منظومة الثورة إلى انتكاسات عديدة وتلقت ضربات موجعة أثرت على إشعاعها ومكانتها عند الناس وقد زاد من تعثرها غياب النتائج والانجازات الملموسة التي تبعث الأمل في نفوس الناس وتعيد الثقة في الثورة وفي أن الغد سوف يكون أفضل من واقع الاستبداد وبأن البلاد حالها أحسن بعد رحيل نظام بن علي. عشر سنوات مرت حاولت فيها المنظومة القديمة بكل ما تقدر عليه أن تُفشل مسار الثورة بداية من التشكيك فيها والتنقيص من قيمتها واعتبارها مؤامرة خارجية دُبرّت ضد نظام بن علي ومجرد انتفاضة أو هبة شعبية لا ترتقي لأن تكون ثورة حقيقية حتى وصل الحال إلى وصفها بثورة «البرويطة» وانقلاب حصل ضد نظام حكم بن علي وحينما لم تفلح هذه الاستراتيجية في فك ارتباط الشعب عن ثورته انتقلت آلة دعاة الجذب إلى الوراء إلى التشكيك في الديمقراطية وفي مرحلة الانتقال الديمقراطي والحكم عليها بالفشل واعتبارها مرحلة لم تحقق للشعب شيئا وما رافق ذلك من المطالبة بتنحية كل منظومة الحكم التي جاءت بعد الثورة وتحميلها المسؤولية في كل ما حصل من فشل وخيبة أمل و عدم تحقق كل استحقاقات الثورة. اليوم كل ما يحصل بعد عشر سنوات من الثورة من خيبات وانكسارات هو من منظور تاريخ الثورات أمر طبيعي يرافق كل مراحل الانتقال الديمقراطي التي عرفتها مختلف شعوب الدنيا التي قامت بثورة على الأنظمة الاستبدادية ذلك أن البناء الديمقراطي ومجاراة الحياة الديمقراطية أصعب من تركيز نظام الاستبداد وحكم الديكتاتورية و اليوم الخطر الكبير في تجريم الثورة وتقديمها للناس على أنها هي سبب كل ما يحصل من فشل لأن في تجريمها تجريم للشعب الذي قام بها .. إن الخطر الكبير في أن نسقط في خطأ الندم على القيام بالثورة ونجعل الشعب يندم على أنه جازف وقام بثورة. اليوم ما نعيشه بعد عشر سنوات من قيام الثورة هو تعثر مشروع حلم كبير لم يستكمل منجزه وهو الوصول إلى تحقيق كل الشعارات التي رفعت في الأيام الأولى من الثورة والوصول إلى تحقيق دولة العدالة الاجتماعية ودولة التنمية الشاملة التي تضمن للجميع الاستفادة بقدر من خيرات البلاد و أن تستفيد كل الجهات المهمشة بنصيب متساو من ثرواتها .. ما نعيشه اليوم هو معركة متواصلة من أجل استكمال حلم الثورة المغدورة وتحقيق الاندماج المطلوب للهوامش مع المركز وتحقيق المشروع الذي قامت عليه الثورة مشروع مواطن مختلف ومدرسة مختلفة ومجتمع مختلف ودولة مختلفة. اليوم وبعد عشر سنوات من الثورة نعيش هشاشة السياقات التي تخضع لها وترافق عادة مراحل الانتقال الديمقراطي .. ما نعيشه مع ثورتنا التونسية أننا نعيش هشاشة سياق الانتقال الديمقراطي الذي اخترناه والذي تعترضه مصاعب جمة ومتاعب كثيرة بعضها تسبب فيه أبناء الثورة و المؤتمنين عليها وبعضها الآخر بفعل أعدائها وكارهيها والحاقدين عليها. ولكن رغم كل الخيبات والآهات والأنين والحسرة فإن الأمل لا يزال قائما في مواصلة مشروع الثورة واستكمال منجزها مع ما في هذا الرهان من مصاعب وأشواك في الطريق ..