أصبحت تونس " ديمقراطية الدكاكين الحزبية" بدون منازع طبقا لعدد الأحزاب بالمقارنة بعدد السكان، ولكن ليست هذه هي "العاهة" الوحيدة في ديمقراطيتنا الناشئة والهشة التي تنخرها فلكلورية بعض المهرجين الذين يقدمهم اعلام الإثارة كسياسيين ويتقبلهم الشعب للتندر والإستهزاء والسخط أحيانا. يتوجب التذكير بأن الديمقراطية ليست أحزابا وصناديق إقتراع فقط ، بل هي أكبر وأشمل وأعمق من ذلك بكثير ، وهو ما لم يدركه أغلب المنتمين للساحة السياسية في البلاد ، فعرهوا لبعث الأحزاب التي تناسلت بسرعة وفوضوية كما الأعشاب الطفيلية دون فائدة مهما كان نوعها. هي "دكاكين" سياسية مغلقة في أغلب الأحيان ب0ستثناء أربعة أو خمسة أحزاب تمتلك الحد الأدنى من المواصفات المطلوبة ، وهذه الظاهرة تتنافى مع روح الديمقراطية ونبل مقاصدها وأهدافها . في البلدان ذات الديمقراطيات العريقة والمتجذرة كالولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والبلدان الإسكندنافية لا تتسع الساحة لأكثر من حزبين أو ثلاثة تتوزع على اليمين واليسار والوسط وتنصهر فيها التيارات الإيديولوجية حسب هذا التصنيف العام، أليس من الغريب أن يوجد في الولاياتالمتحدةالأمريكية ذات الثلاث مائة مليون ساكن ومنشأ الديمقراطية وواحتها، حزبان فقط ،في حين سيصل عدد الأحزاب في تونس ، بعد أيام فقط، إلى مائتين وعشرة أحزاب ؟! هل أصبحنا أكثر "ديمقراطية " من الديمقراطيات العريقة ؟ ما ضر أصحاب هذه "الدكاكين" المغلقة وشبه المغلقة لو إنصهرت في الأحزاب الكبرى التي تشترك معها في المرجعية العامة ؟ ما معنى أن توجد عدة أحزاب دستورية ومثلها قومية وأكثر منها يسارية ؟! أعرف أن الإجابة عن هذه الأسئلة جاهزة ويرددها القاصي والداني وتتلخص في هاجس الزعامة الوهمية الذي يسيطر على بعض السياسيين فيهرعون إلى بعث أحزاب صورية ، عدد أفراد مكتبها السياسي يفوق ، غالبا، عدد منخرطيها وقواعدها ، للجلوس على مقعد رئاستها والتلبس بصفة " الزعيم" السياسي. هذه "العاهة" تسببت في ظهور عاهة أخرى أشد فتكا بالديمقراطية من الأولى وهي تفشي ظاهرة "الزعامات" الفلكلورية التي أصبحت مصدر تأثيث بعد البلاتوهات الإذاعية والتلفزية الباحثة عن الإثارة الرخيصة والإبتزاز المبتذل من جهة وتندر الناس من جهة أخرى!