لقد جرت عادة الشعراء والأدباء والعلماء الصالحين ان يقولوا وان يكتبوا افضل وارقى الكلام في استقبال هلال شهر الصيام من ذلك قول الشاعر محمد الأخضر الجزائري : املا الدنيا شعاعا ايها النور العجيب قد طغى الياس عليها وهو كالليل رهيب اسكب الأنوار فيها من بعيد وقريب ذكر الناس عهودا هي من خير العهود يوم كان الصوم معنى للتسامي والصمود ينشر الرحمة في الأر ض على هذا الوجود يفتح الأرواح للحب ويمضي بالصمود هو عهد قد تقضى كله بر وجود ومن مقال طويل للمرحوم الدكتور عبد الله دراز تحت عنوان استقبال رمضان نقتطف هذه الجمل وهذه السطور (اقبل فان عيوننا الى الأفاق شاخصة تستشرف الى رؤيتك وان قلوبنا حولها حائمة هائمة تترقب اجتلاء طلعتك...اقبل هلال رمضان وليكن مطلعك على الاسلام من افق العزة والنصر وعلى المسلمين من فلك السؤدد والمجد وليكن مقدمك على البلاد امنا ورخاء ونعمة وعلى العباد يمنا واخاء ورحمة اقبل وسارع واقترب لتضع للناس ميزان الحق مكان ميزان الباطل ولتقيم فيهم قانون اللين والرفق بدل قانون البطش والقسوة اقبل على الأرض فاملاها نورا وسلاما بعد ان ملئت ظلما وظلاما اقبل هلال رمضان فاشرق على ربوع الاسلام وانزل على ابنائها من ايحائك الرشيد اشعة قوية تقود خطاهم وتلاحقهم في مساجدهم واسواقهم وتتبعهم في انديتهم ومجامعهم وتغشاهم في بيوتهم ومضاجعهم وتنفذ الى قلوبهم في خلواتهم وفي جلواتهم اقبل شهر رمضان اقبل شهر القران اقبل فجدد عهدنا بكتاب ربنا عهدا شاملا كاملا حتى نكون من اهله حقا وصدقا ودرسا وفهما وعملا وحكما اقبل علينا قادما كريما واحلل بيننا ضيفا عظيما وان يشا الله يجعلنا اهلا للوفاء بحقك كفئا لاكرام ضيافتك اللهم فاسمع واستجب) نعم بمثل هذا الكلام كان شعراؤنا وادباؤنا وعلماؤنا يستقبلون شهر رمضان ايام زمان اما اليوم فلم نعد نسمع ولم نعد نقرا شيئا من هذا القبيل لمن يدعون انهم شعراء وادباء الاصلاح والتهديب والتربية في هذا الجيل وانما اصبحنا نسمع ونقرا لاغلبهم ما يوسخ الأذان وما يشوه العقول وما يظلم القلوب من السفاسف ومن التفاهات التي يملؤون بها الاذاعات والتلفزات والجرائد والمجلات والتي نزل مستوى برامجها ومحتوياتها هي الاخرى مع الأسف الى اسفل السافلين ثم نسمعهم يتباكون و يتاسفون ويتاوهون ويقولون لماذا فسدت وتعفنت اخلاق وافكار الشباب في هذا الزمان؟ ناسين اومتناسين ان الشباب صنيعة برامجهم واختياراتهم العشوائية والتي تعتبر فيما تعتبر ان شهر رمضان هو شهر المسلسلات المائعة التافهة المحمومة اللاخلاقية وشهر السهرات الرديئة الصاخبة الهستيرية التي تزيد في اثارة دواعي المعاصي والآثام وتلبية نوازع الشهوات بدلا من التضييق عليها والتخفيف من حدتها وتهذيبها في هذا الشهر الكريم ثهر الصيام الذي جعله الله تعالى محاولة وتجربة سنوية لتخليص الروح من طغيان مطالب الجسد الحادة العتية التي ليس لها نهاية والتي ليس لها حد وصدق لله تعالى الذي يقول في تشريع الصوم ما فهمه العقلاء وتدبروه المتفكرون(يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فاين هذه التقوى المقصودة من الصيام التي ذكرها الله في كتابه العظيم المكنون من الذين ارادوا ان يجعلوه شهر متعة العيون وشهر قرقعة الأضراس وشهر فرح البطون ولله في خلقه شؤون...