يبدو أننا فقدنا البوصلة وعصفت بنا الرغبات المنفلتة فغرقنا في "المعارك الدونكيشوتية" الخاسرة، وقد تجلى ذلك خلال السنوات الست العجاف، وما تراكم فيها من أزمات خطيرة أدت إلى تغذية الغضب والحنق لدى المواطنين، بعد أن عجزت الحكومات المتعاقبة عن الإيفاء بوعودها. ست سنوات ونصف من المزايدات الجهوية التي تقطر وضاعة وأخرى طبقية ملوثة بأوحال الحقد الأعمى والحسد الأسود، والمتاجرة الشعبوية الرخيصة بآلام الناس ومعاناة الفقراء والمعوزين، والضحك على ذقون الحالمين والطامحين والمتطلعين، والكذب والبهتان والوعود الزائفة. كل هذا "الكوكتال" الرديء أفقدنا " تونسيتنا" تلك التي كنا نتباهى بتجذر مقوماتها ونبل خصوصياتها، وأضاع عنا نموذجنا " الخصوصي" ذاك الذي زرع المصلحون بذوره الأولى وتعهده بناة الدولة الحديثة بالرعاية والإحاطة حتى إستكمل ملامحه الأساسية.