دروب اللون والتلوين طويلة وشاقة وصعبة وما يهيم بها غير متيم يقول بالقماشة كحالة مغايرة طافحة بالوجد لا يرتجي صاحبها غير هذا الترحال البعيد في أتون الأسئلة و الكشف و الاكتشاف.. هكذا تبدو الفكرة التي تبحث عن هذا الدرب غير أن العبارة التشكيلية و في أحايين أخرى تذهب مذاهب غير تلك التي نذكر فهي تتخير أساليبها و جمالياتها من بساطة الأحوال و ما يعتمل في الدواخل من شجن و غناء خافت آن البوح به وفق معادلة البساطة و العمق لتبرز بذلك فكرة التلوين بحسب حاجة الفنان و بما يقترحه الكائن من ثقافة جاب دروبها ليقول بالذات و حميمية حكاياتها من طفولة عابرة الى ذكرى و في كل ذلك يظل الحنين سيدا قبل التلوين و بعده... هكذا نذهب باتجاه عوالم الرسامة كنزة بن يحيى التي ذهبت بفكرتها الى عوالم الهوية و التراث و الوجوه و المناظر متعددة الألوان .. هي فنانة حرصت على التمسك بالبصمة في تعاطيها مع الثقافة التي تشبعت بها فهي ترى في التراث عالما ثريا يصلح في ابداء ما به من بصمة تحتاجها الذات في حراكها اليومي وخاصة الآن وهنا تجاه تثبيت الينابيع والعلامات وما من شأنه تجسير الهوة ضمن المثاقفة والتواصل مع الآخر... في لوحة " نصف نظرة " تشتغل الرسامة كنزة بن يحيى على هيئة النظر لفتاة بلباسها التقليدي الذي يعود الى جهات الساحل ..في اللوحة نظرة تبرز وتكبر وتتضح بانتصافها حيث القول بالبراءة والحلم والانتظار..وهكذا.. النظر عنوان تواصل واكتشاف والقول بالحياة..ترى ماذا قالت الألوان للرسامة بن يحيى وهي تمضي في فكرة هذا العمل..وكيف تحاور فتاة قماشتها وهي تراوح بين التلوين والمحو والتلوين والتثبيت لهذا الوجه الممتلئ بالنظر ضمن رسمه في هيئة نصف وجه.. تلك الزّرقة سوف تتعوّدها أصواتك القادمة من أعمدة النسيان ولك إذن أن تمرحي مثل أطفال جدد بلا ذاكرة... انها لعبة التشكيل حيث اللون ذاك المجال للقول بالحالة القصوى من النظر في مفردة لونية تنتصف لتعبر أيضا عن عنفوان اللغة و العبارة التشكيلية .. ثمة في هذه اللوحة حالة من حالات أيامنا هذه ..نعم ينظر الأطفال بكثير من الأسئلة الى من حولهم ... هل هي نظرة احتجاج على أكوان يهزها الخراب ..هل هي نظرة تستبطن صرخة الطفل المدوية نشدانا لسلام الحال والأكوان...والكلمات..وهل هي عبارة اللون في هذا التمجيد للينابيع والتراث واللباس التقليدي قولا بالصمود تجاه غول العولمة و التنميط الثقافي و اندثار الخصائص و الهويات.. ماذا يقول الفتى لأشيائه؟ والبلاد، على ضمإ عظيم تيه... فوضى هل يفشي سرّ هذي العيون أم يحفل بزرقة المساء؟ بأيّ صمت يلوذ والخريطة ضاقت بمائها والأمنيات همّ العاشق بالورد يناجيه يا أيّها الورد أرحني...أزحني من موتي... أنّى للفصول الثقيلة أن تعشقها النوارس......... في هذه اللوحة التي قدمتها الفنانة التشكيلية والمربية كنزة بن يحيى بمعرض لها بالساحل التونسي حكاية بل حكايات متعددة القراءة والتأويل رغم وضوح الموضوع لدى المتلقي ولكن في الفن ثمة قراءات أخرى للمقروء.. نصف نظرة عمل ضمن أعمال فنية حرصت الرسامة كنزة بن يحيى على تعدد تيمات اشتغالاتها وفق نظرتها المخصوصة للعلاقة بين الفنان والمجتمع الى جانب التعاطي مع ما هو بسيط وعميق كامن فينا ...وما الفن سوى هذا الوعي باللحظة والذات والآخرين.