فوجئ عم ابرهيم بباب قاعة التشريح يفتح وبسكرتيرة الوزير تدخل عليه وهي تحمل باقة ورد احمر ووجهها ملطخ بماكياج فيه الكثير من (التجلويط...والتلخبيط)...وكانت ترتدي (روبة) برتقالية اللون تكشف اكثر مما تخفي وبيدها حقيبة جلدية من النوع الذي لا يوجد الا في الفريب...وعندما راها عم ابرهيم لم يتحرك من مكانه..وسلم عليها ببرودة...ولم ينظر اليها الا بنصف عين وواصل التهام كسكروت الكفتاجي الذي كان امامه على الارض التي يجلس عليها يوميا عند وقت الغداء الذي يكون في الغالب الاعم كفتاجي وقازوزة وباكو بسكويت وكاس شاي منعنع...ونظرت السكرتيرة حولها فاذا هي محاطة في قاعة شبه مظلمة بجثث مختلفة الاشكال..ورات فوق طاولة التشريح جثة مفتوحة على مستوى البطن وقد خرجت منها مصارينها والدم يغطي معظمها ...ولم تشعر السكرتيرة الا بالرعب عندما رات العدد المهول من الجثث المشوهة...وتضاعف رعبها عندما رات قرب ابراهيم راس مقطوعة مرمية على الارض لم تعثر الشرطة على جثة صاحبها...واجهدت نفسها لتخفي رعبها وركزت بصرها على ابراهيم التي اعجبت به من اول لقاء...واقتربت منه قليلا حتى كادت تلامسه وطلبت منه ان يسمع خفقات قلبها الذي عرف الحب لاول مرة منذ راته...واعطته ورقة صغيرة سجلت فيها خواطر كتبتها عن حبيبها برهوم...وقالت له ان الحب طرق باب حياتها ...ودغدغ مشاعرها لاول مرة بعد ان كانت تسمع عنه في الاغاني وتراه في الافلام والمسلسلات ...وحكت له عن الوزير الهارب منها...وسائقه الذي يريد ...ولا يريد...وعساس (الباركينغ) الي يستقبلها يوميا وهو يلوح في وجهها بزلاطه...ويطلب منها ان يجتمعا في الحلال..والحماص الذي كل مرة تقف فيها امامه يطلب منها ان (تعمل معاه قهوة)..وصمتت قليلا وراحت تنظر اليه وهو يشعل سيقارته بعد ان اكمل كسكروته ثم مالت على كتفه وتنهدت قائلة (برهوم حبيبي انت الرجل الوحيد الذي احسست برجولته ..واشعل نارا في قلبي لم اكن اعرفها...انا غارقة الى اذني في بحر غرامك ...افعل بي ما تشاء...وانا على استعداد لان اصبح مثلما تريدني...) وسالته ان كان يريدها ان تصبح جثة لانه يعشق الجثث...ولكن ابراهيم لم يكن يستمع الى ماكانت تقول ..واشتمت رائحة من دخان السيقارة التي كانت بين اصابعه وبصدد امتصاصها بشراهة جنونية شكت فيها فطلبت منه ان يعطيها (مصة) ..فتردد قليلا ثم اعطاها واذا بها راحت تكح بقوة وهجم عليه السعال ..وتقطعت انفاسها...وانتابتها حالة من اللذة..ودخلت في ما يشبه غيبوبة خفيفة...وقالت له (الان ...والان فقط اعلنت عليك الحب )وهجمت عليه تريد افتراسه وهو ملقى على الارض ..ولم يستطع صدها لان السيقارة المحشوة بالزطلة افقدته القدرة على الحركة...وراح يهذي وكانه فقد عقله..وارتمت فوقه...واذا هو بارد كقطعة ثلج...حتى انها ظنت انه ليس في نهاية الامر ليس الا جثة مثل بقية الجثث في القاعة...سقطت دموعها...واختلط ماكياجها بسائل سعالها...وادركت ان الدنيا اعطتها صفعة قوية جديدة.....وانهارت تماما...واقتنعت بان حتى الرجل الذي لم تر في سواه الرجولة تخلى عنها قبل ان يبدا...وبان الرجولة التي تبحث عنها ماهي الا وهم وخيال..وتحاملت وغادرت القاعة التي لم تلتق فيها الا بالموت..وتركت وراءها جثة الحب الموؤود الذي ما ولد حتى مات...وخرجت الى الشارع الرئيسي (وراسها مزنزنة) فلقد اظطربت مشاعرها ...وهجم عليها كل حزن العالم...وعصف بها الاحباط..ولم تعد قادرة على تمييز الاشياء...ولم تعد تعرف المكان الذي هي فيه...وسمعت منبهات السيارات المسرعة تملا سمعها فلم تعرف ان كانت موسيقى صاخبة...او (صطنبالي)..وفجاة تدهسها سيارة ضخمة لتطير جثتها في الهواء وتنزل فوق شاحنة قادمة في الاتجاه المعاكس مملوءة بحجارة كبيرة الحجم سرعان ما تلطخت بالدماء...