الى صاحب المعالي حامل أختام الجمهورية تحية واحتراما وبعد لقد كنت وعدت قرائي في هذا الموقع بالذات الذي فتح لي صفحاته لأكتب فيها ما يطيب له خاطري ويرضي ضميري وذلك تعميما للفائدة حسب تقديري، وكان ذلك بمناسبة ما كتبته عن الأراضي الاشتراكية والطريقة العملية التي اتبعتها لما كنت وال على ولاية قفصة الكبيرة وقبل ان تستقل عنها ولاية سيدي بوزيد وولاية توزر وما تركته تلك المغامرة من نتائج مرضية وختمت مقالي ذلك بوعد القرّاء في التوسع فيها، ورأيت ان موضوع التسجيل العقاري له علاقة قريبة ومتينة لانه أعم وإصلاحه بات مهما وهو من مشمولات المحاكم العقارية التي ترجع بالنظر ترتيبيا الى وزارة العدل، لذلك اخترت وزيرها لأبدي له هذه الآراء والتجارب التي تحتاج الى عنايته في الرجة الاولى. لذا اخترت هذه الطريقة في تبليغها اليه لأنني رايتها باتت معتمدة اكثر من الصحافة المكتوبة وان كل وزارة عندنا اصبح لها موقعا تعتمده في ابلاغ المعلومة والتفاعل مع الرسائل التي يكتبها المواطنون وسأكون منهم، ولأني على يقين من أهمية الموضوع الذي بات يعنينا وأتصوره يهم وزارة العدل قبل غيرها من الوزارات الاخرى ومن واجبها تتابعه وإعطائه ما يلزم من عناية . لقد كنت كتبت عن الاراضي الاشتراكية مرات في الصحافة المكتوبة وأعدته في هذا الموقع ذات يوم لأني اقدر ذلك المخزون الكبير من أراضي الجمهورية المجمدة والمهملة لعقود عديدة وبقيت محرومة من التنمية الحقيقية والاستثمار فيها في حين ان الاراضي المجاورة لها والمماثلة من حيث جودة التربة وتمتد على مسافات كبيرة باتت مغروسة زيتونا وتنبأ ونخلا لانها اخرجت من صبغتها الاشتراكية بحيل ابتدعها المعمرون. تفطنت الحكومة في بداية السبعينات من القرن الماضي وبعد عدولها عن سياسة التعاضد وبادرت بسن قانون يجيز لافراد التملك فرديا في الاراضي الاشتراكية بشروط ميسرة ومنها الاستقرار فيها والالتزام بإحيائها وموافقة مجلس التصرف للمجموعة. وبدأت اللجان الفنية تعمل في تطبيق تلك القوانين ولكن ذلك كان ببطيء كبير وهو ما دعاني بصفتي تلك ان اهتم بالموضوع وخاصة بعدما تعددت النزاعات وتعطلت أعمال تلك اللجنة واشتكت لي بصفتي واليا ورئيسا لمجلس الوصاية. فكرت وقدرت وبتنسيق مع وزير الفلاحة واستنبطنا طريقة عملية تتطابق مع القانون وشروطه وتتلخص في اتباع ما قامت به الحكومة بعد الاستقلال فيما يخص الغير المرسمين في الحالة المدنية او المتزوجين على العرف الجاري وأنهت الموضوع في بضعة سنين وأغلقت الموضوع نهائيا، وتركت الباب مفتوحا للمتخلفين اذ يمكنهم تدارك تقصيرهم بواسطة المحاكم العدلية والتي اجراءاتها أطول واكلف ولكنها ضرورية. اما فيما يخص الاراضي الاشتراكية التي سبق وبينت الطريقة المتبعة في اخر مقال نشرته اخيرا وتعهدت بالرجوع اليه وهو ما افعله اليوم. فان الطريقة تتلخص ببساطة في تصريح مشابه مصادق عليه من الاجوار الاربعة للطالب وموافقة مجلس التصرف والإشهار لمدة محدودة بأسبوعين يعلق ببهو المعتمدية التي يعود لها بالنظر وبعدها يعرض على مجلس الوصاية بالولاية للبت في الاعتراضات ان وقعت ثم يحيل الجاهز منها في محضر مصحوبا بقائمة بالمعنيين على وزير الفلاحة الذي يأذن بنشرها بالرائد الرسمي وبنتهاء الآجال يسلم لكل واحد من المستحقين وثيقة تملك تساوي الكتب الخطي او الحجة العادلة وبعدها عليه ان اراد يقوم بترسيمه بواسطة حكم تصدره المحكمة العقارية. واعود لموضوع التسجيل العقاري لاهميته. وخاصة تحيين الرسوم المجمدة التي باتت تؤرقنا جميعا وتفطنت لها الحكومة في بداية القرن وسنت لها القانون عدد 34 لسنة 2001 مؤرخ في 10 أفريل 2001 المتعلق بتحيين الرسوم العقارية وخصت به ولاة الجمهوية ولكنهم لم يقدروا على فعل شيء يذكر فحولته للمحكمة العقارية التي أغرقت فيه وباتت محملة بمئات الآلاف من الحالات وبقيت تتأخر لجلسات عدة واستعملت فيها الاجراءات العادية من اشهارات وتوجهات وخبراء وبعدها اذا تم الحكم فيها ابتدائيا فتكون أحكامها قابلة للطعن فيها بالاستئناف وعندها تتعطل العملية لسنوات عديدة. لقد جربت ذلك مرات بصفتي محام قضيت في تلك المهنة نحو أربعين عاما بعدما خدمت عشرين سنة في الادارة المحلية كمعتمد ووال ووال للولاة في وزارة الداخلية ونائبا لدورة واحدة بمجلس الامة وكنت بلجنة التشريع العام وازعم انني اكتسبت معرفة وخبرة ولكنني لم اخش كما اصبحت اخشى على ضياع الحقوق المشروعة لو استمرت الحالة على ما هي عليه. وأحدثكم بالمناسبة عن ملف تعهدت به كان موضوعه إفراز منبات في عقار مسجل يملك فيه منوبي منابات مشاعة مبنية ومستغلة منه لعدة سنين بدون شغب او خصومة ، فاراد أفرزها برسم مستقل يجيزه له قانون التحيين الذي ذكرته سابقا،ولكن راسي ازداد شيبا ولم أظفر بنتيجة ومرت على القضية نحو عشرة سنين والمحكمة العقارية وبعد إذنها بإتمام اجراءات الاشهار بالرائد الرسمي ومرور الآجال وعدم الاعتراض عليها ارتأت المحكمة ان تعقد جلسة مكتبية يحضرها منوبي العامل بفرنسا وقد حضر شخصيا وتمسك بطلبه وتم التحرير عليه وتأخرت القضية لاسبات حتى حلت العطلة القضائية وتبدل قضاة الدائرة بآخرين يلزمهم وقتا للاطلاع ولم اعرف ما اقوله للمنوب الى بوم كتابتي لهذه الأسطر. سيدي الوزير هل تعلم بان ذلك كان جاريا في الديوان الشرعي والذي كان سببا للبعض من المتقاضين باعتناق الجنسية الفرنسية هروبا من احكام المشائخ وضياع حقوقهم بين المذاهب وباتت وقتها قضية وطنية ومنعوا من دفن موتاهم في مقابر المسلمين. انني اذكر بذلك وأجري على الله خوفا وخشية عن مال القضاء عندنا واخص بذلك المحكمة العقارية التي لم تعد منها فائدة بتطور العلم والحوكمة الرشيدة وسأبين الأسباب في بقية الرسالة وفيما سأنشره تباعا في الايام القادمة على هذا الموقع الذي اخترته وفضلته لأسباب خاصة. تونس في 1جوان2018