بقلم: مصطفى قوبعة من مافيا تهريب السلع والسلاح، إلى مافيا الجريمة المنظمة، إلى مافيا الاغتيالات السياسية، إلى مافيا تجنيد شبابنا وشاباتنا للجهاد في سوريا قتالا ونكاحا إلى مافيا السياسة وصولا إلى مافيا الحج آخر تجليات حالة المخاض التي يعيشها مجتمعنا. يكاد مجتمعنا، وليد ثورة 14 جانفي، يتحول إلى مجتمع مافيوزي، وبالضرورة يحق لنا أن نتساءل عن أية قيم وعن أية ثقافة سائدة هذه التي سنبني عليها المستقبل، مستقبل وطننا ومستقبل أجياله، وعن أية ثورة فكرية ثقافية نحن بصدد صنعها. فآخر ما ظهر أن تمتد يد المافيا لتعكر صفو موسم الحج بشكل غير مسبوق فينفضح أمر صنف جديد من المتاجرين بالدين. أكثر من 50 حاجا معلقون في مطار تونسقرطاج وحوالي 160 حاجا معطلون في مطار صفاقس والقاسم المشترك في وضعيتهم هو إما جوازات سفر مدلّسة أو تأشيرات «مضروبة» والأخطر من هذا أن تتواتر معلومات تحتاج إلى إثبات تقول إن إمام جامع من الجهة هو منظم عملية حج موازية على خلاف الصيغ القانونية وبكلفة يبدو أنها تفوق الأسعار المعتمدة بما فيها سعر الحجّ «الممتاز». وفي سياق الحديث عن بدعة «الحج الممتاز» يتعين التذكير والتأكيد أن جميع المؤمنين يتساوون في أداء فريضة الحج بصرف النظر عن تفاوت ظروف الإقامة المتوفرة خلال موسم الحج، وعلى هذا الأساس فإن الساهرين على ملف الحج في بلادنا لم يتفطنوا إلى خطيئة شرعية وأخلاقية ارتكبوها بتصنيف تجاري لفريضة الحج بين حجّ ممتاز وحجّ آخر لم يجدوا له توصيفا محدّدا، وما كان على هؤلاء التسويق لمفهوم الحج «الممتاز» فالفريضة واحدة ومناسكها واحدة وجميع المؤمنين سواسية أمامها. إن فريضة الحج هي في معتقداتنا أقدس الفرائض وهي التي تستوجب من الراغبين في الحج ومن مسديي خدمات هذه الفريضة في بلادنا أعلى درجات الطهارة، طهارة النفس وطهارة الروح وطهارة اليد وطهارة المال. فدون هذا المستوى العالي من الطهارة، تكون فريضة الحج بلا معنى أجرا وثوابا عند الله تعالى سوى ما يتبقى منها للتباهي أمام الغير. إن دخول هذه الشبكة الجديدة من المافيا على خط موسم الحج لتبتزّ أو لتغري أو لتغالط من لم يسعفهم الحظ بأداء الفريضة في إطار المسالك الاعتيادية والمنظمة دلالة إضافية على ضعف الواعز الديني لدى بعض التونسيين. مرّة أخرى لم نخرج من دائرة السهل ومن دائرة البحث عن الحلول السهلة في كل مجالات الحياة الخاصة والعامة، وأصبح الغش سيّد الموقف حتى ولو تعلق الأمر بأقدس الفرائض، وإذا كان الله تعالى يلعن الراشي والمرتشي، وإذا كان من غشنا ليس منّا، يسقط القناع عن المتخفين وراء مقولة «الضرورات تبيح المحرمات».