مهرجان أبو ظبي السينمائي- مبعوثنا الخاص- مالك السعيد بدأت الرسميات في مهرجان أبو ظبي بانطلاق عروض أفلامه التي تتسابق من أجل جوائزه «المغرية» في اقسام الأفلام الروائية الطويلة(اللؤلؤة السوداء تعادل 100 الف دولار، جائزة لجنة التحكيم 50 ألفا، افضل فيلم عربي 50 ألفا، افضل مخرج عربي 25 ألفا،...) ومسابقة آفاق جديدة(تتراوح الجوائز الستة بين 25 و100 الف دولار)ومسابقة الأفلام الوثائقية (بين 25و80 الف دولار) والأفلام القصيرة(بين 10 و25الفا) ومسابقة افلام الإمارات (بين 10 و30 ألفا) وقد كانت البداية بالنسبة إلينا بفيلم البوسني «دنيس تانوفيتش» «فصل من حياة جامع خردة» المتوج بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان برلين 2013 «الدب الفضي» وهو العرض الأول في منطقة الشرق الأوسط. وقد لفت تانوفيتش الأنظار إليه منذ فيلمه الأول «أرض محايدة» سنة 2001 الفائز بأوسكار أفضل فيلم اجنبي وجائزة جمعية مراسلي هوليوود الأجانب وتم إختياره في مهرجان «كان» السينمائي. صدم الفيلم آنذاك الرأي العام الدولي إذ فضح فظائع الصرب في البوسنة وتواطئ القوات الأممية وإغماض الولاياتالمتحدةالأمريكية عيونها إزاء المجازر التي حدثت في تلك الحرب العرقية البشعة. ففي يوم واحد قتل الصرب تسعة آلاف بوسني في منطقة تسيطر عليها قوات الأممالمتحدة التي كان جنودها منشغلين بالتسلي بلعب مباراة في كرة القدم. انتهت الحرب بإتفاقية «دايتون» للسلام وبقي في أحشاء البوسنيات المغتصبات بالآلاف آثار لا تمحى من حرب قذرة لم تراع فيها آدمية البشر وظل في أحشاء الأرض البوسنية ثلاثة آلاف لغم وهذه الألغام مصنوعة من البلاستيك مما يعني انه لا يمكن كشفها وبالتالي تبقى هناك في انتظار ان تنفجر ولو بعد سنين طويلة مع العلم بأن كلفة انتاج لغم واحد لا تزيد على دولار واحد لكن إزالة لغم واحد تكلف 100 دولار! في فيلمه الجديد« فصل من حياة جامع خردة» تكشف كاميرا تانوفيتش معاناة عائلة بوسنية في منطقة نائية تحاصرها الثلوج، حين تعرّف المخرج على هذه العائلة كان يخطط لتصوير فيلم وثائقي عن معاناتها، ولكنه سريعا ما غير رأيه ليقوم أفراد العائلة أنفسهم بأداء تمثيلي لقصة واقعية، يعيش الأب «نظيف» (فاز بجائزة افضل ممثل في مهرجان برلين 2013) رفقة زوجة صابرة تتكلم قليلا خلافا لكثير من زوجاتنا ، وبنتين صغيرتين، وفي غرفة حقيرة ملاصقة للجحر الذي تقطنه عائلة نظيف «قاسم» وغير بعيد عنه «رفيق» ، هما العائلة والأصدقاء والصحبة و«الرفيق عند الضيق» وإن كانا هما أصلا في ضيق كأنه قدر محتوم على الجميع. يعيش هؤلاء حياتهم بلا أي مورد غير جمع خردة الحديد وبيعها في المدينة المجاورة، يواجه «نظيف» برد الشتاء القارس بجمع حطب التدفئة دون ضجر او شكوى من أجل عائلته الصغيرة حتى تكتشف زوجته ان جنينها مات وهو في بطنها بعد أن تعكرت صحتها وحملها زوجها لمستشفى القرية القريبة، طلب منه أن تجرى لها عملية جراحية لإجهاض الجنين الميت ، ولأن نظيف لا يملك تأمينا صحيا فقد عجز عن تدبر تكاليف العملية المطلوبة فباتت حياة زوجته مهددة بالخطر. يضطر« نظيف» إلى بيع سيارته الصغيرة «خردة» بعد تقطيع أوصالها ليتسنى له إقتناء الدواء لزوجته وتسديد معلوم الكهرباء الذي قطع عنه فحرم إبنته المشاغبة «شميسة» من متابعة مسلسلها المفضل... فيلم بسيط بميزانية محدودة لم تتجاوز أيام تصويره العشرة، عن عائلة من غجر البوسنة تعيش ظروف الفقر والإٌهمال ، حتى ان «نظيف» سأل ربه «يا رب لماذا يعاني الفقراء دائما؟» لم تكن كاميرا«دانيس تانوفيتش» آلة جامدة بلا مشاعر مثل الجليد الذي يحاصر عائلة نظيف الصغيرة دون أن يقدر على إنتزاع ضحكات شميسة وصبر الأم التي وشمت على زندها قلبا يخترقه سهم تعبيرا عن حبها لزوجها الذي لا يكل من خدمة عائلته وتحقيق رغباتها، ولذلك إعتمد المخرج الكاميرا المحمولة تتحرك مع حركة شخصيات الفيلم ذهابا وجيئة ، في إقبالها وإدبارها وتنظر حيث تنظر عيونها وتتوقف عندما يثقل الحمل فتصمت الشخصيات عن الحديث ... والمخرج دنيس تانوفيتش عازف بيانو لا يتجاوز عمره الثالثة والأربعين خدم ضمن فريق سينمائي صور فظاعات الحرب ، سافر بعدها إلى بلجيكا حيث اكمل دراسته بتفوق سنة 1997 ، ومن بين افلامه«الجحيم»2005 و»فرز»2009 وهو بصدد تصوير فيلم جديد «اكاذيب بيضاء» ... ومن الجزائر عرض فيلم «السطوح» لمرزاق علواش الحائز هذا العام على جائزة افضل مخرج في الشرق الأوسط التي تمنحها سنويا مجلة« فرايتي» على هامش مهرجان أبو ظبي، ولئن كان عنوان الفيلم«السطوح» فإنه غاص في قاع الجزائر العاصمة برصد لوحات من حياتها في يوم واحد ومن خمسة أسطح مختلفة في فترات زمنية تحدها مواقيت الصلاة بدءا بصلاة الصبح وصولا إلى صلاة العشاء. ففي حي السيدة الإفريقية يفتتح علواش فيلمه بمشهد تعذيب في بناية لم يكتمل بناؤها لشاب بإغراق رأسه في سطل من الماء من طرف رجلين يأتمران بأوامر شخص تبدو عليه علامات الثراء، نكتشف لاحقا أنه شقيق الشاب المعذب(بفتح العين) الذي يموت غرقا لأنه يرفض التوقيع لشقيقه على وثيقة ما، لها صلة بميراث على الأرجح، فجأة يدخل فريق تلفزي البناية لتصوير «الجزائر جوهرة العالم العربي» فيكون مصير أفراد الفريق القتل حتى لا ينكشف السر... في حي «باب الواد» وفي سطح لا يختلف عن السطح الأول، أم برفقة إبنتها الأم العزباء بسبب إغتصابها من طرف أحد الإرهابيين(عشرية الإرهاب الأعمى في الجزائر الجارة ) ، يأتي صاحب العمارة بحكم يقضي بطرد العائلة التي لجأت إلى سطح عمارته بعد سقوط منزلها، فكان مصيره القتل وإلقاء جثته في البحر وفي غياب الجثة لا وجود لأية جريمة. في حي القصبة ، يعيش «عم العربي» الذي حارب فرنساالمحتلة حبيس قبر لا يرى وجهه وإن كان صوته يسمع يتحدث عن بطولات أبناء جيله بقيادة حسن الذي كان بطلهم الحقيقي. وتسهر الطفلة الصغيرة على عمها الكبير بتقديم الطعام له والاستماع إلى حكاياته حتى تقرر في النهاية أن تفك قيده وتطلب منه أن يغادر سجنه نحو عالم الحرية ، على السطح ذاته يجتمع شباب من السلفيين في حضرة شيخ يمتدح «القائد الأخ» معمر القذافي ، وبمناسبة الإجتماع «الديني» تنظم المهام الدنيوية بشأن توزيع المخدرات القادمة من الإخوة في أفغانستان . في سطح من اسطح الجزائر الوسطى نتعرف على فرقة موسيقية متمردة صوتها فتاة إبنة زمنها تتعلق بها إحدى جاراتها من سطح آخر وترسل لها إرساليات حب لا يقبله لا الشرع ولا الشارع وتقبله المغنية لحظات قبل إنتحار عاشقتها-عشيقتها. وفي «حي بلكور» بالعاصمة الجزائر سطح آخر هو بساط للتدرب على الملاكمة وهو فضاء للشيخ لمين ليخرج الجن من أجساد مريضاته اللاتي يأتين منقبات ثم لا يترددن في تعرية أجسادهن الظمأى إلى الحب للشيخ الأمين غير الأمين . لا تحتفي الجزائر الرسمية بفيلم ساهمت في إنتاجه، ومن الواضح أن وزارة الثقافة القائمة في الجزائر لا تنظر بعين الرضى لمرزاق علواش المقيم بفرنسا حتى أن إقامته بهذا البلد باتت مثل السبّة كما حدث قبل اعوام في وهران حين كانت بعض الفتيات المحجبات يهمسن إليه خلال الندوة الصحفية بشكل مستفز«ديقاج وغادر البلاد إلى فرنسا بلادك» ، ومع ذلك يظل علواش مخرجا حقيقيا يشتغل على آلام الجزائريين. ومن تونس وفي مسابقة الأفلام القصيرة شاهدنا«زكرياء» (27دقيقة) لليلى بوزيد التي إختارت ان تصنع فيلما فرنسيا عن مهاجر جزائري(الممثل سعيد اهمامة) يموت ابوه فترفض إبنته سارة السفر معه لأنها فرنسية وهو ما لم يقبله الأب ؟ القصة لاكتها روايات وقصص وألسن ومقالات صحفية ، ولانعلم ما هو الجديد الذي اتت به ليلى بوزيد في فيلمها المعنون ب«زكرياء»؟