*من مبعوثنا الخاص إلى مراكش- مالك السعيد يعرف المغاربة جيدا أن عدد المهرجانات السينمائية التي تنتظم في المملكة أكثر من عدد قاعات العرض السينمائي وأكثر بطبيعة الحال من عدد الأفلام الطويلة المنتجة سنويا في المغرب- بين عشرين وخمسة وعشرين فيلما روائيا - ويدرك صناع السينما في المغرب أن هذا العدد المتضخم من المهرجانات السينمائية- أكثر من 50 مهرجانا- لا يعكس شغف الجمهور بالفن السابع بقدر ما هو سياسة الدولة التي جعلت من المهرجانات السينمائية وسيلة للترويج للمناطق السياحية واستقطاب الفنانين والصحافيين والمنتجين من مختلف بلدان العالم، فالسينما في المغرب في خدمة الاقتصاد والسياحة، وما يصرف أحيانا بسخاء باليد اليمنى على بعض المهرجانات كما هو الحال بالنسبة إلى مهرجان مراكش السينمائي تجنيه اليد اليسرى، فالمغرب وجهة مفضلة للمنتجين العالميين لتصوير أفلامهم إذ يتم تصوير ما بين عشرين وثلاثين فيلما أجنبيا كل سنة، وتسخر الدولة تسهيلات جمة للمنتجين الأجانب، أكثر من ذلك فإن عدد من المهرجانات تنتظم تحت إشراف ملك المغرب نفسه فيما يرأس شقيقه الأمير مولاي رشيد مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش وهو ما يبعث برسالة واضحة للسينمائيين في المغرب وخارجه بأن السلطة السياسية هي راعية السينما لا معرقلته . ونلتفت سريعا لنرى ما يحدث عندنا منذ 14جانفي وهو تاريخ يصفه زميلنا بالجزيرة الإخبارية نصر الدين اللواتي"البن علي هرب" بعد تعذر وصفه بأنه ثورة أو انتفاضة مادام رموز الماضي عائدين بقوة وكأن شيئا لم يكن فالرئيس المؤقت لم تنبس شفتاه بكلمة سينما منذ جلوسه على كرسي قصر قرطاج، ولا يختلف الأمر كثيرا في القصبة ، بل إنه تم حذف اليوم الوطني للثقافة باعتباره الحد الأدنى من الاهتمام الرسمي بشؤون الإبداع والثقافة، ولعل الإنجاز الوحيد الذي تحقق منذ 14جانفي لفائدة السينما هو بعث المركز الوطني للسينما والصورة في عهد فؤاد المبزع الشغوف بطبعه بالسينما والمواظب منذ عقود على حضور مهرجان كان ، والمركز السينمائي يقيم بشكل مؤقت في ضاحية المرسى دون أي إمكانيات على ذمته عدى مديره العام عدنان خضر الذي يجتهد بالقدر اليسير لفعل شيء ما ... وزاد تردي الأوضاع الأمنية الطين بلة فالمنتج الأجنبي يهمه أمنه والفريق العامل معه حتى أن ريدلي سكوت تراجع عن تصوير فيلم من بطولة أنجلينا جولي في بلادنا بعد أن إتفق معه طارق بن عمار في هذا الصدد ، كل ذلك بسبب تردي الأوضاع الأمنية ...في المقابل هل تبذل وزارة السياحة ووزارة الثقافة مجهودا لإعادة الثقة إلى المنتجين العالميين في تونس كوجهة تصوير جذابة؟ وماذا فعلت الغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام إلى حد الآن ؟ هل أنجزت مثلا موقعا يتضمن عناوين شركات إسداء الخدمات وما توفره بلادنا من تسهيلات للمنتج الأجنبي؟ طبعا لا، كل ما هنالك محاولات فردية قليلة الحيلة محدودة النتائج أمام ما تحققه بلدان مثل الأردن والإمارات العربية المتحدة ... فمتى ينتبه السياسيون عندنا أن السينما ليست قصيدة شعر بل هي صناعة تتوفر على طاقة تشغيلية عالية ويمكن أن تغير من حال جهات كثيرة في تونس مثل توزر وقبلي وطبرقة وقفصة والكاف وغيرها.... ولكن المشكل أن السياسيين منشغلون بسينمائهم على السينما ...