بقلم أبو غسان قد يجد هواة السينما في بعض محطات الحوار الوطني الذي تعيشه تونس منذ أكثر من شهرين مادة أولية ثرية لإنجاز فيلم يصنفونه في خانة سينما الإثارة والتشويق.... ولكن المادة نفسها قد تصلح أيضا لإنجاز فيلم يصنف ضمن السينما السوداء. وما حصل أمس بين الساعة السابعة والثامنة صباحا يمكن أن يعتبره أحباء مدرسة «هيتشكوك» السنيمائية ذروة في التشويق والإثارة، كما يمكن اعتباره قمة في الدراما السوداء. فبعد أن أكد السيد مصطفى الفيلالي أمس أنه قبل بمنصب رئاسة الحكومة بعد حصول توافق بشأنه بين المشاركين في الحوار الوطني، عاد ليعلن بعد أقل من ساعة ، رفضه لهذا المنصب مكتفيا بالقول أن البيئة السياسية لا تسمح له بالاضطلاع بهذه المسؤولية دون تقديم أية أسباب أخرى تفسر تراجعه عن موقفه. وهو ما أربك كل الأطراف المتدخلة في الحوار الوطني وجعلها تعود بأقصى سرعة إلى «مارطون» المشاورات التي قد تتواصل إلى آخر لحظة قبل موعد الندوة الصحفية التي قرر الرباعي الراعي للحوار عقدها ظهر اليوم للإعلان النهائي عن نتائج الحوار. وحتى في حالة توصل الرباعي الراعي للحوار إلى الظفر ب«العصفور النادر» - وهو ما يمكن اعتباره بحق معجزة إذا ما تحقق- فإن ذلك لا يعني بالمرة أن الأزمة التي تعيشها البلاد قد طويت، وأن باقي مراحل خارطة الطريق ستطبق في آجالها ودون عناء كبير. إذ من المؤكد أننا سنكون على مواعيد أخرى مع فصول جديدة من الإثارة والتشويق، أو من مشاهد «دراما سوداء» لا تبعد كثيرا عما جرى صبيحة أمس. أما في حالة إعلان فشل الحوار، فإننا سنجد أنفسنا أمام مجموعة من الخطط «ب»، مثلما لوحت بذلك أكثر من جهة. ذلك أن لكل طرف خطته «ب» الخاصة به. فالبعض قال إن الشارع سيكون المسرح البديل لطاولة الحوار. والبعض الآخر لمح إلى أمكانية «عقد صفقة» ثنائية أو متعددة الأطراف من خلال إعادة تشكيل خارطة التحالفات الحزبية في تكوين الحكومة الجديدة. كما أوحت جهات أخرى أن مجرد توسيع التمثيلية السياسية للحكومة القائمة سيكون كافيا لتجاوز الأزمة الراهنة. في حين دعت أطراف أخرى إلى «الاستنجاد» برئيس الجمهورية المؤقت ليتولى تعيين شخصية لترؤس الحكومة الجديدة والتطبيق الآلي للقانون المنظم للسلطات دون الأخذ بأية اعتبارات أخرى. إعلان فشل الحوار سيكون انتكاسة كبرى، واللجوء إلى أية خطة من الخطط «ب» يمثل تخليا عن مبدأ الحوار، ويمكن أن يشكل تصعيدا قد يحمل في طياته مخاطر عديدة على البلاد. فالخطط «ب» هي بمثابة السيف الذي سيبقى مسلطا على الرقاب في كل لحظة. و ما دامت الهوة بين الفرقاء السياسيين تزداد اتساعا يوما بعد يوم، فسيواصل البعض إشهار هذا السلاح مع كل توتر جديد تشهده الساحة السياسية، لتواصل البلاد الانزلاق نحو المجهول الذي لا أحد بإمكانه التكهن بكل مخاطره وتداعياته.