بقلم: أبو غسان وجدت التوافقات التي انتهت إليها الجلسة الترتيبية لاستئناف الحوار الوطني، أول أمس صدى طيبا في نفوس التونسيين، بعد «الرجة» الإيجابية التي أحدثتها عملية اختيار السيد المهدي جمعة لترؤس الحكومة المقبلة. ويعكس هذا الارتياح وعي الشعب بخطورة التداعيات التي أصبحت البلاد تجابهها. فاختيار رئيس حكومة جديد، والتوصل إلى بوادر حل لتجاوز إشكال بعث الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وكذا فرصة استكمال صياغة الدستور في أقرب الأوقات، أعادت للحوار الوطني شيئا من التوازن، ومثلت بارقة أمل للتونسيين. ولكن هذا التقدم لا يمكن أن يحجب ما تبقى من مصاعب أمام الحوار الوطني، وهي مصاعب كثيرة ومعقدة وتتطلب مواصلة التعامل بنفس هذه الروح الإيجابية والسير على نفس نهج التوافق، وتقديم التنازلات كلما دعت الحاجة من هذا الطرف أو من ذاك. ذلك أن ما تبقى من محطات في خارطة الطريق ليس أقل تعقيدا وصعوبة من عملية اختيار رئيس الحكومة الجديد، وتكتنفه العديد من الإشكاليات سواء القانونية أو السياسية. وإلى الآن تبقى الصورة غير واضحة تماما عن الكيفية التي ستعتمد لتجاوز هذه المصاعب، ليس أمام التونسيين فحسب بل حتى أمام المشاركين في الحوار الوطني أنفسهم. ولعل الأهم من الأبعاد الرمزية لتاريخ 14 جانفي الذي حدد لاستكمال تجسيد خارطة طريق الرباعي، هو أنه لم يعد أمام البلد هامش كبير لخسارة المزيد من الوقت، إن لم يكن هذا الهامش منعدما تماما. وفي هذا الإطار لا بد من الانتباه إلى أن التقيد الآلي بالقانون المنظم للسلط العمومية لن يكون ممكنا معه تطبيق الآجال التي نصت عليها الخارطة قبل موعد 14 جانفي. لذلك فالمطروح هو إما مراجعة هذه الآجال وبالتالي مواصلة الحوار إلى ما بعد هذا التاريخ، أو التسريع بمراجعة القانون المنظم للسلطات العمومية في أقرب الأوقات حتى يتسنى للحكومة الجديدة البدء في عملها. هذا من الناحية القانونية ، أما من الناحية السياسية فمن المؤكد أن قضية استقلالية أعضاء الفريق الحكومي الجديد ستكون معركة حامية الوطيس، ومحل أخذ ورد بين المشاركين في الحوار الوطني. هذا فضلا عن المشكل الطارئ المتعلق بكيفية التعامل مع موضوع الميزانية الجديدة وقانون المالية لسنة 2014، ومدى وجاهة تأخير النظر فيهما إلى بعد تسلم الحكومة الجديدة لمهامها، خاصة أن هناك انقساما إزاء هذه المسألة ووجهات نظر مختلفة. إن ما سيجري انطلاقا من اليوم، باعتباره الموعد الرسمي لاستئناف الحوار وعودة العد التنازلي لتنفيذ بقية محطات خارطة الطريق، يظل بالغ الأهمية. وهو يدور تحت أنظار كل العالم، وليس في الأمر أية مبالغة. فهناك حاجة اليوم إلى وضع النموذج التونسي على سكة النجاح.. سكة تختلف عما آلت إليه الأوضاع في مصر. والكل، سواء من شركاء تونس أو من المؤسسات العالمية يدفع باتجاه إنجاح هذه التجربة. والأهم من ذلك كله أن الشعب التونسي يريد أن يخرج من نفق هذه الأزمة، ومن مهب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تردى فيها. وهو في حاجة أكيدة إلى استرداد أنفاسه، ورؤية السياسيين يتجاوزون خلافاتهم وحساباتهم الضيقة. وليس من حق أي جهة كانت مصادرة هذا الأمل.