تعيش القيروان كل سنة أجواء احتفالية كبيرة بمناسبة المولد النبوي الشريف وتستعد لها كما ينبغي على جميع المستويات فتتزين وتتجمل حتى تخرج عروسا بين الولايات, ولعل مازاد ذكرى المولد هذا العام رونقا هو تزامنها مع الاحتفالات بذكرى الثورة. نسق الحركة الاقتصادية والتجارية التي تشهدها عاصمة الأغالبة منذ أسبوعين تقريبا ارتفع هذه الايام باعتبار انطلاق وصول الزوار من كل مكان حتى من خارج تونس. وتشهد المدينة أجواء احتفالية تشارك فيها فرق فلكلورية وسلامية ترافقها إذاعة محلية لتنشيط شوارع المدينة.عموما تسجل عاصمة الاغالبة بهذه المناسبة عادات اجتماعية ومسامرات دينية وتشهد الأسواق انتعاشة وتنبعث الحيوية داخل الأوساط العائلية الى جانب الازدحام الكبير في محلات بيع « الزقوقو» والفواكه الجافة كما تعيش ربات البيوت حالة استنفار خاصة أن هذه الذكرى تعني بالنسبة لأغلبهنّ مناسبة لإعداد «العصيدة» والتفنن في استعمال شتى أنواع الفواكه الجافة التي عادة ما تثقل ميزانية العائلة، لكن كل ذلك يهون من أجل التباهي ب «عصيدة » تحوز إعجاب العيون والبطون. هذا بالاضافة الى عديد الأنشطة الثقافية والدينية التي تنتظم بمختلف الفضاءات حيث أعدّت المندوبية الجهوية للثقافة بدورها برمجة ثرية ومتنوّعة تجمع بين الندوات والمسابقات والمعارض والعروض الموسيقية والسينمائية وذلك من 11 إلى 16 جانفي الجاري. وكانت انطلاقة التظاهرة من خلال سهرة قيروانية اقيمت ليلة الخميس الماضي اثثها الفنان أنيس اللجمي بمقام أبي زمعة البلوي، الذي يحتضن بدوره فعاليات المسابقة الوطنية لفرق المدائح والأذكار والدورة الخامسة للمهرجان الوطني للإنشاد الصوفي بالقيروان التي تشهد مشاركات من كافة ولايات الجمهورية. اجواء احتفالية وعلى هذا الأساس يأمل أهالي القيروان أن تستعيد عاصمة الأغالبة الأجواء التي فقدتها منذ ثمانينات القرن الماضي تقريبا حين كان المواطنون يعيشون الفرحة والبهجة والأجواء الاحتفالية بشكل تلقائي وبحكم العادة يحولون مدينتهم إلى عروس تتجلى في أجمل صورة من خلال التحضيرات التي تطال كل جوانب الحياة. شوارع القيروان تزينت وتجملت والزرابي القيروانية الأصيلة فرشت والفوانيس الملونة علقت على أغصان الاشجار وفوق الشرفات فيما لبست واجهات المحلات التجارية حللا بهيجة من الأواني النحاسية والمنسوجات الصوفية ومختلف المصنوعات التقليدية التي تميز الجهة كما فتحت الزوايا أبوابها لاستقبال الزوار الذين يتوافدون من كل حدب وصوب إلى جانب تزاور العائلات المتصاهرة لتقديم «الموسم» وهو عبارة عن هدية يقدمها الخطيب للخطيبة. ضريح السيد الصحبي ويعد مقام « السيد الصحبي» محور الاحتفال بالمولد في القيروان. ففي هذا المكان ضريح الصحابي الجليل أبي زمعة البلوي الذي يروى عنه مصاحبته لرسول الله واحتضان ضريحه لشعرات من رأس النبي الأكرم يروى أن أبا زمعة احتفظ بها معه وعثر عليها بحوزته عند استشهاده في واقعة «عين جلولة» خلال بعثة معاوية بن حديج لفتح إفريقية في عهد معاوية ابن أبي سفيان خلال القرن السابع ميلادي. لذلك عادة ما تقام أجواء احتفالية كبيرة في هذا المقام يوم المولد فتعقد القرانات هناك طلبا للتبرك و«الهناء» ويختن الاطفال بشكل جماعي لأبناء المعوزين واليتامى من مختلف مناطق الولاية مجانا مع تقديم هدايا لهم ومساعدات عينية لأوليائهم. وهي من اللمسات الاجتماعية والسنن التي دأبت عليها مدينة القيروان من سلط جهوية ومحلية وبعض أهل البر. المعتمديات في البال الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف لا تقتصر على القيروانالمدينة فقط بل تمتدّ الى معتمديات الولاية التي برمجت لها المندوبية الجهوية للثقافة عدة انشطة ومسابقات. حيث تنظم دار الثقافة بالسبيخة مداخلة حول «الهجرة النبوية ومدى تأثيرها في بدايات الدعوة الإسلامية» بالإضافة إلى مباريات ثقافية بين المدارس الابتدائية حول السيرة النبوية الشريفة. وفي دار الثقافة بحفوز ينتظم معرض وثائقي بعنوان «مظاهر الاحتفال بالمولد في البلدان العربية» والذي يمتد من 11 إلى 13 جانفي، هذا بالإضافة إلى تنظيم مسابقة للأطفال في حفظ وترتيل القرآن ثم عرض سلامية لفرقة الشيخ محمد البقلوطي. وقد كان الموعد يوم امس السبت بدار الثقافة بالشبيكة مع سهرة الإنشاد الصوفي بحضرة رجال القيروان للتراث الأصيل بقيادة بلال حمريت. وتنتظم بدار الثقافة ببوحجلة يومي 15 و16 جانفي مسابقة في تلاوة القرآن ومسابقة اخرى في الأكلات الخاصة بالمولد النبوي الشريف ومسابقة بين ربات المنازل في أجمل عصيدة للمولد بالجهة وأمسية موسيقية شبابية إلى جانب عرض شريط سينمائي حول حياة الرسول كما سيتم اقامة معرض للصور حول تقاليد الجهة بالمناسبة و تقديم عرض مسرحي فكاهي لنادي المسرح ببوحجلة. وللعروض السينمائية نصيب في هذه البرمجة، حيث سيكون الموعد يوم 14 جانفي مع 3 عروض سينمائية وهي كالتالي : عرض شريط سينمائي ديني بدار الثقافة العلا وعرض شريط «الشيماء» بدار الثقافة بنصر الله الذي سيكون مشفوعا بحصّة تنشيطية حول نشأة الرسول، يليه عرض شريط « الرسالة» بنفس الفضاء، فضلا عن عرض شريط سينمائي بعنوان «محمد صلى الله عليه وسلّم» يوم الخميس 16 جانفي بدار الثقافة بجهينة. أكبر طبق عصيدة الاستعدادات لمولد هذا العام كانت استثنائية ايضا من حيث سعي ابناء القيروان لادخال مدينتهم في كتاب «غينيس» للارقام القياسية من خلال « عصيدة المولد» . التحضيرات لهذا الحدث العالمي أخذت حجما أكبر وبعدا أشمل دفعت بالاعلامي ( ابن القيروان ) زهيراللطيف وباعث قناة « تلفزة تي-في » إلى الإشتراك مع شركة اخرى في اعداد أكبر طبق عصيدة في العالم ستحتضه غدا «بطحاء » اولاد فرحان وهو فضاء متاخم لجامع عقبة ابن نافع. هذا الطبق الذي يكفي لتقديم وجبات لألف شخص جنّد ت له 40 امرأة لتحضير العصيدة في أوان نحاسية على الحطب ثم توزيعها على الحاضرين داخل خيمة عملاقة في أوان من الفخار حسب الطريقة التقليدية التي كان معمولا بها في السابق. وعن هذا الحدث صرح زهير اللطيف أن « تلفزة – تي – في» جندت فريقا كاملا لتغطية احتفالات القيروان على امتداد أسبوع كامل باعتبار ان القيروان عادة ما تشهد حضورا متميزا للزوار من كل مكان قبل أن يضيف : «قمنا بمحاولة للتذكير بأن هذه المدينة تستحق الحياة وبالنسبة لتظاهرة اكبر عصيدة فهي رمزية بالتعاون مع مؤسسات اقتصادية وبلدية القيروان وجمعيات محلية ومجتمع مدني. شخصيا لي دين نحو مدينتي ومن واجبي المساهمة بتسليط الضوء عليها واعادة الدورة الاقتصادية لها. واليوم القيروان من المدن المنسية خاصة انها كانت مدينة سياحية و75 بالمائة من سواح تونس يزورونها ». اما زهير بن جماعة المدير الفني للتظاهرة فقد قال ل« التونسية » :« لقد تم الإعداد لهذا الحدث الذي نريده ان يحطم الرقم القياسي العالمي منذ مدة من حيث التنظيم لاطعام اكثر من الف شخص في نفس الوقت في ظرف 20 دقيقة وكل شخص بيده « صحفة عصيدة » مطرزة بالعسل وزيت الزيتون. كما ستكون 40 امراة حاضرة في الموعد لثرد العصيدة في 40 آنية نحاسية مع المحافظة على الرموز الحضارية للقيروان, وكل واحدة ستعد لثلاثين شخصا على 100 حلقة. اما كميات المواد الاولية التي تم اعدادها لهذا الحدث فهي 100 كلغ من الفارينة في نفس اللحظة و25 لترا من زيت الزيتون و25 كلغ من العسل». تحقيق : عبد المجيد الجبيلي وايمن المحرزي