بقلم: مصطفى قوبعة عاد اسم روني الطرابلسي إلى التداول كأبرز المترشحين لوزارة السياحة إن لم يكن المرشح الوحيد لها وفق تسريبات متطابقة حول تشكيل الحكومة المرتقبة. فهذا التونسي اليهودي الديانة والناشط المتميز في قطاع السياحة ذو الشهرة العالمية استأثر باهتمام المتابعين لمشاورات تشكيل الحكومة ولتسريباتها. وإن كان ثمة من رأى في ترشيح روني الطرابلسي أمرا عاديا بل ومحبذا بحكم تخصصه في المجال السياحي وتمكنه الجيد من أوضاع السياحة التونسية بمعوقاتها وبآفاقها وبحكم قدرته المفترضة على النفاد الى مراكز القرار صلب وكالات الأسفار الدولية التي تتحكم في سوق السياحة العالمية، فإن أصواتا أخرى تحفظت على هذا الترشيح بالاستناد الى ديانة المعني بالأمر وما قد يحمله ذلك من مخاطر تطبيع غير معلن مع الكيان الصهيوني ومع أخطبوطه العالمي. إن روني الطرابلسي هو قبل كل شيء تونسي أبا عن جدّ وإذا كان يتوفر على مقومات الكفاءة في مجاله فإن لا شيء يحول دون تكليفه بوزارة السياحة لكن مع الأسف مايزال الكثير من التونسيين عن قصد أو عن غير قصد أسرى دائرة الخلط وعدم التمييز بين الديانة اليهودية وبين الصهيونية، بين العقيدة وبين نظام سياسي عنصري قام على سلب الشعب الفلسطيني حقوقه التاريخية، وهو نظام مرفوض من قبل الكثير من يهود العالم. إن الصهيونية ليست قدر جميع يهود العالم بما فيهم يهود تونس... صحيح أنه ثمة يهود من تونس هاجروا قبيل وبعد أحداث 1967 الى دولة الكيان، وثمة من استقر في أوروبا وثمة منهم من تشبث بأرضه وبوطنه رغم كل الألم. إن الطائفة اليهودية المتأصلة في هويتها الوطنية هي جزء لا يتجزأ من ذاكرة هذا الشعب وأثرت تاريخ تونس المعاصر خاصة في مرحلة النضال السياسي والاجتماعي والثقافي ضدّ الاحتلال الفرنسي ثم ضد الاستبداد السياسي للنظام البورقيبي. إن الكثير من يهود تونس كانوا في طليعة القوى الحية المناضلة سياسيا ونقابيا واجتماعيا وثقافيا من أجل التحرر والتقدم، فتألق مثلا الفقيد جورج عدّة بنضاله السياسي والنقابي في مواجهة الاحتلال الفرنسي كما في معارضة النظام البورقيبي، وتألقت الفنانة حبيبة مسيكة في إذكائها الحس الوطني للتونسيين في معاداة الاحتلال الفرنسي، وتألق كذلك جيلبار النقاش بانتمائه الى الجيل الأول من شباب تونس المثقف الذي أسس للحركة الديمقراطية في تونس منذ بداية الستينات. إنه من الحيف أن يلصق البعض شبهة الصهيونية بكل يهودي تونسي في حين أن نخبة يهود تونس عرفت بمواقفها وبكتاباتها المعادية للصهيونية، وما على هؤلاء إلا أن يطلعوا على مساهمات المناضل جيلبار النقاش أو على كتاب «فلسطين الشهيدة» للفقيد جورج عدة. إن الذي يجمعنا هي هويتنا التونسية وتشبثنا بالأرض وبالوطن وبالانحياز الى القضايا العادلة وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني، وإذا كان روني الطرابلسي من هذه المنطلقات جديرا بوزارة السياحة فهنيئا له. وبالمناسبة، ثمّة من أحيى بالأمس ذكرى 18 جانفي 1952 في مظاهر احتفالية أمام ضريح الزعيم الحبيب بورقيبة في المنستير في محاولة لاستحضار صورة الزعيم ورمزيته، ولكن للأمانة السياسية والأخلاقية كانت تقتضي من هؤلاء كذلك وضع باقة ورود على ضريح الراحل جورج عدة الذي تذكر بورقيبة رفيق دربه في الكفاح يوم نسيه هؤلاء والذي تجرأ على مطالبة بن علي برفع الحصار عن بورقيبة في آخر أيام عمره يوم صمت جميع هؤلاء.