كنا قد كشفنا في أحد الأعداد السابقة حقيقة الوضع الذي تعيشه الصناديق الاجتماعية في تونس حيث يشهد الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية عجزا ب170 مليارا في حين واجه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة 2012 عجزا ب72 مليارا ومن المنتظر أن تشهد المرحلة القادمة انطلاق التفاوض والحوار حول مستقبل الصناديق في تونس خاصة مآل جرايات التقاعد في المستقبل . وفي هذا الجانب علمنا أن وزير الشؤون الاجتماعية عمار الينباعي قرر عقد جلسة مع الرؤساء المديرين العامين للصناديق ( التقاعد والحيطة والاجتماعية والضمان الاجتماعي والتأمين على المرض) وذلك لمعرفة حقيقة الوضعية المالية للصناديق . وقد تحصلت «التونسية» على معطيات جديدة حول ملف الصناديق تؤكد أن الوضع الحالي صعب يتطلب إصلاحات عاجلة وأخرى آجلة تحتاج إلى شجاعة في الطرح وفي الإصلاح مع عدم الإضرار بأصحاب الأجور الضعيفة والبحث عن توافق وطني حول الموضوع باعتبار حساسية الملف وتأثيره على مستقبل المواطن التونسي . وبحسب البنك الدولي ينبغي إصلاح أنظمة التقاعد لضمان النزاهة والشفافية والاستمرارية المالية لأجور المتقاعدين وتم في هذا الجانب تحديد الخطوة الأولى للإصلاح وتتمثّل في تحديد هدف لمعدل الإحالة على التقاعد دون تسقيف الحد الأقصى على الأجر المستخدم لحساب المعدل للتقاعد مع القيام بتعيين نسبة المساهمة المطلوبة. وفي حالة نظام الدفع أوّلا بأوّل كما هو الحال في تونس، يمكن لمساهمة بنسبة 15 في المائة تمويل معدل ب50 في المائة بعد 40 عاما من المساهمات. أما الخطوة الثانية فتتمثّل في تقرير ما إذا كان هناك الدعم لمصلحة العمال غير القادرين على المساهمة بما يكفي لمراكمة منحة تقاعد لائق وتقرير كيفية دعم هذا التّحويل لفائدة هؤلاء العمال . وقد اشترطت كل المؤسسات المالية المستعدة لمساعدة تونس على بناء اقتصادها من جديد تغيير منظومة التقاعد والضمان الاجتماعي في تونس كشرط مسبق لجميع الإصلاحات الاقتصادية والتنموية التي سيتم القيام بها مع الحرص على حماية فعالة للفئات الهشة والفقيرة ، والتحسين من النجاعة وتحقيق مزيد من الإنصاف. وبينت المؤسسات المالية المانحة فشل نظام الضمان الاجتماعي في تونس في حماية الفئات الأكثر فقرا، إذ نجد أن أكثر المنتفعين بالضمان الاجتماعي ينتمون إلى الأوساط الأيسر حالا، مما أدى إلى تفاقم اللامساواة والاحتقان الاجتماعي. وفي هذا المستوى قدمت المؤسسات المالية العالمية وصفة علاجية لانقاذ الصناديق الاجتماعية متمثلة في حزمة متكاملة من الاصلاحات المتعلقة بقواعد سوق الشغل ومؤسساته تمكن من توفير حماية افضل للعمال مع اعطاء المؤسسات نوعا من المرونة التي تجعلها قادرة على المنافسة والتأقلم مع متطلبات الأسواق المتغيرة على المستوى العالمي وإصلاح نظام المعاشات التقاعدية وأجور التقاعد لضمان النزاهة والشفافية والاستدامة المالية.، ومن المنتظر أن يتم التفكير في إصلاح سن ومعدل الإحالة على التقاعد القانوني دون حد أقصى على الراتب المستخدم لحساب أجور التقاعد . وبينت مصادرنا أنه من المتوقع أن تؤدي هذه المنظومة الى تسهيل قدرة المؤسّسات على المنافسة وبالتّالي الى مزيد من الاستثمار وخلق الوظائف لا سيما أن تونس ستكون في السنوات القادمة في حاجة إلى أرضية لاعطاء دفع لسوق الشغل من خلال تخفيض العبء الضريبي عن العمل مع اصلاح نظام التقاعد لضمان ديموته . ومن المشاريع التي قد يتم تقديمها كمقترحات في المرحلة القادمة من طرف البنوك العالمية المانحة تغيير قواعد الطّرد في ما يتعلّق بالعقود مفتوحة المدة والعقود محدودة المدة وإزاحة الحواجز الموجودة حاليا والتي تعيق الاستثمار في الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية من خلال اعطاء المؤسّسات المرونةالمطلوبةحتّى تكون ذات قدرة تنافسية.وبالتّوازي فإنّ الاصلاحات ينبغي أن تقوّي من حماية العمال عبر توفير الضمان الاجتماعي ضد فقدان مواطن الشغل ومن المهم أيضا وضع سياسات تعزز مشاركة المرأة في قوة العمل. وستكون إحدى المبادئ الرئيسية للإصلاحات ربط المساهمات التي يقدمها كل عامل بالمنافع التي يتحصل عليها، وتمويل الإعانات الصريحة (إعادة التوزيع) من خلال الإيرادات العامة. ويتمثّل احد الخيارات في الحدّ من العبء الضريبي بغاية خلق فرص عمل مقابل أجور تتسم بطابع أكثر رسمية مع معالجة مشاكل الاستدامة المالية. ومن المقترحات التي من المنتظر تقديمها تحويل انخراطات الضمان الاجتماعي الى منافع مع تمويل مشاريع إعادة توزيع أموال الصناديق والتحويلات إلى برامج مخصصة من خلال الإيرادات العامة . ومن ثم يمكن النظر في خيارات بديلة لخلق الحيز المالي المطلوب . كما يمكن لإصلاح الضريبة على الشركات توفير الحيز المالي اللازم لتمويل بعض هذه التكاليف. وأساسا، فانّه يمكن لنظام التأمينات الاجتماعية أن يركّز على تغطية المخاطر الأساسية على غرار المرض والعجز والوفاة والشيخوخة والبطالة. وحسب البنك الدولي فإنه من المهم أن يتم تدريجيا توحيد الصناديق أو على الأقل، ملاءمة مختلف برامج الضمان الاجتماعي مع توسيع نطاق التغطية بطريقة تضمن حدّا أدنى من الحماية لجميع السكان التونسيين ويتمثّل المبدأ التوجيهي في ان جميع المقيمين التونسيين حيثما كانوا يعملون سوف يكونون متمتعين بنفس النظام وفقا لنفس القواعد. وعلى سبيل المثال فاّن العاملين لحسابهم الخاص أو العاملين في القطاع الفلاحي سوف ينضمون أيضا الى النظام الحالي للعاملين بالقطاع الخاص. ومثل هؤلاء سوف يستفيدون من جراية التقاعد الأساسية ويسمح لهم بتقديم مساهمات إضافية. وفي حالة الموظفين العموميين، فاّن دمجهم في نظام العاملين بالقطاع الخاص وتغييرمستحقاتهم بشكل كبير من شأنه أن يكون أمرا مدمّرا. ويتمثّل النهج البديل في تحديد موعد ينخرط عنده الموظفون العموميّون الجدد في الأنظمة المخصصة للعاملين بالقطاع الخاص. وقد تم تحقيق هذا الأمر، على سبيل المثال، في الأردن سنة 2000.