رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستُحدد لاحقًا وفق العرض والطلب    بالفيديو: رئيس الجمهورية يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها    قيس سعيد يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها (صور + فيديو)    "نحن نغرق".. سفينة مساعدات متجهة إلى غزة تتعرض لهجوم جوي (فيديو)    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    كيف سيكون طقس الجمعة 2 ماي؟    طقس الجمعة: خلايا رعدية مصحوبة أمطار بهذه المناطق    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    الرابطة الأولى (الجولة 28): صافرتان أجنبيتان لمواجهتي باردو وقابس    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعلامي لطفي حجي (مؤلف كتاب « بورقيبة والإسلام : الزعامة والإمامة» ل«التونسية»:بورقيبة وظّف الإسلام ولم يؤمن يوما بالديمقراطية
نشر في التونسية يوم 18 - 03 - 2014


حاورته: صباح توجاني

«المجاهد الأكبر» دافع عن الحجاب لكنه لم يكن يوما «كمال أتاتورك» العرب
بورقيبة كان أذكى من نخب العلمانية في تونس
حصدت الطبعة الأولى من كتاب رئيس مكتب قناة «الجزيرة» بتونس، الإعلامي لطفي حجّي «بورقيبة والإسلام: الزعامة والإمامة» اهتمام جانب من الباحثين الأكادميين ورجالات السياسة في الداخل والخارج مما دفع بالمؤلف الى اصدار طبعة ثانية منذ اسابيع قليلة. وينبع الإهتمام بالكتاب من عدة اعتبارات ابرزها ان موضوع البحث، الزعيم بورقيبة في علاقته الجدلية بالإسلام، ظل حتى بعد رحيله محل اثارة للجدل بين الدارسين لمسيرة الزعيم الذي خلف وراءه فكرا كاملا شكل مدخلا لمئات البحوث التي تناولت جوانب هامة من شخصيته بالنظر الى كاريزما الرجل وحضوره بالغياب حتى بعد الثورة. وتعتبر علاقة بورقيبة بالإسلام علاقة معقدة، على حسب تعبير الكاتب، على خلفية توظيف الزعيم للإسلام وفق احتياجات مراحل حياته السياسية، الا ان الثابت ان بورقيبة الذي بنى الدولة التونسية كانت له «سقطاته» الإجتهادية في ما يتعلق بقراءته للنص القرآني بالرغم من ثراء معارفه الفكرية المشهود له بها.
في حوار «التونسية» مع الإعلامي لطفي حجّي، حاولنا التطرق الى اهم مفاصل علاقة بورقيبة بالإسلام وتعقدها باعتبار انها اثارت العديد من ردود الأفعال في تونس وفي العالم الإسلامي بأسره وصلت حد «التكفير» لدى بعض المشائخ.
قال الإعلامي لطفي حجي في رده على سؤال «التونسية» حول أسباب إصداره الطبعة الثانية من الكتاب بعد نحو عشر سنوات من إصدار الطبعة الأولى وحول اختياره هذا الموضوع دون غيره :
« تنبع مبررات إصدار الطبعة الثانية من اعتبار ان موضوع بورقيبة قد طفا على السطح من جديد بعد الثورة التونسية. هناك أطراف سياسية تحاول الآن أن ترتدي جلباب بورقيبة وتوظفه كل حسب طريقته ووفق مصالحه الشخصية والحزبية ...رأينا أن العديد من الأحزاب تكونت بعد الثورة أعادت طرح البورقيبية من جديد.
هذا مبرر أول بالرغم من ان الكتاب ليس سياسيا لكن إعادة طرح موضوع البورقيبية مرة أخرى بعد الثورة دفعني الى اعادة اصداره في طبعة ثانية...ربما لأنه تناول إحدى قضايا البورقيبية التي تتعلق بعلاقة الرجل بالإسلام .
أما أسباب أو مبررات اختيار هذا الموضوع دون غيره، فأعتقد أن علاقة بورقيبة بالإسلام لم تكن علاقة عادية واختلفت اختلافا كليا عن علاقة رجال دولة في عالمنا العربي والاسلامي بالإسلام، وكنت تساءلت في مقدمة الكتاب : لماذا بورقيبة ولماذا الإسلام ؟
وجوابي انه لم يتم بحث تاريخ بورقيبة خلال العهد البائد بطريقة موضوعية علمية ما عدا الشهادات التي قدمت على منبر مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، إلى جانب عامل أساسي آخر هو أن علاقة بورقيبة بالإسلام لم تكن اطلاقا علاقة عادية بل كانت علاقة معقدة متداخلة أثارت الكثير من ردود الأفعال سواء هنا في تونس او في الخارج.
وقد تضمن الكتاب أحد أخطر ردود الفعل في هذا السياق وهي الفتوى التي اصدرها شيخ الديار السعودية في تلك الفترة عبد العزيز ابن باز الذي كفر فيها بورقيبة ودعاه إلى التوبة العلنية لأنه يعتبر بعض مواقف بورقيبة من الإسلام مواقف خارجة عن المألوف وبالتالي خارجة عن الإيمان .
كانت علاقة الزعيم الحبيب بورقيبة بالإسلام علاقة معقدة وتدعو إلى تفكيك معالمها لفهمها، فكيف بدت لك بعد دراستها؟
بالفعل علاقة بورقيبة بالإسلام علاقة جد معقدة وإشكالية، بمعنى أنها متداخلة الأبعاد ويمكن ان تفسر من خلال قراءات مختلفة بل متناقضة في كثير من الأحيان، فقد رأينا من يشيد بموقف بورقيبة من الإسلام مقابل من ينتقده ومن يكفره. فبورقيبة لم يلتزم بالقراءة السائدة للإسلام وإنما كانت له قراءة اخرى فيها عناصر جديدة ولم تخل حتى من الاستفزاز....
ويذكر التاريخ أن هناك مسألة تمثل درجة عالية من الاستفزاز واقصد حين دعا بورقيبة التونسيين الى الإفطار في شهر رمضان وأعطاهم المثال بشرب الماء امامهم خلال يوم الصيام ..وهو ما اعتبر استفزازا من طرفه لمشاعر المسلمين ورؤيتهم للإسلام.
غير ان المسألة لم تقف عند هذا الحد باعتبار ان بورقيبة تراجع عن هذا الموقف في ظرف اشهر قليلة وواصل رؤيته في ما يتعلق بتفسيره للعديد من الآيات ولموقفه من بعض النصوص الإسلامية التي يعتبرها شيوخ الإسلام المؤثرين مقدسة على غرار منعه لتعدد الزوجات ، وغيرها من المواقف الكثيرة الأخرى.
هذه العلاقة التي وصفتها ب «المعقدة» تتطلب بالضرورة دراسة لهذا الفهم بغاية تفكيك معالمها، وهو ما حاولت القيام به من خلال هذه الدراسة ، فقد سعيت إلى تفكيك عناصر رؤية بورقيبة للإسلام من الداخل بعيدا عن منطق الإيمان والكفر ...بعيدا عن منطق حب الإسلام أو معاداته ...بعيدا عن منطق تبني الإسلام أو رفضه...
إضافة إلى ذلك لا حظنا انك وصلت في كتابك إلى نتائج مخالفة لما هو سائد حول رؤية بورقيبة واذكر هنا على سبيل المثال ما يروج حول علمانية بورقيبة وكذلك اعتبار بورقيبة نسخة من كمال أتاتورك في موقفه من الإسلام، ما هي حججك في هذه الرؤية المخالفة؟
بالفعل لقد بينت من خلال هذا الكتاب كيف ان هناك بعض المواقف المعلنة تجاه بورقيبة لا تستقيم مع ما كان يتبناه بورقيبة من مواقف وآراء ..فتصنيف بورقيبة كرجل علماني تبنى افكارا علمانية من الغرب هو حكم غير صحيح لأن بورقيبة لم يكن علمانيا بمفهوم العلمانية ان وجد هذا المصطلح العلمي، لأنه أحدث نوعا من التداخل بين الدين والسياسة وكان يعتبر انه من حق رجل السياسة أن تكون له آراء ومواقف من الدين، وهذا ما فعله بورقيبة حيث رأيناه أكثر من مرة يعتلي المنبر ليخطب في التونسيين مرتديا اللباس التونسي التقليدي وكأنه إمام خطيب.
اما المسألة الثانية فتتعلق بتشبيهه بكمال أتاتورك وهناك من لقبه بأتاتورك العالم العربي، وهي من الأخطاء الشائعة لأن بورقيبة كان يختلف اختلافا تاما مع اتاتورك في فهمه للإسلام وفي نظرته لدور الدين والإسلام بشكل خاص ...فقد ألغى أتاتورك الدين من الحياة العامة في حين ان بورقيبة يعتبر ان الدين له دور يمكن ان يؤديه في المجتمع وهذا ما سعى إليه.
لقد نقد بورقيبة أتاتورك في موقفه هذا ،مثلما بينت في الكتاب، واعتبره خطأ فادحا وكان ذلك في خطاب له في الستينات في تركيا بالذات...وكاد هذا الخطاب أن يؤدي إلى أزمة ديبلوماسية بين البلدين لأن نقد اتاتورك في تركيا بالذات كان يعتبر من المحرمات.
اذن فالأخطاء الشائعة والتي لا تنطلق من النص البورقيبي ذاته هي ما حاولت جاهدا التعامل معها من خلال هذا الكتاب انطلاقا من الرؤية « التفهمية» للخطاب البورقيبي كما يسميها علماء الإجماع.
هل فعلا كانت علاقة بورقيبة بالإسلامي « متأقلمة» مع مختلف المراحل التي مرت بها مسيرة الزعيم خاصة انه كان مهوسا بالتغيير؟
مرت علاقة بورقيبة بالإسلام بمراحل وفي كل مرحلة كانت له مواقف تبدو في حد ذاتها متناقضة. فعندما نرى تعامل بورقيبة مع الإسلام في مرحلة ما قبل الاستقلال إبان الحركة الوطنية، كان بورقيبة وقتها يتعامل تعاملا تقليديا مع الإسلام، بحيث لم يبرز تناقضات مع الفهم الإسلامي السائد خلال تلك الفترة، بل على العكس من ذلك، فقد وظف العديد من المفاهيم السائدة خلال تلك الفترة لحث المسلمين على القتال والجهاد ومقاومة المستعمر ودافع عن رموز الهوية التونسية التي كان يعتبرها كذلك.
واكبر مثال يبرز دفاعه عن هذه الرموز ،وهو ما لا يعرفه كثير من التونسيين وغيرهم، أن أول مقال كتبه بورقيبة في الصحافة التونسية( صحيفة اللواء التونسي) كان دفاعا عن الحجاب، ذلك أن سيدة تونسية في ندوة في بداية ثلاثينات القرن الماضي دعت إلى التخلي عن الحجاب، فوقف بورقيبة خلال نفس الندوة وأجابها بالدعوة إلى المحافظة على الحجاب وكتب مقالا في الغرض لأنه يعتبر ان الحجاب جزء من الهوية التونسية التي لابد ان تبرز في فترة دقيقة هي مرحلة مقاومة المستعمر.
كذلك الأمر بتمسكه بعدد من رموز الهوية التونسية ، على غرار «الشاشية» التي دافع عنها بورقيبة . ويمكن القول إن رفض بورقيبة لتجنيس التونسيين بمنحهم الجنسية الفرنسية نابع من حرصه على الدفاع عن رموز الهوية التونسية. فبورقيبة وقف ضد التجنيس لأنه كان يتبنى وقتها فتوى الشيخ ادريس الشريف هذا العالم الذي افتى بمقاومة التجنيس وتحريمه....فبورقيبة استند الى هذه الفتوى ليشحن عبرها مشاعر التونسيين خاصة منهم المقاومين ويبرز التناقض بين الفرنسيين كمستعمرين من جهة والتونسيين المسلمين من جهة أخرى.
هكذا اذن كان يتعامل بورقيبة مع الإسلام خلال فترة ما قبل الاستقلال، وهنا لا بد من الإشارة الى نقطة ملفتة للنظر وهي ان بورقيبة خلال تلك الفترة لم يناصر الطاهر الحداد في محنته لأنه لم يرد ان يدخل في تناقض مع شيوخ الإسلام ومع الفهم السائد للإسلام...
صحيح انه بعد ذلك تبنى افكار الطاهر الحداد وذلك خلال المرحلة الثانية من تعامل بورقيبة مع الإسلام، وهي مرحلة بناء الدولة الحديثة، أي ما بعد الاستقلال، حيث بدا بورقيبة في ابراز رؤية اخرى للإسلام تتناقض تناقضا تاما مع الرؤية التقليدية التي كان يعبر عنها خلال فترة مقاومة الاستعمار، سواء في ما تعلق منها بالصوم أو بمسألة تعدد الزوجات أو بتفسيره لبعض الآيات القرآنية.
ما هي أبرز ملامح رؤية بورقيبة للإسلام بعد الاستقلال؟
حاول بورقيبة من خلال رؤيته للإسلام بعد استقلال البلاد، إبراز مسألتين أساسيتين تتعلق الأولى بتناقضه مع الخط الإسلامي السائد وخاصة تصور بعض شيوخ الإسلام الذين لم يخرجوا من الدائرة التقليدية في قراءة الإسلام، كما حاول أن يوظف الإسلام في معركة التنمية لأنه يعتقد ان للإسلام دورا كبيرا في التنمية ...لذلك كان يصرح مؤكدا أن معركة التنمية تعتبر الجهاد الأكبر، ولذلك أيضا استعمل الآيات القرآنية التي تحث على العمل وعلى استعمال العقل وعلى التدبر في الحياة وفي سنن الكون عامة.
وكان بورقيبة في هذا السياق، يحث التونسيين على تبني هذه الرؤى الجريئة او الداعمة للعمل وللتنمية في الإسلام. كما لا يفوتني هنا الإشارة الى ان الإسلام السائد في تلك الفترة كان فيه الكثير من التفسير التواكلي للظواهر المجتمعية، والأفكار البسيطة التي تداخلت فيها العادات بالإسلام نظرا للمستوى التعليمي المحدود لعامة المواطنين الذين عادة ما يتبنون مبادءهم الإسلامية بالسماع، في حين أن التعامل مع الإسلام اختلف كثيرا على تلك الفترة باعتبار ارتفاع المستوى الثقافي للتونسيين وتأثير العديد من مدارس التجديد في الفكر الاسلامي ..
اتسم الفكر البورقيبي بالجرأة والطلائعية في بعض المواقف بما لم يتماش دوما مع الرؤية التأويلية لعلماء الدين، فهل كان بورقيبة يقرأ القرآن ويجتهد في تفسير آياته بما يخدم مصالحه السياسية الحزبية؟
كان بورقيبة انتقائيا، إن شئنا، في تعامله مع الرؤى الإسلامية السائدة فكان ينتقي من بعض العلماء سواء منهم التونسيين او غيرهم وكان يستشهد ببعض المجددين من العلماء والأيّمة من جميع أنحاء العالم الإسلامي.
كما كان بورقيبة ينتقي من مواقف هؤلاء العلماء والمفكرين ما يخدم رؤيته هو للإسلام فيختار الأحاديث والآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تخدم رؤيته ... ومن الواضح ان هذه الرؤية كانت في قطيعة تامة مع الفكر الإسلامي التقليدي السائد، لذلك حدثت صدامات بين بورقيبة والشيوخ المؤثرين خلال تلك الفترة واستغل بورقيبة وقتها جهاز الدولة وبالتالي الفرص التي توفرها له السلطة للتهجم في الكثير من الأحيان على هؤلاء الشيوخ بنعوت نابية أحيانا ومتشنجة أحيانا أخرى مثلما حدث مع الشيخ الطاهر بن عاشور حين تهجم عليه لأنه لم يسانده في العديد من مواقفه.
هل يمكن القول بأن العلمانية دخلت الى تونس على ايدي بورقيبة ؟؟؟
لا اعتقد... فالدعوات للعلمانية تبناها بعض التونسيين من خلال اطلاعهم على الكتب والمدارس الغربية، وعبر دراسة الكثير من النخب التونسية في الغرب وأساسا في فرنسا ..ولم تأت عن طريق بورقيبة لأنه لم يكن نمطيا.
فقدرة بورقيبة انه يستفيد من بعض الأفكار، وكذلك تعامل مع الكثير من الأفكار الفرنسية السائدة وتحديدا أفكار ما يعرف بعصر الأنوار في الغرب، لأنه درس الحقوق والعلوم السياسية في فرنسا وتأثر بتلك المدارس والتيارات الفكرية التي كانت تشق الغرب وقتها، لكن قوة بورقيبة، وربما اقول هنا ذكاء بورقيبة، انه لا يستعمل الأسلوب النسخي بمعنى لا يأتي بتجربة من فضاء غربي ليزرعها في تربة تونسية وذلك لاعتقاده العميق بان لكل بلد خصائصه وتجاربه التي يمكن ان تنمو في تلك التربة.
لذلك اقول بأن رؤية بورقيبة هي رؤية «توليفية» بمعنى انه استفاد من الغرب مثلما استفاد من علماء المسلمين وحاول ان يصنع توليفة ليبرز تصورا جديدا يختلف عما هو سائد، وربما في هذه النقطة بالذات، يمكن القول بان بورقيبة اقوى من الكثير من النخب التي حاولت ان تنسخ تلك التجارب الغربية وتسقطها على الواقع التونسي دون ان تراعي خصائص هذا الواقع ولا هذه التربة.
وإذا أردنا أن نعطي مثالا للعلمانية، فان النخبة التونسية وقتها كانت أكثر تأثرا بالتجربة العلمانية الفرنسية التي تعد الأكثر تطرفا تجاه الدين مقارنة بالتجارب العلمانية الأخرى على غرار ألمانيا وبريطانيا حيث هناك نوع من التداخل بين الدولة والكنيسة او لنقل هناك نوع من التسامح والاتفاق التفاعلي بين الطرفين. إذن كان بورقيبة أكثر براغماتية من عدد من النخب التونسية واقوى منها في هذه النقطة بالذات.
بعد أن درست مسيرة الزعيم بورقيبة جيدا، متى أصبح بورقيبة يكن عداء للإسلاميين وتحديدا للمنتمين للاتجاه الإسلامي وقتها ؟
عداء بورقيبة للإسلاميين لا يجب أن ننظر إليه كعداء عقائدي أي كخلاف حول الإسلام بل هو خلاف سياسي، هناك صراع سياسي نشأ في بداية الثمانينات من القرن الماضي، حين عبر الإسلاميون، وبالأساس حركة الاتجاه الإسلامي وقتها، عن رغبتهم في الوجود السياسي العلني والقانوني، فبدأ عندها الصراع السياسي.. كان بورقيبة مقتنعا - او على الأقل هناك من حاشيته من كان مقتنعا، باعتبار تقدم بورقيبة في العمر وتراجع مداركه الذهنية والسياسية-، كان مقتنعا بان الإسلاميين يهددون حكمه وسلطته ، فانطلق الصراع في تلك الفترة...
ثم جاءت اطراف اخرى امنية وسياسية غذت هذا الصراع الذي بدا منذ عام 1981 وتواصل الى 1987 تاريخ الانقلاب على بورقيبة...لكن هذا الصراع كان سياسيا صرفا ولم يكن صراعا حول رؤيتين مختلفتين للإسلام ...لذلك لم أتطرق في كتابي الى علاقة بورقيبة بالإسلاميين لاقتناعي بأن هذه المسألة سياسية بالدرجة الأولى وتحتاج بالتالي إلى مبحث آخر.
لا شك أنك قبل إصدارك الكتاب درست شخصية بورقيبة دراسة معمقة، فهل غيرت نظرتك للزعيم ام انك بإصدارك هذا ساهمت في تصحيح صورة علاقة بورقيبة بالإسلام ؟
موقف المرء من بورقيبة يكون بدوره موقفا معقدا تماما كشخصية بورقيبة لأنني حرصت من خلال كتابي وقلت هذا في المقدمة، أن ابتعد في قراءتي لمواقفه عن التمجيد وعن التخوين، لأنك ربما تعجب ببورقيبة في بعض المواقف سواء كانت فكرية أو سياسية، لكنك تعارضه في مواقف أخرى وأساسا مواقفه من الديمقراطية ...لأن غياب الديمقراطية كان بمثابة الثغرة الكبرى في مشروع بورقيبة فهو لم يكن ديمقراطيا ولم يؤمن بالديمقراطية ...
كان بورقيبة قاسيا جدا مع خصومه السياسيين ..وهنا اشير الى كيفية تصرف بورقيبة مع مجموعة المحاولة الانقلابية لعام 1962 كانت هناك إعدامات، وتعذيب وحشي ومعاملة لا إنسانية تعرضت إليها المجموعة في السجن على امتداد إحدى عشرة سنة، بالإضافة إلى ما كان يلاقيه الخصوم السياسيون على غرار القوميين واليساريين والإسلاميين من اعتقالات ومضايقات ومحاصرة مهنية...الخ
فهذه الثغرة المتمثلة في غياب الديمقراطية عن فكر بورقيبة، يمكن أن تنقص لدى كل من يدرس فكر بورقيبة من قيمته سواء في شخصه أو في مشروعه البورقيبي ككل. فالديمقراطية بما لها من ارتباط بحقوق الإنسان هي الحلقة المفقودة في المشروع البورقيبي، وهي برأيي النقطة التي اضعفت المشروع في نظر الكثير من التونسيين..»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.