تنظم جمعية صيانة وإنماء مدينة الكاف بداية من يوم الجمعة 16 ماي الجاري وعلى امتداد عشرة أيام الدورة الرابعة والعشرين لمهرجان «ميو» بالتعاون مع المندوبية للثقافة والمركب الثقافي الصحبي المصراتي وبدعم كريم من بعض مؤسسات الجهة. وتستعد مدينة الكاف لاستقبال أعداد كبيرة من أبنائها الذين لا يفوتون هذه المناسبة لما فيها من استحضار لقيم الجهة، ذلك أن أكلة «كسكسي البرزقان» التي ترتبط بهذه المناسبة، ليست سوى مبرر لاستدراج أبناء الجهة المهاجرين في العاصمة والمدن الكبرى للعودة إلى الأهل والأصل والجهة. البرزقان ما زال مهرجان «ميو» السنوي ينجح في إحياء التراث العريق للشمال الغربي وخصوصا مهرجان الاحتفال بالربيع، والبعض يسميه «خرجة ميو»، وهو يعود إلى العهود البربرية وتتمثل أهم مظاهره الأصلية في خروج الناس إلى الطبيعة احتفالا بنهاية أيام البرد والجليد في مرتفعات الشمال الغربي ويجمعون أغصان النباتات والزهور البرية لتعليقها في مداخل البيوت تفاؤلا بقرب الحصاد. على أن أهم مظاهر هذا الاحتفال هي أكلة «البرزقان» التي تتكون من كسكسي يصنع من القمح الصلب ويطبخ بالفواكه وخصوصا بقطع كبيرة من لحم الضأن. وقد تواصل هذا الاحتفال البربري مع دخول العرب المسلمين الذين تبنوه وحافظوا عليه، ثم تحول منذ أكثر من أربعة وعشرين عاما إلى تظاهرة ثقافية سنوية في منتصف شهر ماي. وتعمل إدارة المهرجان في كل دورة على تثمين قيم الطبيعة والتراث الشعبي العريق وخصوصا في المجال الغذائي والصحي ونمط عيش المزارعين عموما. من صليحة إلى «كافون» وكما في عدة دورات سابقة، تعد جمعية صيانة وإنماء مدينة الكاف برنامجا ثقافيا ثريا يتوزع على العديد من أماكن العرض والاحتفال، وستكون الفنانة الخالدة ابنة الجهة صليحة حاضرة في هذه الدورة في عدة مناسبات سواء عبر توزيع قرص مدمج يتضمن أفضل أغانيها، أو عبر استعادة تلك الأغاني الخالدة حيث تكشف الجهة أن لديها المزيد من الأصوات الرخيمة الجميلة والكثير من عشاق الموسيقى الراقية، ليس فقط البدوية، بل خصوصا الموسيقى الوترية التي تجد إقبالا كبيرا في الجهة عبر عشرات الفرق الموسيقية التي مازالت محافظة على تعليم نوبات المالوف التونسي في المدينة، بالإضافة إلى مشاركات موسيقية شبابية كثيرة، حيث يطلب الجيل الجديد من أبناء الجهة سماع عروض الراب مع «كافون» مثلا. تنظيف راس العين وستكشف جمعية صيانة وإنماء مدينة الكاف عن أحد أفضل إنجازاتها في دورة مهرجان هذا العام، وهي افتتاح مكتب التوجيه والإرشاد السياحي في قلب المدينة وذلك بعد أن أشرفت على تكوين فريق من الشباب من حاملي الشهائد العليا في هذا الميدان. كما يتضمن البرنامج حملات لتنظيف العديد من المعالم المتضررة من حالة الانفلات التي تعيشها البلاد، مثل مغارة «راس العين»، التي تمثل قلب المدينة التاريخي منذ أكثر من خمسة وعشرين قرنا، ومنها تنبع عين الكاف الشهيرة التي مازالت تمد المدينة بالماء الصالح للشرب، بالإضافة إلى حملة لوضع حاويات فضلات في مختلف المفترقات ودعوة للمواطنين لعدم رمي الفضلات في الفضاء العام، وهي الظاهرة التي جعلت وجه المدينة يبدو للزائر ملوثا بأكياس البلاستيك وفضلات تجارة الخضر والغلال وغيرها من التجارة الفوضوية التي شوهت فعلا وجه مدينة الكاف. لعشاق الطبيعة فقط بالتوازي مع برنامج المهرجان، سوف يجد عشاق المدينة فرصا كثيرة في هذه الدورة للخروج إلى الطبيعة عبر عدة مسالك سياحية تؤدي إلى غابة «جنان بنت الري» شمالا حيث يمكن التمتع بمشاهد ربيعية رائعة يمتد فيها البصر لرؤية مائدة يوغرطة في أيام الصحو على بعد أكثر من 70 كلم، وبحيرة الكاف حيث تنتظر خيرات الحبوب آلات الحصاد، أو طريق الدير صعودا إلى مرتفعات الدير وسيدي منصور، حيث يمكن أن يروا حوض وادي ملاق الشهير وبحيرته الساحرة، وسيختار آخرون طريق حمام ملاق وسط المرتفعات المكسوة بغابات الصنوبر والضرو، ليس فقط من أجل الاستحمام في حوض روماني بني منذ أكثر من 18 قرنا وما زال على حاله كما تركه الإمبراطور الروماني أدريان، بل من أجل الاستماع بالطبيعة ومحاسنها.