سافر وزير الثقافة «التكنو قراط» - حتى في موسيقاه التي يحتاج المرء إلى دربة وعنت وطول صبر ليحفظ منها نغما يتيما- مصحوبا بزوجته- ومستشارته الاتصالية إلى مهرجان «كان»، ولكن إقامة الوفد الوزاري لم تطل وحسنا فعل الوزير إذ اختصر سفرته خاصة أنه لم يقابل أية شخصية غير تونسية بل لعله حقق أحد أحلامه بملاقاة «المنتج العالمي» طارق بن عمار الذي تصرف بذكاء حين طلب أن يكون اللقاء في الجناح التونسي بالقرية الدولية للمهرجان بحضور ممثلي المنتجين التونسيين لا مجرد «قعدة غير رسمية» على متن يخته الراسي بالميناء ... ما بدا غريبا في هذا اللقاء هو غياب فتحي الخراط قيدوم إدارة السينما بوزارة الثقافة والمدير العام الحالي لإدارة الفنون الركحية والبصرية، كما غاب عن المقابلة عدنان خضر المدير العام للمركز الوطني للسينما والصورة، ولئن كان سبب غياب الرجلين في الظاهر هو سفرهما المتأخر إلى مهرجان «كان» فإن السؤال هو: هل اختار الخراط وخضر بمحض إرادتهما عدم مرافقة الوزير ؟ أو أن معاليه هو من طلب منهما البقاء في تونس خلال سفره؟ طارق بن عمار يستقبل عدنان خضر... إستقبل طارق بن عمار يوم السبت الماضي عدنان خضر المدير العام للمركز الوطني للسينما والصورة وقد دام لقاؤهما قرابة الساعة والنصف، وفي تصريح خاص ب«التونسية» أفادنا خضر بأنّ اللقاء كان وديا وبأنه تحدث مع طارق بن عمار في عدة مواضيع تتعلق بصناعة السينما والصورة في تونس وخاصة حفظ الأرشيف ورقمنته ومراجعة التشريعات المنظمة للمهن السينمائية، وآفاق برنامج التكوين والتربية بالصورة في مختلف المؤسسات التربوية . كما أفادنا عدنان خضر بأن بن عمار عبر عن تجاوبه مع مقترح تجهيز مخابر قمرت بتقنية DCP لتمكين السينمائيين من القيام بمختلف عمليات ما بعد الإنتاج في تونس . «كان لوتش» ...شاب في الثامنة والسبعين ... يعد المخرج البريطاني كان لوتش أحد أصدقاء مهرجان «كان» بل لعله بلهجتنا الدارجة «ولد الدار»، أذكر أنه قبل سنوات أعلن مهرجان «كان» عن برنامجه منتصف شهر أفريل ثم تمت إضافة فيلم للوتش بعد انقضاء آجال الترشح ... لو فعلها مهرجان عربي لنعت بالتخلف والفوضى، ولكن هل بين المخرجين العرب من هو في قيمة هذا الشاب المقبل على الثمانين ؟ بدأ كان لوتش حياته السينمائية سنة 1967 وهو مواظب على إنجاز فيلم كل عامين بل إنه قدم أكثر من فيلم في السنة نفسها، ولم ينقطع لوتش عن العمل التلفزيوني طيلة سنوات ونجح في الفوز بجائزة لجنة تحكيم مهرجان كان ثلاث مرات سنوات 1990و1993 و2012 وتوج بالسعفة الذهبية سنة 2006 بفيلمه «هبوب الريح» le vent se lève . حين أعلن لوتش أن«قاعة جيمي» سيكون الأخير وبأنه سينصرف لأشياء أخرى في حياته وسيكتفي بإنجاز أفلام وثائقية (لا يحب الناقد سمير فريد رئيس مهرجان القاهرة هذه الترجمة التي تبخس الفيلم التسجيلي قيمته الفنية إذ تجعله يبدو كوثيقة لا حياة لها خارج الأرشيف) تأسف كثيرون وتمنوا لو ينصف مهرجان «كان» هذا السينمائي الثمانيني –من مواليد 17جوان 1936- فماذا قدم لوتش في مهرجان «كان» 2014 ؟ قدم «لوتش» في فيلمه «قاعة جيمي» السيرة الذاتية للشيوعي الأيرلندي ‘جيمي غرالتون، الذي قضي 10 أعوام في الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد صدام حاد مع الكنيسة والحكومة في بلاده، ثم عاد سنة 1932- عشر سنوات بعد تقسيم إيرلندا- ليعيد فتح مرقص بالقرية ليتريم ، مرقص متعدد الاختصاصات وكأنه أكاديمية شعبية لتعلم اللغات والاستماع إلى موسيقى الجاز بواسطة جهاز الغراموفون الذي جلبه «جيمي» معه من أمريكا...كان جيمي يدرك أنه يثير غضب أعدائه القدامى من رجال الكنيسة وكبار ألإقطاعيين رغم سعيه إلى نيل رضى الكنيسة بتبنيها لمرقص البلدة ولكن مسعاه خاب ... كانت إيرلندا الجنوبية في مرحلة مخاض عسير بعد عشر سنوات من إسدال الستار على حرب أهلية دامية مازالت جراحاتها تنزف، ومازال الصراع قائما بين الكنيسة والقائمين عليها وحلفائها من الإقطاعيين، وبين الحالمين بثورة إجتماعية وسياسية واقتصادية وجيمي هو أحد هؤلاء الحالمين ... قال كان لوتش عن بطله جيمي غرالتون الذي قام بتجسيد شخصيته «باري وارد» : «أعتقد أن الوضع في أيرلندا، هو الوضع السائد في عدة بلدان أوروبية.. نحن تحت قبضة الليبرالية الجديدة، وإن كان جيمي حيًّا اليوم، لقاوم القوى الكبرى والشركات متعددة الجنسيات التي تتحكم في كل شيء تقريبا». لا يعرف الكثير عن سيرة جيمي الحقيقية ولعل ذلك كان من حسن حظ الكاتب بول لافرتي ولوتش نفسه، فقد كتبا تاريخ جيمي بحرية وبنيا علاقاته كما تخيرا دون إكراهات تاريخية أو عائلية، فشل جيمي في تغيير الواقع وأطرد من جديد خارج بلده بتهمة أنه أمريكي ولم يسمح له أبدا بالعودة إلى ايرلندا حتى مصرعه منتصف الأربعينات بعيدا عن وطنه... «طال سفره من غير قدوم وطال بلاؤه من غير ذنب ، واشتد ضرره من غير تقصير ، وعظم عناؤه من غير جدوى !» هكذا تحدث التوحيدي عن الغريب في رسالته الشهيرة ... وسيطرح فيلم»قاعة جيمي» في القاعات الفرنسية بداية من 2جويلية القادم فهل للمشاهد التونسي أن يحلم بمشاهدة الفيلم على شاشة سينمائية أو أنه كتب علينا أن ننتظر قرصنة الفيلم لمشاهدته ؟ ومن تراه يعبأ بسؤال مماثل والكل منشغل بالقضايا الكبرى من مقاومة التطبيع و تحديد موعد الانتخابات ومقاومة الإرهاب الغادر الذي بات شوكة في خاصرتنا ؟ مَن مِن مسؤولينا سيهتم بما نكتب ولو كانوا تكنوقراطا ولعلنا لهذا السبب نجتهد للحديث كل مرة عن وزير الثقافة لنضمن إطلاعه على ما نكتب - من باب اجتهاد مصالحه الاتصالية لوضعه في صورة ما يكتب من طرف جهات معادية لم يتسن ترويضها – عساه يفعل شيئا ما يساعد على تغيير هذا الوضع الثقافي المثقل بالروتين والبيروقراطية ؟ لجنة تحكيم مهرجان «كان» اختارت أن يخرج كان لوتش خالي الوفاض وأسندت السعفة الذهبية لفيلم «سبات شتوي» التركي ، وهذه المرة الأولى منذ سنة 1982 تاريخ فوز يلماظ جوني بها عن فيلم»يول» الذي يصور حال البلاد في أعقاب الانقلاب العسكري الذي حدث في عام 1980. ويتحدث «سبات شتوي» عن ممثل متقاعد يدير فندقا يقع في مكان ناء في أقاصي جبال الأناضول، ويقوم على ثلاث قصص للكاتب المسرحي الروسي أنطون تشيخوف. وتم تصويره في منطقة كابادوكيا وفاز الفيلم الذي يلعب بطولته هالوك بيلجينر وميليسا سوزان وديميت اكباج بجائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما في مهرجان «كان» يوم الجمعة الماضي ، ولعشاق «هيام» و الأمير مصطفى نقول إن فيلم نوري بلج جيلان لا صلة له بالفيلم المتوج وإلا كنا دعونا إلى عودة ناهد دوران إلى القصر لإحداث التوازن الإستراتيجي...