لم تجد مطالب أعوان النظافة بعد طريقها إلى الحلّ رغم استئنافهم أمس للعمل، ومن المنتظر ان يتم يوم الثلاثاء إصدار برقية لإضراب ثان ب 4 أيام في صورة عدم التوصل إلى حلول. ورغم حملات التنظيف التي انطلقت أمس فإن مشهد الأوساخ المتراكمة والروائح الكريهة التي أزكمت الأنوف مازال طاغيا على العديد من الأنهج والشوارع. وفي الوقت الذي يحملّ فيه الكثير من المواطنين المسؤولية لأعوان النظافة متّهمينهم بالتقاعس وبترك البلاد تغرق في «الزبلة»، يرى آخرون أن من حقّ هذه الطبقة الكادحة ان تنتفض وتطالب بحقوقها كغيرها من الأسلاك. فما الذي يدفع أعوان البلدية إلى الإضراب وماهي مطالبهم وشواغلهم؟ ولماذا لم يجد هذا الملف بعد طريقه إلى الحلّ رغم تواتر الإضرابات والتهديد بالتصعيد؟ «التونسية» انتقلت الى بباب سعدون وتحديدا الى المستودع المركزي للنظافة التابع لبلدية تونس وتجوّلت في بعض شوارع العاصمة فكان الريبورتاج التالي: بداية جولتنا كانت في الدائرة البلدية بباب سعدون حيث إلتقينا عددا من عمال النظافة ممن عبروا عن استيائهم الشديد من تجاهل السلطات لأهم مطالبهم وعدم تفعيل الزيادات والمنح والترقيات. وفي هذا الإطار قال توفيق القرفي عضو في نقابة بلدية تونس ان أهم مطلب للعمال هو وضع قانون أساسي، مؤكدا أنهم تحصلوا في الكثير من المناسبات على وعود بنيل منحة خصوصية تقدر ب 80 دينارا ولكن تمت مماطلتهم وتسويفهم. واعتبر انّ ما يشاع من أخبار حول التوصّل إلى اتفاق بعد هذا الإضراب غير صحيح، مضيفا انه من غير المستبعد شن إضراب ثان ب4 أيام انطلاقا من يوم الثلاثاء، وقال انّ عديد الوعود لم تنفذ وان الإتفاقيات لم تفعلّ، مؤكدا ان نفس مطالب الأعوان تتكررّ باستمرار ولكن لا مجيب. وأكدّ انّ لديهم نقصا كبيرا في أعوان النظافة واعتبر ان انتداب البلدية ل 100 عامل و3 ميكانيكيين لا يفي بالحاجة، ملاحظا ان وزارة الداخلية انتدبت منذ الثورة قرابة 30 ألف شخص، مشيرا إلى النقص الفادح في الآليات ومعدات العمل وتساءل كيف يريدون من الأعوان رفع الفضلات؟. معاناة؟ من جانبه قال هشام ان لا أحد يدرك حجم المعاناة التي يعيشها عون النظافة وانهم يتذكرونهم فقط عند الإضرابات. وأضاف انّ لديه 20 سنة في العمل البلدي وانه مع ذلك مازال مصنّفا ضمن الصنف واحد وقال ان راتبه لا يتعدى ال 400 دينار منها 200 دينار معاليم كراء وتساءل هل تعيل 200 دينار المتبقية أسرة وهل أن بمقدوره اليوم العيش بمثل هذا الراتب الزهيد؟. الإشاعات دمّرتنا من جهته اعتبر عامل آخر انّ الإشاعات دمّرت أعوان النظافة وانها أضرّت كثيرا بصورة العامل البلدي خاصة أن البعض يتحدث عن رواتب تصل الى 800 دينار، وقال «ان أقدم عون بلدي لا يحلم بأن يتقاضى يوما ما 500 دينار حتى عند الإحالة على التقاعد فما بالك بالبقية» معتبرا ان الخصم والأداءات مجحفة وانّها تزيد في تدنّي الراتب، وقال انّ لا أحد من المسؤولين يدرك حجم المعاناة التي يعيشها العامل البلدي في تونس. وأشار إلى ان راتب «الزبّال» في فرنسا مثلا أفضل بكثير من راتب المسؤول، وقال ان عامل النظافة في فرنسا يكرّم عند الإحالة على التقاعد وانه يلقى الكثير من الإحترام في حين أنّه في تونس يحتقر ويهان مشيرا إلى ان هناك من الأعوان من لديه باكالوريا وشهائد جامعية. وأضاف مخاطبنا ان هناك عدة سرقات وتجاوزات وصرخ حتى «الحليب سرقوه منا»، مضيفا ان لباس الشغل لا يجدّد في موعده، وأن من يطالب بحقه يهمّش ويتم تجاهله في المنح. وتدخلّ عامل آخر ليقول ان عامل النظافة غير محمي من الأمراض والآفات وانهم يعانون من السكري والأمراض المزمنة وان بعضهم أصيب بالكوليرا وان من العمال من «حرق» في مراكب الموت باتجاه ايطاليا وأنّ من يحال منهم على التقاعد عادة ما يتوفّى بعد عشر سنوات لأن صحته تكون متدهورة للغاية جرّاء الأمراض ومشاق المهنة . من يحمي العامل البلدي؟ أمّا منتصر بن سعد فقد أكد انهم يعملون في الليل وانهم يتعرّضون للكثير من الإهانات والضرب بالحجارة والتعنيف من قبل بعض المواطنين ولا يجدون من يحميهم او يدافع عنهم بالإضافة إلى إلقاء الفضلات عليهم من شرفات المباني . وكشف عامل انه تعرّض مؤخرا لحادث شغل ومع ذلك تركوه وحيدا في الإستعجالي فطلب من زوجته القدوم لمساعدته،وقال انه يضطرّ إلى التداين للمعالجة وان المصاريف المسترجعة لا تغني ولا تسمن من جوع. وأكد جلّ العمال انّ أول متضرر من هذه الإضرابات هم عمال النظافة لأنهم سيضطرون الى رفع الفضلات المتراكمة منذ يومين والتي نخرها الدود وسكنتها الروائح الكريهة، وقال انه لو يتم طمأنتهم بوعود وكلمة طيبة فإنهم سينظفون تونس في 24 ساعة، مؤكدين انهم لجأوا الى الإضراب مكرهين وانهم يحبون هذا الوطن وقالوا «يا توانسة لا تظلموا العمّال». ما رأي المواطن ؟ سلوى قربي كانت تكنس أمام بيتها عندما سألناها عن رأيها بخصوص الإضراب الذي شنه عمال النظافة، فقالت انه يتعين عليهم ان يرفعوا أولا الفضلات ثم المطالبة بحقوقهم، معتبرة ان الأوساخ عبء كبير على المواطن وان ذلك اضطرّها إلى الكنس ورفع الفضلات المتراكمة أمام بيتها وطالبت بوضعها في أكياس محكمة الغلق لتجنب الروائح ،مؤكدة ان الناموس يتكاثر ليلا. وأضافت انها رغم اللوم الذي توجهه لأعوان البلدية فإنها تلتمس لهم الأعذار وان حقوقهم مهضومة وانه في غيابهم تتحول البلاد الى فوضى كبرى وطالبت الدولة بتحملّ مسؤوليتها في هذا الملف والإنصات إليهم. أما السيدة عيشة عليات فقالت ان عمل أعوان النظافة شاقّ جدا، وقالت انها تلاحظ يوميا كيف انّ الأعوان يجمعون الفضلات بأيديهم، واعتبرت ان إضرابهم شرعي طالما أن الدولة لم تصغ إليهم. وقالت الحاجة فاطمة قاسم انها بكت عند مشاهدتها لأكوام الفضلات في الشوارع والحالة المزرية التي وصلت إليها تونس، وأكدت انها تحملّ المسؤولية للطرفين، مؤكدة ان الفضلات في كل مكان وأضافت ان مثل هذه المشاهد مزعجة للغاية واعتبرت ان الحصول على القليل من المكاسب بالنسبة للأعوان أفضل من البطالة وقالت «أعوان النظافة على رأسي وعيني ونعرف جميعا ان 400 دينار لا تفي بالحاجة خاصة ان الكلغ من اللحم ب25 دينارا والتفاح ب3 دنانير» مضيفة «نحن نلتمس لكم الأعذار ولكن رجاء نظفوا بلادكم وطالبوا بحقوقكم».