مواطن: انتظرنا التنمية ... فجاءنا الإرهاب مدينة الثورة واجهت رصاص بوليس بن علي بصدور عارية هكذا رمت البطالة والفقر بشباب الحيّ في عالم الجريمة والمخدرات «الزطلة» والخمر في كل نهج لم يسمع التونسيون من غير متساكني جهة القصرين بحي الزهور الا في احداث الثورة لما قدم شبابه 10 شهداء ماتوا جميعهم ايام 8 و9 و10 جانفي 2011 يوم كان بن علي « يحكم باحكامه» ، ليشتهر الحي اكثر لما كشفت لجنة الاستاذ توفيق بودربالة المكلفة بتقصي الحقائق حول التجاوزات التي شهدتها الثورة ان بن علي اعطى اوامره لقصف الحي بالطائرات لإسكات « انتفاضة « القصارنية على نظامه قبل فراره بايام .. ثم عاد الحي الى صدارة الاهتمامات اثر الهجوم الارهابي الذي استهدف اواخر ماي المنقضي منزل عائلة وزير الداخلية لطفي بن جدو الذي يوجد بالحي .. ولمعرفة خصائصه ومختلف اماكنه وكيفية عيش اهاليه زارت «التونسية» هذا الحي الذي اصبح يوصف بانه من بين الاخطر في كامل الجمهورية. الزهور جزء من مدينة القصرين كثيرون يعتقدون ان حي الزهور يوجد في ضواحي القصرين خصوصا أنه اداريا معتمدية تابعة للولاية، لكن الحقيقة غير ذلك فهو جزء من مدينة القصرين لا يفصله عنها غير الشارع الرئيسي لها وطرقاته ومناطقه السكنية امتداد لها وكثير من تلاميذه يدرسون في معهد الشابي والمدارس الابتدائية الشرقية والشابي والدولاب التي توجد في قلب المدينة. الانتماء للحي مبعث افتخار لمتساكنيه اول ما استنتجناه من خلال حديثنا مع بعض شباب الحي وكهوله انهم يفتخرون الى حد النخوة بالانتماء لحي الزهور لانه حسب قولهم موطن الشجعان الذين لا يرهبهم شيء نساء ورجالا وخرجوا يهتفون بصوت واحد خلال الايام الاولى للثورة « يا الزين صبرك . صبرك .. القصرين ستحفرلك قبرك» وتاكيدا لذلك ذكر لنا شاب من متساكني الحي « يكفي اننا من كان «المخلوع» خلال ايام الثورة سيقصفنا بالطائرات والصواريخ ليمحونا من الخريطة فهذا وحده يدل على معدننا وقيمتنا اضافة الى اننا قدمنا في الثورة اكثر الشهداء والجرحى وواجهنا قمع بوليس بن علي بصدور عارية ولم نتراجع امام القناصة والرصاص الحي». ظروف اجتماعية صعبة تقطن بالحي كل شرائح المجتمع من اطارات عليا ورجال تعليم ومحامين وموظفين وتجار وعاطلين .. لكن اغلب اسره محدودة الدخل بل ومعدمة كلما توغلنا غرب الحي حيث تتمدد منطقة عين الخضراء على مساحة كبيرة من « عين القائد» الى ما وراء مصنع الحلفاء و«لوز العيفة »، وجنوبه اين توجد منطقة « سعد الدين» و«دشرة الذوايبية» و«حي الرطيبات» .. فالطرقات كلها تقريبا غير معبدة وهي عبارة عن مسالك ريفية تملأها الحجارة ، والبناءات الفوضوية في كل مكان ومياه المجاري تسيل بين المنازل تفرز الروائح الكريهة ويعشش فيها «الناموس» و«الوشواشة» ليلا نهارا .. ومظاهر الفقر والخصاصة ظاهرة للعيان وخاصة في جوانب الحي المتكونة من عائلات اتت نازحة من المناطق الريفية الواقعة جنوب الزهور وخاصة من حاسي الفريد والكامور والمثنانية والعويجة هربا من ظروفها الصعبة في مواسم الجفاف التي تتالت في السنوات الاخيرة التي سبقت الثورة . في قبضة المخدرات والجريمة الظروف الاجتماعية القاسية والفقر والانقطاع المبكر عن الدراسة كلها عوامل جعلت العديد من شباب الحي ومراهقيه فريسة سهلة لمروجي « الزطلة» و« الخمر» والوقوع في جرائم السرقة والسطو و« البراكاجات ».. فالطفل ( ب – ذ ) الذي التقينا به قرب ساحة الشهداء بالحي لا يتجاوز من العمر 9 سنوات ورغم ذلك فقد غادر مقاعد الدراسة واصبح يشتغل في مسح الاحذية وهو شبه مدمن كما ذكر لنا على استنشاق « السيراج « و«الديليون» .. ونفس الشيء بالنسبة لزميله الذي كان برفقته (م – ر) 13 سنة الذي اعترف بانه كثيرا ما يدخن سجائر محشوة بالزطلة يشتريها من احد باعة هذه السموم بحيه بالاموال التي يجنيها من مسح الاحذية .. وبجانب مقر المعتمدية وجدنا الشاب (ر – ق) 27 سنة وعاطل عن العمل تردد في الحديث معنا في البداية لما عرف اننا بصدد اجراء تحقيق صحفي ثم اطلق العنان لشكواه من الظروف التي يعيشها هو وامثاله قائلا :« لقد قدم حي الزهور اثناء الثورة خيرة شبابه الذين ذهبوا بين شهداء وجرحى اصبح الكثير منهم معوقين من اجل العيش بكرامة لكن الحكومات المتعاقبة الى حد الان لم تقدم لنا شيئا يوفر للانسان اهم شيء يضمن كرامته وهو الشغل الى درجة ان التسجيل في الحظائر اصبح اقصى طموحات ابناء الحي وانا متحصل على شهادة جامعية ( باكالوريا + 3 ) لكنني طرقت كل الابواب ولم اجد اي عمل مهما كان حتى في « الحظيرة» مما اضطرني للعمل في « المرمة» لكسب بعض الدنانير انفقها لاقتناء ملابسي وسجائري ولعب طرح «رامي» في المقهى .. وكثيرون من اصدقائي وأجواري سقطوا في عالم السرقة والمخدرات من جراء الفقر وانعدام افاق التشغيل». «الزطلة» في كل نهج وبيع الخمر خلسة أصبح علنيا كهل في العقد الخامس من عمره فضل عدم الادلاء باسمه التقينا به قرب معهد الزهور صارحنا لما علم اننا من رجال الاعلام بالكثير من الحقائق حول ظروف عيش جانب من متساكني الحي قائلا:« لا اخفي عليك فانا رب اسرة تتركب من 5 اطفال وامهم عامل يومي اشتغلت كل المهن البسيطة تقريبا الا « المرمة» لان لدي اوجاعا مزمنة في العمود الفقري ، انتصبت لبيع الخضر وجرّبت «الكنترة» وعملت كحارس ليلي ومنذ اكثر من 20 سنة لم اجد عملا قارا الى درجة اني اضطر في بعض الحالات للسرقة من اجل تامين حاجات اطفالي الذين اقطن بهم في شبه كوخ يتكون من غرفة وحيدة و« معمرة» ملحقة به نستعملها للطبخ .. ووضعيتي مثلها المئات في الحي لذلك لا تستغرب من تواجد « الزطلة « في كل نهج وبيع الخمر خلسة في الكثير من جوانب حي الزهور اصبح امرا علنيا ياتي مستهلكو « بنت العنب » من جميع احياء القصرين لاقتنائه باثمان مناسبة بعضهم في سيارات فاخرة ». انتظرنا التنمية فجاءنا الإرهاب لم يكف ابناء حي الزهور الفقر والبطالة والخصاصة حتى داهمهم الارهاب الذي تقول مصادر امنية بالقصرين تحدثت اليها « التونسية» انها اكتشفت عدة خلايا لدعم مسلحي الشعانبي في الحي فضلا عن عشرات الايقافات التي طالت شبابا منه بتهمة تقديم الدعم اللوجستي للارهابيين اخرهم 7 تم القاء القبض عليهم لوجود شبهة حول تعاونهم مع المجموعة التي نفذت الهجوم على منزل وزير الداخلية .. بل ان اغلب عناصر «كتيبة عقبة بن نافع» التي كانت متحصنة بالشعانبي ثم تسللت مؤخرا الى جبل السلوم جنوب حي الزهور تتكون من ابناء الحي حيث يوجد على لوائح التفتيش من وزارة الداخلية على الاقل 7 من حي الزهور اخطرهم (ف – ح ) و( ح – ر ) دون ان ننسى ان وحدات الحرس الوطني اكتشفت في فيفري 2012 مخزنا للاسلحة في منزل احد قتيلي حادثة علي بن خليفة الارهابية ( شاب من حي الزهور ) يضم 35 رشاش كلاشنيكوف وحوالي 70 الف دينار من العملات التونسية والاجنبية .. كما ثبت ان من بين منفذي الهجوم المسلح على منزل وزير الداخلية 3 على الاقل من حي الزهور وجدوا مساعدة لوجستية من بعض اصدقائهم واقاربهم بالحي .. اضافة الى ان اللغم الذي انفجر مؤخرا باحد مسالك جبل السلوم كان في سفحه القريب والمواجه لحي الزهور والجريحين اللذين اصابهما وتم ايقافهما اثر ذلك من نفس الحي ايضا ... وحول ظاهرة الارهاب التي بدأت تستهوي بعض سكان حي الزهور ذكر لنا (ر – م - معلم) :« بعد كل تضحيات ابناء حي الزهور في الثورة انتظرنا ان تأتينا التنمية لتغير من حياتنا الصعبة لكن عوض المشاريع والتشغيل جاءنا الارهاب الذي بدا بالخطب المتطرفة في احد مساجد الحي ليمر الى صعود بعض شبابنا للشعانبي وينتهي في عقر ديارنا باستهداف منزل السيد لطفي بن جدو ابن حي الزهور وربي يستر من الآتي». أماكن ممنوعة عن الأمن قد يستغرب الكثيرون من ان هناك بعض المناطق بحي الزهور كانت في اوج النظام السابق بسطوة بوليسه ويقظة مخابراته والتعذيب بزنزاناته واماكن الايقاف فيه طوال اكثر من عقدين ، ممنوع على الامن الدخول اليها لتواجد كبار المجرمين و« الباندية» فيها خوفا من تعرضهم للاعتداء وخاصة « دشرة الذوايبية» التي كانت ملاذا للمفتش عنهم والفارين من العدالة .. بل ان الكثير من ابناء حي الزهور الذين تحدثنا اليهم قالوا لنا ان الأمن الى حد الان لا يستطيع الدخول الى عدة اماكن بالحي وأنه إن تمكن من ذلك فانه يكون ضمن فرق مشتركة مع الجيش وطلائع الحرس وفرق مكافحة الارهاب اي بالعشرات من الاعوان وعلى متن سيارات محمية بالحواجز الحديدية وانه الى حد الان لا يوجد في الحي مركز شرطة داخل عمقه الذي يعرف تواجدا ديموغرافيا مكثفا بعد حرق المركز السابق وكل المقرات الامنية التي كانت قبل الثورة فيه ومنها مقر الفرقة المختصة ( امن الدولة ) .. وفي المقابل فانه توجد بأسفل الحي ( قرب السكك الحديدية والشارع الرئيسي لمدينة القصرين) منطقة الامن الوطني ومنطقة الحرس ( مقابلة تماما لمنزل وزير الداخلية ) . الحاجة الى مقاربة متكاملة للنهوض بالحي مما لا شك فيه ان حي الزهور بالقصرين هو نموذج للكثير من احياء الجمهورية وأن مظاهر الخصاصة والحرمان المنتشرة فيه والتي افرزت انتشار الجريمة والمخدرات ثم الارهاب تحتاج الى برنامج حكومي خصوصي للنهوض به وتحسين محيط عيش متساكنيه في اطار مقاربة متكاملة الابعاد التربوية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ببعث مشاريع توفر مواطن شغل للعاطلين والاخذ بايدي الاسر المعوزة ضمن برامج اجتماعية للغرض وتهذيب مختلف جوانب الحي وتزويدها بشبكتي الماء الصالح للشراب و التطهير واحداث مرافق وفضاءات ترفيهية وبناء دار للثقافة ومكتبة عمومية ومقرات للمصالح الخدماتية كشركة الكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه ومكتب بريد ثان ومركز للشرطة خصوصا ان الحي مثلما صرح لنا عارفون بشؤونه يحتضن يوميا مئات اخرى من غير متساكنيه ياتون اليه من المناطق الريفية التابعة لحاسي الفريد لقضاء شؤونهم .