بقلم: محمد الهادي الحيدري بدأت في الآونة الأخيرة فكرة نشر قوات حفظ سلام دولية أو عربية أو افريقية أو قوة مشتركة عربية وافريقية في ليبيا, تطرح بقوة كحل لوضع حدّ للانفلات الأمني في طرابلس وبنغازي وفضّ الاشتباكات الدائرة بين المليشيات المتناحرة التي تبحث كل منها عن التمدد وبسط النفوذ على المناطق الحيوية والاستراتيجية. حلّ قد يراه البعض مناسبا في ظل الخطر الذي باتت تمثله بعض المليشيات على وحدة ليبيا وأمنها واستقرارها , وما باتت تمثله أيضا من خطر على أمن دول الجوار الليبي - مع ما يحمله هذا الطرح من مخاطر انزلاق الوضع الى المزيد من الفوضى بدلا من الاستقرار. وليس خافيا أن ليبيا تحكمها منذ عقود العصبية القبلية والعشائرية والمناطقية وبالتالي فإن اي وجود أجنبي أو حتى عربي على الأراضي الليبية يعني - حسب المنطق القبلي والوطني – احتلالا, مع أن بعض القوى الليبية طالبت بتدخل أجنبي أو عربي للجم الانفلات. والمنطق السياسي يقول بوجوب أن يكون الحل ليبيا لا غربيا أو عربيا , لأن الدفع نحو نشر قوات عربية أو دولية أو افريقية , قد يفتح أبواب الجحيم على مصراعيه ,وقد تنزلق مهمة «قوات حفظ السلام» المفترضة – بناء على شواهد سابقة - إلى الحرب مثلما حدث في أفغانستان، في ظل استبعاد قدرة القوى الدولية على إدارة الفوضى الموجودة حاليا في هذا البلد، وفي ظل معطى أساسي هو عدم تكيّف وقدرة أيّة قوة أجنبية وطأت اقدامها ارض دول إسلامية على التعامل مع القوى المحلية من قبائل وعشائر واحزاب ونسيج مجتمعي تحكمه العقيدة قبل الخبز والأمن, مجتمع يعتبر اي وجود أجنبي احتلالا يستوجب مقاومته والشواهد على ذلك كثيرة بدءا بأفغانستانوالعراق وافريقيا الوسطى والصومال ( ...). وحسب ما تسرب من معلومات في بعض الصحف الغربية والعربية, فإن قوى دولية حاولت الدفع نحو تدخل جزائري ومصري في الأزمة الليبية ضمن «مقترح نشر قوات حفظ سلام دولية» على اعتبار أن تواصل تدهور الأوضاع يشكل خطرا داهما على أمن الدول التي تربطها حدود مشتركة مع الجارة ليبيا, ومحاولة الزجّ بدول الجوار في الصراع الليبي – وهي محاولة باءت بالفشل الى حدّ الآن – لا يمكن أن تكون محاولة بريئة, بل هي محاولة لاستدراج هذه الدول واستنزاف مقدراتها العسكرية والبشرية وإلهائها في صراعات اقليمية تحت مسمى الدفاع عن الأمن القومي, تماما كما جرى استنزاف قدرات العراق في الحرب مع ايران, وطرح فكرة نشر قوات دولية قد تكون أيضا للدفع نحو مزيد تأزيم الوضع في ليبيا واخراج التناحر من محوره الداخلي الى العمق الاقليمي, بما يعني اشعال فتيل حرب تطال – لا قدّر الله – دول الجوار الليبي. الأزمة الراهنة في ليبيا تحتاج الى عقلاء وحكماء ليبيا والى لغة الحوار ,لا إلى منطق الرصاص , أزمة تحتاج الى رعاية عربية للمصالحة الوطنية.. تحتاج الى اعلاء المصلحة الوطنية وتخلي القوى السياسية والمليشيات عن حساباتها الضيقة لبناء وطن يتسع للجميع, وطن يجمع ولا يفرق.