التونسية صباح توجاني هو فيلم قوي جدا بمشاهده التي تشبه الواقع وإن كانت تستند اليه فقط، فكل تشابه بينهما هو من محض خيال مخرجه السينمائي المنصف بربوش الذي وضع كل طاقاته الإبداعية لاصدار منتوج نفخر بقيمته بمرافقة ثلة من الفنانين التونسيين منهم الحسين المحنوش وصالح الجدي ولمياء العمري. فيلم « صراع» الذي أوصدت أمامه أبواب الدورة الجديدة لأيام قرطاج السينمائية لأسباب لا يعلمها الاّ أعضاء لجنة قبول الأشرطة المتنافسة إلى جانب رئيسة الدورة السينمائية درة بوشوشة، هو من أقوى الأفلام التي أنتجتها الساحة منذ عشرات السنين، وهذا قولي وليس حكم صاحبه الذي ظل يدور ب «ابنه» من لجنة إلى لجنة ومن مكتب بيروقراطي إلى اخر اشد منه... إلى ان حطّ الرحال في نقطة البداية أي أن بربوش الفنان المرهف الإحساس وجد كل الأبواب موصدة امامه ففضل عرض شريطه في احدى دور السينما يوم 17 ديسمبر الجاري في عرض افتتاحي امام وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية. فيلم «صراع» يحكي قصة عذابات السياسيين والنقابيين بمختلف انتماءاتهم الفكرية طيلة حكم بن علي. «صراع» رصد أبشع لقطات تعذيب كل من قال «لا لبن علي»، «صراع» يعرض ما عاناه أفراد عائلات أسرى الرأي في تونس وما كابدوه من مضايقات... «صراع» ينقل بكل صدق ما ذاقه أبناء هؤلاء المعذبين في الأرض من ويلات المداهمات عند الفجر، «صراع» وثيقة تاريخية لما عاشه آلاف المعارضين يمينا ويسارا من اعتداءات صارخة على الإنسانية... وما طبعته ساعات التعذيب المتتالية والطويلة على أجسادهم وعلى كرامتهم وشرفهم من ندوب لا تُمحى. كان من المفروض أن يشارك فيلم بهذه المصداقية في المشاهد العنيفة التي لا تترك لأحد المتتبعين فرصة ليمسح دموعه، في الدورة الجديدة لأيام قرطاج السينمائية، لو لا تعنت بعض الأطراف التي يبدو أنها رأت فيه منافسا شرسا لإنتاجاتها الهزيلة ففضلت استبعاده من المنافسة الأكبر... الا أنه سيعود إلى الساحة الفنية وسيحسم الأمور لفائدته قريبا. «صراع» الذي يصور عذابات النساء المعارضات في سجن النساء وما تعرضن له من انتهاكات تقشعرّ منها الأبدان، ويسجل ويلات المرور عبر دهاليز وزارة الداخلية، وينقل المراحل المرعبة لهروب عائلات باسرها عبر الجبال والمرتفعات إلى الجزائر وليبيا خوفا من بطش الآلة الأمنية الغاشمة لبن علي، هذا الفيلم على فظاعة ما يعرضه من صور هي بمثابة الشهادة للتاريخ، يظل أقوى دليل على العنف البوليسي الذي كان يسيطر على المشهد السياسي المحلي. «صراع» الذي سجل أن اليساريين كانوا أول من فهم حقيقة نظام بن علي فلم يأمنوا جانبه، يصور أيضا ما «تكرّم» به بن علي على أعدائه من اسلاميين ونقابيين ويساريين من تنكيل وتعذيب وتهجير وتشريد وتجويع إلى جانب آلاف التونسيين الذين تجرؤوا وقالوا «لا»... في وجه الطاغية. منتج الفيلم ومخرجه المنصف بربوش يؤكد أنه كان موضوعيا إلى أبعد حال في عرض وقائع الفيلم التي دوّنها ولم ينسبها لأصحابها ولكنه استوحاها من حكايات «الغول» الذي كان يتسرب إلى القلوب عبر العصا الغليظة للبوليس الذي لا يرحم دموع الثكالى ولا الصغار ولا الكبار. ويقول سي المنصف: «يبدو ان الفيلم أُزعج البعض فرفضوه ولم يقبلوا به في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج السينمائية، وفي ذلك اعتداء صارخ على حقي في عرض ما أنتجته بمهرجان يُفترض ان يكون في خدمة السينما المحلية خاصة أننا نفتقر إلى صناعة سينمائية حقيقية تتماشى ومؤهلات كفاءاتنا الفنية من منتجين ومخرجين وفنيين وممثلين من ذوي الخبرة العالمية. والطريف أن ما عاناه الرجال في الفيلم من اضطهاد وظلم واعتداء من شتى الأنواع، تمارسه اليوم بعض الأطراف لا لشيء سوى لأن الفيلم ابرز شقاء المعارضين لحكم بن علي من يساريين واسلاميين ونقابيين وطلبة وتلاميذ... أنا على يقين بأن «صراع» سيلقى الدعم الذي افتقده من الدوائر الرسمية من طرف الجمهور الواسع والنقاد والإعلاميين وسائر التونسيين....وهذا عزائي الوحيد...». وإذا كان من الممكن ان نمنح توصيفا للفيلم فلن يكون سوى... «مع «صراع» لن تبقى على حيادك».