تباينت مؤخّرا الآراء و اشتدّت الإختلافات بشأن مشروع قانون المنافسة و الأسعار المعروض على مجلس نواب الشعب حيث طالب بعض أصحاب المهن ممن يشملهم هذا القانون بضرورة سحبه من أروقة المجلس وفتح استشارة وطنية واسعة مع المهنة لتنقيحه مشيرين إلى أنّ إجراءاته ردعية و عقوباته صارمة تصل حدّ السجن و الخطايا المالية مبيّنين أنّه يضع الجميع (في إشارة إلى كبار التجار و الصغار منهم) في الخانة نفسها و يمنح أعوان الرقابة الاقتصادية صلاحيات رفع المخالفات وتحرير المحاضر وتحديد مبلغ العقوبة في المقابل يرى آخرون أنّ ما أُدرج من تنقيحات صلب هذا المشروع يتطلّبه الوضع الإقتصادي و السياسي و الأمني في الوقت الراهن قصد مواكبة التطوّرات مؤكّدين أنّ بلادنا كانت سباقة إلى هذا القانون الصادر في 1991 و اكتسبت بفضله خبرة في المجال مقارنة بالدول الإفريقيّة و العربيّة. و في هذا الصدد قال محمّد العيفة المدير العام للمنافسة و الأبحاث الإقتصاديّة بوزارة التجارة ل«التونسيّة» إنّ التنقيحات التي شهدها مشروع هذا القانون لم تمسّ بجوهره وقد أحدثت لمواكبة التطوّرات و الأحداث الجديدة التي تضمنها الإقتصاد العالمي و الوطني مؤكّدا على أنّه قانون ثوريّ أحدث بداية التسعينات و ساهم في تكوين خبراء و مستشارين تونسيين و جعل بلادنا تكتسب الريادة مقارنة ببعض البلدان الأخرى. و أشار العيفة إلى أنّ هذا المشروع يسعى اليوم على إصلاح مجلس المنافسة من خلال معالجة إشكاليّة تركيبته بالترفيع في عدد القضاة و في خبرتهم من 5 إلى 10 سنوات و في تقليص آجال النظر في مشاريع التركيز الإقتصادي من 6 أشهر إلى 90 يوم. و بيّن ذات المصدر أنّه تمّ كذلك اقتراح الترفيع في العقوبات و الخطايا الماليّة في مجال الممارسات المخلّة بالمنافسة من 5 ٪ حاليا الى 10 ٪ من رقم المعاملات مؤكّدا على أن المخالفات يجب أن تكون ردعيّة ومواكبة للواقع الاقتصادي للبلاد وذلك بالإعتماد على مؤشر الاسعار مبيّنا أنّ العقوبات التي أقرّت في السابق لم تعد تتناسب والمعاملات التجارية الحالية و أضاف العيفة أنّه على مستوى مراقبة السوق تمّ تناول عدّة جوانب لتعزيز حماية المستهلك و حقوقه و ذلك عبر تمكينه من المطالبة بوصل إستلام يمكّنه من التظلّم مشيرا إلى انّ القانون تناول كذلك في جانب منه توضيح المخالفات المتعلّقة بالدعم للتصدي والحد من استعمال المواد المدعمة في غير أغراضها أو الاتجار فيها بطرق غير قانونية باعتبار ما تتحمله الدولة من دعم لهذه المنتوجات حيث تمّ إفراد المخالفات المرتبطة بدعم المنتوجات الأساسية بفصل مستقل لتوضيحها بعد أن كانت العقوبات في هذا الشأن مرتبطة بالمواد المؤطرة. واستغرب العيفة من الأصوات المنادية بضرورة سحب القانون من أروقة المجلس مبيّنا أنّ هذا القانون ليس موجّها ضدّ المؤسّسة أو المستهلك بل يعمل على منع التلاعب بمداخيل الدولة و على توضيح صلاحيات اعوان المراقبة الذين يجدون صعوبات في ممارسة عملهم بعد أن ألحقت بهم في عديد المناسبات اضرارا مؤكّدا انّ التنقيحات قد أحدثت لحماية كافّة الأطراف. هذه التنقيحات التي لاقت ترحيبا من قبل مجلس المنافسة الذي كان طالب بإضافة بعض النقاط الأخرى كتدعيم الوظيفة الاستشارية للمجلس والتمديد في آجال إبداء الرأي في مطالب التركيز الاقتصادي وعقود الاستغلال فإنّها قد قوبلت بالإنتقادات و الرفض من قبل بشير بوجدي عضو المكتب التنفيذي لمنظمة الأعراف الذي اعتبر في تصريح إعلامي أنّ مشروع قانون المنافسة الجديد تعسفيّ و قام بتقليص تمثيلية التجار في مجلس المنافسة الجديد بما يعني أنّ مجلس المنافسة تحت الرقابة المباشرة لوزير التجارة من شأنه ان يؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني مبيّنا أنّ قانون المنافسة الجديد تجاهل ظاهرة التهريب. استقلالية و في محاولة منه لإيجاد حلّ للإشكال الذي طرحه القانون في نسخته الجديدة بادر مركز الدراسات و البحوث الإقتصاديّة و الإجتماعيّة إلى لقاء بعض المنظّمات قصد التنصيص على جملة من التوصيات سيتمّ رفعها إلى مجلس نواب الشعب و في هذا الإطار دعا الاتّحاد التّونسي للصّناعة والتّجارة والصّناعات التّقليدية إلى ضرورة الإشارة بوضوح للتّهريب والتّجارة الموازية والانتصاب الفوضوي و إلى استقلالية مجلس المنافسة و احترام حقوق الدّفاع و الإبقاء على تمثيليّة الشخصيّات التي تمارس نشاطا اقتصاديا ضمن تركيبة المجلس والابتعاد على العقوبات السالبة للحرية والتقيّد بالمخالفات الاقتصادية في حين طالب مجلس المنافسة بتدعيم صلاحياته و صلاحيات سلك المقرّرين و تقليص الآجال و تدعيم حق الدّفاع ونشر ثقافة المنافسة. تنظيم مسالك التوزيع أمّا الاتّحاد التّونسي للفلاحة والصّيد البحري فقد شدّد على ضرورة النّظر في قانون منافسة جديد يرتكز على رؤية جديدة لمنوال تنمية تستجيب للمرحلة القادمة و على ضرورة اعتماد كلفة الإنتاج كمبدأ لأي قانون ينظّم الأسعار والمنافسة في رؤية واضحة حول دعم آلة الإنتاج لتوفير العرض المناسب كمّا وكيفا وهو المدخل الوحيد للضّغط على الأسعار إضافة إلى ضرورة التّنصيص صراحة على مقاومة الأسواق الموازية ومسالك التّوزيع غير المنظّمة بعد تأهيل شامل لمسالك التّوزيع مؤكّدا على أنّ بعض الإجراءات غير واقعيّة ولا يمكن تطبيقها إلاّ بعد تأهيل شامل لمسالك التّوزيع مبيّنا أنّ التّشديد وإطلاق يد أعوان مصالح المراقبة لا يمكن أن يحلّ المشكل بل في أغلب الأحيان سيكون جزءا من المشكل. مطالبا بضرورة مراعاة المنتجين الفلاحين وعدم استثنائهم واعتبارهم مثل التجار لهم الحق في خزن منتوجاتهم ومن جهتها دعت منظّمة الدّفاع عن المستهلك إلى التّنصيص على آليات تشجيع المحترمين للقانون من منتجين وتجّار وتدعم آليات السّوق و إلى تسليط أقصى العقوبات على المخالفين على أن لا يستهدف آلة الإنتاج والعرض والتجار المحترمين للقانون إضافة إلى التّنصيص على إجراءات التّصدّي للاقتصاد الموازي. أمّا منتدى خير الدّين فقد دعا إلى التّقليص في قائمة المواد غير المحرّرة و إلى التّخفيض في الأداءات البلديّة المرتبطة بتجار التّفصيل و الأخذ بعين الاعتبار في برامج التّخطيط لوجود أعداد هامة من الأجانب في تونس غير محتسبين في الإحصاءات الوطنيّة مؤكّدا على ضرورة إحياء المخطّط التّوجيهي للتّنمية بالنّسبة لتجارة التّفصيل و التّسريع في تطبيق برنامج تأهيل مسالك التّوزيع بالنّسبة للمواد الفلاحيّة و تأسيس خليّة متابعة مستمرّة لمكوّنات الكلفة بالنّسبة ل 30 من المواد الفلاحيّة ذات الاستهلاك الكبير وإلى تشجيع القطاع الخاص على التّوريد عندما تكون الأسعار جدّ مرتفعة. منوال بديل هذه التوصيات دعّمها الخبير الإقتصادي عبد الجليل البدوي عبر دعوته إلى تأجيل تطبيق مشروع المنافسة والأسعار إلى حين بلورة معالم ومحتوى المنوال التّنموي البديل و اعتماد إجراءات لتقليص الفوارق بين الاقتصاد المنظّم والاقتصاد غير المنظّم و الأنشطة الموجّهة للتّصدير والأنشطة الّتي توجّه نشاطها للسّوق الدّاخليّة و بين الخاضعين للنّظام الجبائي التّقديري والخاضعين للنّظام الجبائي الحقيقي و بين القطاع العام والقطاع الخاص مع الأخذ بعين الاعتبار عدم التّكافؤ والتّوازن السّائد في العلاقات الدّوليّة حتّى لا يقع إرساء تنافس بين اقتصاديّات غير متوازنة.