أكّدت تطورات الساعات الأخيرة قراءات سابقة بأن المستهلك المغلوب على أمره سيسقط بالضربة القاضية في عيد الإضحى بعد الاستنزاف بلا توقف الذي رضخ له طيلة أشهر بفعل تعاقب المواسم الكبرى للاستهلاك من شهر رمضان الى العودة المدرسية. مرورا بالاصطياف والافراح ومالف لفها. تلك التطورات أكدت بوضوح أن المستهلك المسكين سيكون في مرمى «المضاربة» أينما ولى وجهه سواء إلى أسواق الاضاحي الخالية من أية ضوابط تكبح جماح المحتكرين.. أو إلى نقاط البيع المنظمة أو ما يسمى «من المنتج الى المستهلك» التي صارت بدورها بؤرة للمضاربة في ضوء الأسعار التي تم الإعلان عنها مؤخرا. من جانب واحد وزير الفلاحة سعد الصديق أعلن من جانب واحد خلال الندوة الصحفية التي عقدها أمس الأول أن تسعيرة الكلغ الواحد حي ستترواح بين 10٫5 دنانير و11 دينارا و800 مليم في نقاط البيع المنظمة وهو ما يدفع إلى طرح مليون سؤال حول منطلقات هذا القرار الذي سحب من الحكومة أية إرادة لكبح جماح الأسعار. بلغة الأرقام وعلى خلفية أن مردودية الخروف من اللحم الصافي لا تتجاوز 45 % مع 3 نقاط اضافية لسلالة «طيبار» فإن الحكومة ستجبر المستهلك على أن يقتني اللحم في العيد بسعر لا يقل عن 28 دينارا الكلغ وهو ما يتجاوز بنحو 40 % أسعار اللحوم الحمراء المتداولة حاليا بمعنى آخر فإن «التسعيرة» التي أقرتها الحكومة ستنسف كليا الهدف المحوري لنقاط البيع المنظمة وهو «تعديل» العرض والأسعار وتحول البرنامج التعديلي برمته إلى أداة للمضاربة قد تفوق ماهو موجود في الأسواق العادية. معاينات ميدانية أوضاع بورصة العلوش في الايام الأخيرة تجعل هذا القرار في التسلل بما أن معدل الأسعار المتداولة في مختلف جهات البلاد لا يتجاوز 10 دنانير للكلغ الواحد حي استنادا إلى معاينات ميدانية لأطراف رسمية وأخرى مهنية. كما أن أوضاع ذات البورصة ترجح أن أسواق الأضاحي ستشهد فائضا في العرض لا يعود الى وفرة في الانتاج بقدر ما ستفرزه معطيات أخرى منها أن مسار تراجع حجم الاستهلاك من سنة إلى أخرى نتيجة التحولات الاجتماعية وأثرها على هيكلة الاستهلاك الأسري ودائرة الأولويات ستتعمق هذا العام نتيجة تعمق الأزمة الاقتصادية عقب ضربة سوسة ثم تزامن العيد مع العودة المدرسية وكذلك اهتراء الجيوب جراء التعاقب السريع لمواسم الاستهلاك الكبرى على مدى الأشهر الأخيرة. فائض في العرض معطى فائض العرض يعود أساسا الى طبيعة الانتاج الموسمي حيث أن أغلب الولادات الجديدة تحصل في فصل الخريف ومن ثمة فإن أكبر فرصة لتسويق مواليد العام الفارط ستكون عيد الاضحى وهو ما أكّدته أيضا ذات المعاينات الميدانية التي تؤكد وجود عمليات تخزين كبرى للخرفان في مختلف جهات البلاد بهدف تسويقها بمناسبة عيد الاضحى. أسعار «الرّحبة» أرحم تلك هي العوامل التي ستتحكم في بورصة الأضاحي هذا العام والتي ترجّح أن تكون الأسعار خارج النقاط البيع المنظمة أرحم بجيب المستهلك فماذا بقي من الوظيفة التعديلية لتلك النقاط؟ ثم إن الانزلاق السريع للأسعار صلب نقاط البيع المنظمة من عام إلى آخر يصنع مفارقة كبرى لجهة أن الأسعار التي ستعتمد هذا العام ستكون ضعف تلك التي كانت متداولة عام 2010 أي زيادة بنحو 100 ٪ في ظرف خمس سنوات فحسب.. وهي مسألة لن تقبل أي تفسير سوى أن البرنامج التعديلي أصبح بدوره بؤرة للمضاربة تتسبب في نزيف حاد ويدفع بمؤشر الأسعار الى الأعلى بدل أن يشده الى الأسفل. أين وزارة التجارة؟ وفي خضم هذه المفارقة أين اختفت وزارة التجارة عند طبخ هذا القرار؟ وهي المسؤول الأول عن حماية المواطن الكادح من سطوة المستكرشين وأباطرة المضاربة.