(تونس) حاولت مجلة الأحوال الشخصية منذ تاريخ صدورها في 13 أوت 1956 أن تنظم كل ما تعلّق بالعائلة، وتحصين حقوق المرأة وحمايتها من كل أوجه الاضطهاد، وقدمت لها حماية قانونية من الزوج المتعسف أو البخيل الغير المنفق أو المهمل إن صح التعبير، ومكنتها من الحق في النفقة والرعاية والمسكن، إلا أنه يحدث في بعض الأحيان أن تغادر الزوجة محل الزوجية لسبب أو لآخر، مما يجبر الزوج على إشتكائها إلى القضاء واتهامها بالنشوز. ولم يقدم القانون التونسي تعريفا لمفهوم النشوز أو المرأة الناشز صلب مجلة الأحوال الشخصية، إلا أنه بالرجوع إلى اجتهاد المحكمة وما أصدره فقه القضاء من قرارات، يمكن أن نلتمس تعريفا واضحا لمفهوم النشوز. وقد استقر فقه القضاء التونسي على أن المرأة الناشز هي الزوجة التي غادرت محل الزوجية بمحض إرادتها وامتنعت عن القيام بواجباتها الزوجية، رغم تنبيهها من قبل زوجها إلى ضرورة العودة إلى محل الزوجية عن طريق التنبيه الشفاهي أو عن طريق عدل تنفيذ. ويبقى الاستثناء الوحيد هو أن تثبت أن مغادرتها لمحل الزوجية، كانت نتيجة وجود ضرر حاصل لها، أو أن بقاءها في محل الزوجة يشكل خطرا على حياتها، مثل الاعتداء عليها بالعنف الشديد، أو تهديدها بالقتل، أو نتيجة لإلتزامات هامة أجبرتها على مغادرة محل الزوجية، وذلك بموافقة زوجها من ذلك القرار التعقيبي المدني عدد 18627 الصادر في 27 ديسمبر 2002، والذي اقتضى «يثبت نشوز الزوجة من عدم رغبتها في مساكنة زوجها دون أي مبرر معقول وهو ما يتعارض ووقائع قضية الحال التي ثبت فيها أن عدم مساكنة الزوجة لزوجها إنما تبرره مواصلة هذه الأخيرة لدراستها بالخارج والتي لم ينكر زوجها موافقته عليها». وبالتالي يمكن أن نعتبر النشوز هو امتناع الزوجة عن إتمام واجباتها المنزلية، والالتزام بمساكنة زوجها، والتملص من الواجبات الزوجية، سواء تركت الزوجة زوجها بمحل الزوجية الذي غادرته، أو أنّها تحصّنت بمحل الزوجية ومنعت الزوج من الدخول إليه، وهو ما يمكن أن يكون سببا وراء تطليقها للضرر. وقد أقرت محكمة التعقيب ذلك من خلال قرارها التعقيبي المدني عدد 1950 الصادر في 11 جويلية 2000، والذي نص على أن من شأن امتناع الزوجة عن مساكنة زوجها أن يلحق ضررا بهذا الأخير ويعد إخلالا منها بواجب حسن المعاشرة وموجبا للطلاق للضرر بناء على ثبوت النشوز. هل تستحق الناشز النفقة؟ قرار تعقيبي مدني عدد 794 مؤرخ في 1961/03/22 إن الأصل هو أن يكون الزوج مطالب بالإنفاق على زوجته المدخول بها ولو كانت خارج محل الزوجية ما دام لم يقم بمطالبتها بالمعاشرة، أو لم تكن ناشزا، وذلك من خلال رفضها وامتناعها عن الرجوع إلى محل الزوجية، وقد أيدت محكمة التعقيب ذلك من خلال قراراها الصادر في 13 فيفري 1962 حيث اعتبرت أنه «إذا أخلت الزوجة بواجباتها نحو زوجها فلا حق لها لمطالبته بالانفاق عليها تطبيقا للقاعدة الأصولية القائلة بأن ليس لأحد أن يقوم بطلب جبر معاقدة على الوفاء ما لم يثبت أنه وفيّ من جهته بما عليه لمعاقده». وقد نص الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية المنقح بمقتضى القانون عدد 74 لسنة 1993 المؤرخ في 12 جويلية 1993، على واجب الزوجة مساكنة زوجها، حيث نص على أنه «على كل واحد من الزوجين أن يعامل الأخر بالمعروف ويحسن عشرته ويتجنب إلحاق الضرر به، ويقوم الزوجان بالواجبات الزوجية حسبما يقتضيه العرف والعادة»، وهو ما يجعل لها الحق في المطالبة بالنفقة حسب ما اقتضاه الفصل 38من مجلة الأحوال الشخصية، وبالتالي فإن المساكنة تعد من أبرز مظاهر ترابط الزوجين بعقد الزواج، وإصرار الزوجة على البقاء خارج محل الزوجية يجعلها خارقة لمقتضيات الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية، وغير ملتزمة بواجباتها، وبالتالي فإن من لم يف بإلتزامه لا يمكن له أن يطالب غيره بالوفاء له على معنى الفصل 246 من مجلة الالتزامات والعقود، إضافة إلى تسببها في الضرر للزوج، في عرضه وماله، وهو ما يكون موجبا للطلاق للضرر.