بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    اليوم آخر أجل لخلاص معلوم الجولان    الإسناد اليمني لا يتخلّى عن فلسطين ... صاروخ بالستي يشلّ مطار بن غوريون    مع الشروق : كتبت لهم في المهد شهادة الأبطال !    الأنور المرزوقي ينقل كلمة بودربالة في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي .. تنديد بجرائم الاحتلال ودعوة الى تحرّك عربي موحد    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    حجز أجهزة إتصال تستعمل للغش في الإمتحانات بحوزة أجنبي حاول إجتياز الحدود البرية خلسة..    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة: أمطار بهذه المناطق..#خبر_عاجل    قطع زيارته لترامب.. نقل الرئيس الصربي لمستشفى عسكري    عاجل/ بعد تداول صور تعرض سجين الى التعذيب: وزارة العدل تكشف وتوضح..    كأس إفريقيا للأمم تحت 20 سنة: فوز ثمين لنسور قرطاج على كينيا ينعش حظوظ التأهل    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    الملاسين وسيدي حسين.. إيقاف 3 مطلوبين في قضايا حق عام    إحباط هجوم بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا'المليوني'    نهوض المزونة يضمد الجراح ويبث الفرحة بالصعود الى الرابطة الثالثة    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    نقيب الصحفيين : نسعى لوضع آليات جديدة لدعم قطاع الصحافة .. تحدد مشاكل الصحفيين وتقدم الحلول    نهاية عصر البن: قهوة اصطناعية تغزو الأسواق    حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص ببن عروس    أهم الأحداث الوطنية في تونس خلال شهر أفريل 2025    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    الكاف: انطلاق موسم حصاد الأعلاف مطلع الأسبوع القادم وسط توقّعات بتحقيق صابة وفيرة وذات جودة    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    مبادرة تشريعية تتعلق بإحداث صندوق رعاية كبار السن    تسجيل ثالث حالة وفاة لحادث عقارب    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    إحباط عمليات تهريب بضاعة مجهولة المصدر قيمتها 120 ألف دينار في غار الماء وطبرقة.    إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    أريانة: القبض على تلميذين يسرقان الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    وفاة وليد مصطفى زوج كارول سماحة    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نذير بن عمّو ل«التونسية»:التعاون مع «النهضة» ليس جريمة
نشر في التونسية يوم 07 - 12 - 2015


استقلاليتي لا تعني إصدار أوامر للقضاة...
و«قضاة الفضائيات» عبث
لم نشجع عقلية «مواطنون ضدّ الإرهاب»
بل نمت عقلية «ماذا فعلتم لنا؟»

هذه خلفيات اتهامي بضعف الأداء وبالتبعية لنور الدين البحيري

مطلوب مجلس وطني للتربية والتعليم وآخر للبحث العلمي
حاوره: مصطفى الشارني
التونسية (تونس)
نذير بن عمّو هو خريج التعليم العمومي المجاني، أنجز كل مراحل الدراسة بتونس، أحرز على شهادة دكتورا الدولة في القانون الخاص وعلوم الإجرام في ماي 1996 حول موضوع «السلطة الرقابية لمحكمة التعقيب».
نال درجة التبريز (أستاذ محاضر) في ديسمبر من نفس السنة ثم ارتقى إلى رتبة أستاذ للتعليم العالي وهو إلى جانب ذلك محام لدى التعقيب.
مختص في القانون المدني والتجاري (التجاري العام ،الشركات والقانون البنكي) وقانون التأمين والتحكيم التجاري الداخلي والدولي.
أستاذ زائر في جامعة السوربون (فرنسا) ومنتريال (كندا) وسانت أن بيزا (إيطاليا)
لديه أعمال منشورة في ميدان اختصاصه، شارك في عديد الملتقيات والندوات العلمية الوطنية والدولية.
كلف بمهام مدير قسم القانون الخاص وبمهام نائب العميد مكلفا بالدراسات
أشرف على تركيز ماجستير متخصص في علوم التشريع وتولّى إعداد برنامجه وأشرف عليه بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس
وزير سابق للعدل وعضو مجلس نواب الشعب حاليا مساعدا للرئيس مكلفا بشؤون التشريع.
«التونسية» التقته فكان معه الحوار التالي:
بعد أكثر من ثلاثين سنة في الجامعة، ما هو تقييمكم لها الآن؟
الطموح كان أكبر بكثير من الواقع الآن، كنا نحلم بأن ترتقي الجامعة التونسية إلى مصاف الجامعات العالمية الكبرى ولم يكن ذلك عسيرا، كان لنا خيرة الأساتذة وتخرج منها إطارات الدولة ولكننا أضعنا الجامعة يوما بعد يوم...
ما هي الأسباب في رأيكم؟
غياب سياسة تعليمية متكاملة وانعدام الرؤية الاستشرافية والتغافل عن السؤال الأهم : كيف ينبغي أن يكون المواطن التونسي بعد عشرين أو خمسين أو مائة عام؟ غياب هدف وطني مشترك ، غياب البرامج الكبرى في ميدان التربية والتعليم والبحث العلمي، بقينا لعشرات السنين في طور التجريب ، نتبنى نظاما ثم نتركه قبل دراسة نتائجه (مثلا لا نعلم هل نحافظ على اللغة الفرنسية أم نستبدلها بغيرها ، وإن احتفظنا بها من أي مستوى نبدأ في تدريسها؟ ...)
هل بهذا تفسر الغياب التام للجامعات التونسية في الترتيب العالمي؟
بهذا وبغيره، ولكن قبل كل شيء، لديّ احتراز على الترتيب. يمكنك أن تكون داخل الترتيب أو خارجه في أعلاه أو في أسفله وكل ذلك يتحدد حسب المعايير المعتمدة. إذا تم اختيار معايير لا تنطبق أصلا فمن الطبيعي أن تكون خارج الترتيب. لكن في نفس الوقت الغياب عن الترتيب يعني أن هناك إشكالا حقيقيا. من بين الأسباب أننا لم نعتمد نظاما للارتقاء إلى الجامعة يقوم على الانتقاء الموضوعي ولم نحدد حاجاتنا في التشغيل ولم نقم بالربط اللازم بين التكوين والتشغيل، توخينا سياسة شعبوية وكان الهدف الترفيع في نسب النجاح وليس الإرتقاء بمستوى التعليم ، وضع الجامعات العمومية في حالة رديئة على كل المستويات.
ما هي الحلول؟
ليس هناك حلول سحرية. لكن هناك مسألتان أساسيتان في تصوري لا بد من الفصل بين السياسات العامة والمضامين. الأولى تتعلق بالبنية الأساسية والتجهيزات وضبط الحاجات والثانية بالبرامج ... لا يمكن أن يترك تحديد المضامين والبرامج إلى الوزارة بل لا بد من بعث مجلس وطني للتربية والتعليم يكون منتخبا من أهل القطاع ويضم الكفاءات العاملة في الميدان يتولى ضبط التصورات ومتابعة تنفيذها، كذلك لا بد من بعث مركز وطني للبحث العلمي لأن البحث العلمي الآن مشتت بين الجامعات، ليس هناك تشجيع على الإنتاج العلمي.كما أنه لا بد من توخي توجه واضح في تحديد دور التعليم الخاص وخاصة منه الجامعي. ذلك أنه بالرغم من نظام التوجيه الصارم يبدو التعليم العالي الخاص مدخلا إلى جامعة انتقائية تعمل بمعيار المال.
هل أفهم أنكم ضد التعليم الخاص؟
أنا ضد استقالة الدولة من التعليم العمومي وضد توحش القطاع الخاص في التعليم. لا أفهم كيف نقبل أن تعيش المؤسسات العمومية على التبرعات بعد أن وصلت إلى حد من الإهمال لا يقبله العقل. إذا أراد الخواص أن يستثمروا في التعليم فليكن ذلك في إطار المؤسسات العمومية. يجب أن تكون السياسة تجاه التعليم الخاص واضحة، هناك شراكة ضرورية بين القطاعين في إطار برامج تكاملية لا أن يكون نظامان بسرعتين مختلفتين.
هل ينطبق هذا على تدريس القانون؟
بكل تأكيد يتم تدريس المادة القانونية دون تفكير في ما بعد الجامعة، لا يوجد تواصل ولا تنسيق في البرامج بين الكليات والمعهد الأعلى للقضاء والمعهد الأعلى للمحاماة ... الكليات تقدم تكوينا نظريا صرفا لا يقوم على أي تدريس عملي، والغريب أن هناك إجازات تطبيقية ليس فيها من التطبيقي إلا الاسم. من الضروري أن يتم التمازج في التكوين وأن يترك للتعليم التطبيقي مكانة أساسية. في البلدان المتقدمة توجد محاكم داخل الجامعة يتم تدريب الطلبة منذ السنة الأولى على التعامل معها ومع مؤسساتها أما في بلادنا فطالب الحقوق يغادر الكلية دون أن يرى ولو بالصورة محكمة من الحاكم.
هل هذا دليل على خطإ في التصور؟
بكل تأكيد لما عرض علينا نظام «إمد» (إجازة، ماجستير ، دكتورا) عارضناه بشدة ولكن ذلك لم ينفع وكان السبب الأصلي للاعتراض هو أن هذا النظام يستوجب كليات بعدد محدود من الطلبة وبتجهيزات كاملة على ذمة الإدارة وبالعدد الكافي من أساتذة الاختصاص وكل هذا يشهد نقصا فادحا ... لا يمكن أن تتبنى نظام «إمد» عندما يكون في المستوى الواحد أكثر من خمسمائة طالب مطالبون بالخضوع إلى نظام مراقبة مستمرة وإلى امتحان سداسي وامتحان نهائي ودورات تدارك. النتيجة أن الوقت المقضّى في الامتحانات يتجاوز الوقت المخصص للتدريس وهذا ما من شأنه أن يؤثر على مستوى التكوين ، فضلا عن التقليص المترتب عن هذا النظام في الزمن المخصص للإجازة (من أربع سنوات إلى ثلاث).
هل هذا يعني أن نظام «إمد» غير صالح؟
نعم، على الأقل في المادة القانونية. لا أفهم كيف يكون هناك نظام خاص لتدريس الطب ولا يكون كذلك في تدريس القانون مع أن أي انحراف في التكوين يؤدي إلى كوارث لا تقل عن تلك التي قد تحدث عن الانحرافات في تدريس الطب. وأعتقد أن التكوين القانوني لا يمكن أن يكون تكوينا أصليا بمعنى أنه لا بد من أن يكون المرشح محرزا على شهادة في ميدان آخر (علم الاجتماع، الفلسفة، أو أي اختصاص آخر ) حتى يتكون له اتساع في الرؤى والنضج اللازمان لممارسة المهن والوظائف القانونية ، ثم بعد تكوين عام يمكن أن يختار تخصصا إما في القضاء أو المحاماة أو الأكاديمية.
هل أنتم متفائلون لمستقبل الجامعة؟
لست متفائلا ولا متشائما ، بل أرغب في أن أكون واقعيا. إذا لم يقع تصور متكامل لإصلاح جذري للجامعة فلا أرى مستقبلا لها.
كيف توجهتم إلى السياسة وبأي فكر؟
انخراطي في العمل السياسي لم يكن عن إعداد مسبق ولم يكن أبدا في برامجي المستقبلية... لو لم تكن الثورة لما قبلت أبدا وكان قبولي من منطلق الاعتقاد أنه لا بد من تقديم شيء للوطن، الاعتراف بجمائله ومحاولة رد القليل منها. الفكر الذي يقودني يعتمد موجها وحيدا أن هدف السياسة هو تحقيق الخير العام وأنه لا توجد طريقة وحيدة لبلوغ هذا الهدف. من ذلك المنطلق أعتقد أنه لا يمكن لتوجه فكري أو عقائدي أو أيديولوجي وحيد أن يحقق هذه الغاية. لو اعتقدنا خلاف ذلك ودعمناه بفكر الإقصاء فإن العواقب ستكون وخيمة. لا مجال لإقصاء الآخر ما دام الكل ملتزمين بفكرة دولة القانون.
ولكنكم واصلتم العمل السياسي بانخراطكم في الانتخابات التشريعية...
نعم ولكن ذلك أيضا لم يكن مخططا له وعندما اقترح علي الأمر قررت القبول أملا في أن أحقق الإضافة من وجهة نظر العمل النيابي. العمل التشريعي وإن كان لا يخلو من خلفية سياسية فهو عمل تقني بالأساس والمفروض أن يتواجد رجال القانون بالعدد الكافي في أيّ مجلس تشريعي مع مراعاة ضرورة تنويع الاختصاصات. ما نلاحظه الآن هو غياب رجال القانون عن بعض اللجان التشريعية وهو ما يؤثر سلبا على نوعية التشريعات.
يقال إن ما وقع في ديسمبر 2010 ثورة، هل شارك الجامعيون فيها؟
هي بالتأكيد ثورة، ثورة قد لا تستجيب لمقاييس ثورات أخرى، ولكن ذلك هو ما يؤكد أنها كانت فعلا ثورة حقيقية نابعة من صميم الواقع التونسي ومن آلام شعبه المتراكمة على امتداد السنين... ثورة حسم فيها الشباب الأمر برفضه الظلم والاستبداد والفساد والتهميش ..هي ثورة اجتماعية تهدف إلى تحقيق الحرية والمساواة والتوازن بين الجهات، تهدف إلى ضمان الحق في الشغل وترسيخ حكم القانون ... ومهما قيل من تدخل وتأثير قوى أجنبية فإن ذلك ليس إلا محاولة للتشويه، كانت هناك بالفعل ثورة غذّاها الشعور بالظلم والتوق للانعتاق من نظام قائم على الفساد والاستبداد.
الثورة إذن جملة مسارات وتراكمات يقوم فيها الفكر بدور محوري، تذكّر الثورة الفرنسية والدور المحوري لفلاسفة الأنوار.. وليست العبرة إذن في مسار واحد بل فيها مجتمعة. ثورة ساهم فيها الجامعيون بمختلف اتجاهاتهم الفكرية ومواقعهم ، ساهموا في الإعداد لها سواء في مدارج الكليات (ما يتميز به دور الجامعي هو التدريب على الفكر الحر والتوجيه النقدي بمعنى أن الطالب لا يكتفي بما يقدم له على أنه حقيقة لا جدال فيها بل عليه أن يشك ويبني يقينه بذاته وهذا هو أحد معاني الثورة) أو عبر النضال الميداني ضمن مختلف الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني... الشباب وعامة الشعب كانوا الوجه الظاهر أو البارز للثورة لكن مختلف القوى الأخرى من جامعيين ومثقفين وسياسيين وغيرهم كانوا العمق الفكري للثورة .. .
لا يمكن للملاحظ أن يمتنع عن المقارنة بين مكانة الجامعي وأداء الوزير، كيف تفسرون الفرق بين السمعة العالية لدوركم بصفتكم أستاذا جامعيا وما يقال عن ضعف أدائكم بصفتكم وزيرا؟
مسألة ضعف أداء الوزير هي من المغالطات الكبرى التي لا يزال البعض يروّج لها لضرب كلّ مستقل يتعاون مع «النهضة» حتى ولو في إطار ائتلاف حكومي مع أحزاب أخرى وهي أيضا حكم بالفشل حتى من قبل الشروع في ممارسة المهام وهي كذلك ترويج للفكرة أن الأستاذ الجامعي يعيش في برجه العاجي وإذا تم الإلقاء به في بحر السياسة يغرق.
كيف يمكن القول بأنّ أداء الوزير ضعيفا والحال أنّه تمّت مهاجمته والتصدّي لبرنامجه من مختلف القوى ومراكز النفوذ والمصالح الشخصية المختلفة؟ .. إذا كان فعلا ضعيفا فلماذا كلّ تلك التحركات المناوئة؟... هل يتطلب التصدّي لوزير ضعيف اجتماع كل تلك القوى من داخل المنظومة القضائية ومن خارجها بل حتى من بعض الأطراف الحكومية والإدارية؟...الحقيقة أنّ الوزير فهم دواليب وزارته وفهم متطلبات الإصلاح ووضع برنامجا متكاملا لذلك وهو برنامج يقوم على فكرة العائلة القضائية بما فيها من قضاة ومحامين وعدول تنفيذ وخبراء عدليين، بدءا بالتكوين الأصلي والتأهيل المهني والعلمي مرورا بأوضاع المحاكم والسجون وانتهاء بإعادة النظر جوهريا في المنظومة الجزائية ، غير أنه كان من شأن البرنامج تهديد مواقع البعض وامتيازاتهم وكذلك برامجهم الشخصية وطموحاتهم...كما أنّ البعض الآخر ولأسباب سياسوية بحتة وفي إطار بناء تحالفات والرغبة في الابتعاد عن الصراعات سعوا كلهم إلى ضرب الوزير ومحاولة إضعافه وإبرازه فاشلا... كانت هناك إذن نية واضحة في إفشال كل مسعى إصلاحي.
هل تقصدون محاولة إدماج المحامين في سلك القضاء؟
ليس هذا فحسب ، ولكن في ذلك الموضوع لم يكن الأمر متعلقا بإدماج المحامين والجامعيين بل بانتداب قضاة من بينهم اعتمادا على معايير التجربة والكفاءة والأمانة. وكانت هذه إمكانية مقررة بصريح نص القانون الأساسي للقضاة وهي تقوم على فكرة أن العاملين في مجال القضاء والقانون يشكلون عائلة واحدة ولا معنى للتفريق بينهم تفريقا عبثيا .
ولكنكم حاولتم إغراق القضاء بهؤلاء الوافدين؟
بالعكس، كانت الفكرة قائمة على ضرورة إدخال نفس جديد وإثراء القضاء وليس إغراقه، الوافدون سيصبحون قضاة ولن يستمروا على صفاتهم السابقة. لاحظت منذ تولي شؤون الوزارة أن هناك نقصا فادحا في الإطار القضائي وقد أذنت للتفقدية العامة بإجراء دراسة مدققة في الحاجات للسنوات الثلاث المقبلة (2014 - 2015 و2016) على مستوى كافة المحاكم وكانت النتيجة مدهشة ، هناك نقص ب650 قاضيا كان القضاء في حاجة حينية ومباشرة إليهم ولم تكن هناك إمكانية لمواجهة النقص بالوسائل التقليدية لأن الانتداب بطريق المناظرة العادية كان يتطلب وقتا طويلا إذا أخذنا بالاعتبار ما يستغرقه التكوين بالمعهد الأعلى للقضاء، لذلك أعددت مشروع قرار انتداب 533 قاضيا من بين المحامين والجامعيين بعد التشاور مع وزير المالية والاتفاق معه في ما يتعلق بتخصيص الاعتمادات المالية لذلك.
ولكن الطلبة غضبوا واتهموكم بعدم مراعاة مستقبلهم وحقهم في الشغل؟
في الواقع لم يغضب الطلبة بل تم تجييش البعض منهم من قبل قوى مختلفة لا يربطها بالجامعة أيّ رابط سوى استغلال الطلبة لتحقيق مآرب أخرى وهؤلاء الأطراف معلومون لدى العموم بانتماءاتهم المتطرفة... وقد تبين للطلبة بكلّ وضوح في ما بعد أنّ من تنقل إليهم ومن سعى إلى تجييشهم كان يستعملهم لا غير ورفض حتى زيارتهم والتفاعل مع من أضرب منهم إضراب جوع...
ولكنهم لم يفهموا وحاولوا منعكم من التدريس عندما عدتم إلى الجامعة؟
كان ذلك السبب الظاهر .. القرار كان مبرمجا خلال ديسمبر 2013 واستقالت الحكومة ولم يؤشر عليه رئيسها وجاءت حكومة جديدة ولم يقع تبنيه من قبلها... واستأنفت التدريس في سبتمبر 2013 وقد تزامن ذلك مع ترشحي ضمن قائمة «النهضة» ولما جاءت جماعة من غير طلبة كلية الحقوق ينتمون إلى شق سياسي إيديولوجي متطرف وكانت الرسالة واضحة : السبب هو التحاقك بقائمة «النهضة»، السبب إذن هو تطرف سياسي وإقصاء للآخر.
هل ستعودون إلى الجامعة؟
وهل غادرتها حتى أعود إليها؟ أنا الآن على ذمة مجلس نواب الشعب ولكنني لم أتخل عن صفتي كجامعي ولا أزال أمارس البحث وتأطير أطروحات الدكتورا. هناك نقص فادح في القانون الانتخابي الذي يمنع موظفي الدولة دون تمييز من ممارسة وظائفهم وكان الأجدى استثناء الجامعيين بسبب العلاقة الوثيقة بين دور النائب ودور الباحث وخاصة إذا كان مختصا في مجال القانون الذي تكون إضافته منقوصة إذا تم منعه من التدريس والبحث ، ونحن الآن بصدد إعداد مبادرة تشريعية لتنقيح القانون في هذا الاتجاه. ولكن مهما كان الأمر فإنني بمجرد انتهاء مهامي كنائب سأستأنف نشاطي في الجامعة.
تم تقديمكم كمستقل ولكن سرعان ما تم اتهامكم بالتبعية للوزير البحيري ثم أكدتم عدم الاستقلالية بانخراطكم في قائمة «النهضة» بمناسبة الانتخابات التشريعية، كيف تردون على هذا؟
الاتهام بغياب الاستقلالية كان مقصودا منه إرباك الوزير ومن ورائه الحكومة . للأسف من السهل أن تضع الملصقات (بمعنى الآراء المسبقة) ولكنه من الصعب إزالتها. يتهمونك بعدم الاستقلالية حتى يقع إلهاؤك بمحاولات إثبات العكس، وينتظرون منك أول زلة ... وتبقى تواصل المحاولات ولا يصدقونك («لو خرجت من جلدك ما عرفتك»). كان المطلوب في تصور الكثيرين أن الوزير الذي يريد إثبات استقلاليته أن يقوم بعمل «بطولي» في أول قرار له وأن يتولى نقض كل القرارات التي اتخذها سلفه، وهذه عقلية يجب التخلص منها إذا أردنا أن نتقدم. لا يكون إثبات الوجود بالهدم بل بأسلوب استمرارية الدولة وأن ما تم إنجازه قبلك هو تكريس لتلك الاستمرارية.لم يكن لدي فكرة «البناء على الأنقاض» بل كنت أرى أن عملية الإصلاح لم تبدأ بعد وأنه علي أن أبدأ تدريجيا في تنفيذ برنامج متكامل.
لم تكونوا إذا تأتمرون بأوامر وزير العدل السابق كما يقول البعض؟
كثيرون قالوا هذا وهذا داخل في التضليل والتشويش. وأقول لك منذ البداية ، لم أكن في حاجة إلى أن أصبح وزيرا ولا أن أبقى كذلك لأنني أعتبر أنني كجامعي وكمحام في وضع أفضل من وضع الوزير بكل المعاني، وللعودة إلى سؤالك، الوزير البحيري كان عضوا كغيره من أعضاء الحكومة التي يشرف عليها رئيسها وكان يدلي برأيه مثل غيره من الوزراء دون أمر أو نهي ... رئيس الحكومة نفسه لم تكن له أوامر ونواه وكان كل شيء يمر عبر التنسيق والتشاور والاتفاق معه وهذا طبيعي ومطلوب، لأن الحكومة فريق يتطلب عمله حدا أدنى من التناسق، الوزير المستقل ليس «دولة» داخل الحكومة يحكم بأحكامه ، هو مستقل عن الأحزاب ولكنه بمقتضى مبدإ التضامن الحكومي عليه أن ينسجم مع اختيارات الحكومة وسياساتها وإذا رأى أنها لا تتلاءم مع قناعاته فليس له من اختيار سوى أن يستقيل .
طيب ولكنكم كنتم أمام اختبار آخر للاستقلالية؟
وما كان ذلك؟
قضية سامي الفهري ...
هذا أول الفخاخ التي كانت تنتظر الوزير الجديد الذي لم يمض على توليه أسبوعان والسؤال كان سهلا : إما أن تطلق سراح سامي الفهري فتثبت استقلاليتك أو أنك ترفض فتكون غير مستقل ... وهذا قمة العبث. عندما تكون وراءك قناة تلفزية واسعة الانتشار يمكنك أن تلهو بالرأي العام كما تشاء، يمكنك حتى أن تؤسس قضاء موازيا أسميه «قضاء الفضائيات».سامي الفهري كان موقوفا على ذمة القضاء بإذن من القضاء ولم يكن بمقدور أية سلطة أخرى غير القضاء أن تقرّر الإفراج عنه. كان من قبيل التناقض المفضوح أن نطالب باستقلال القضاء وأن يطالب البعض الوزير بالتدخل في عمل القضاء للإفراج عن سامي الفهري... طيب ... في تلك الفترة كان عدد الموقوفين على ذمة القضاء يقارب الثلاثة عشر ألفا من جملة خمسة وعشرين ألف سجين... لماذا لم يطالبوا بالإفراج عن جميع هؤلاء؟
ولكنكم بصفتكم وزيرا للعدل كنتم رئيس النيابة العمومية وكان بإمكانكم فعل ما تريدون.
هذه أيضا مغالطة أرادوا بها أن يصلوا إلى النتيجة المطلوبة. سبق أن صرحت في عديد المناسبات أنّ وزير العدل هو سلطة إشراف على النيابة العمومية وأنّه ليست له سلطة رئاسية وقد حصر القانون مجال تدخله ( الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية) الوزير يبلّغ إلى وكيل الجمهورية كل ما يكون فيه مخالفة للقانون الجزائي والنيابة تخضع لمبدإ ملاءمة التتبع ولا تخضع لأوامر الوزير فهي حرة في أن تتبع أو أن لا تتبع وعندما يقع الاحتفاظ بالمظنون فيه فالقضاء هو وحده الذي يمكنه أن يطلق سراحه ، الوزير لا يعطي أوامر بسجن الأشخاص أو بإطلاق سراحهم.... هذه قراءتي لعلاقة وزير العدل بالنيابة العمومية في إطار النصوص الحالية وقد طبقت ذلك عندما توليت الوزارة ولم أسع إلى التدخل في شؤون النيابة مطلقا... ولم أتدخل في أي ملف قضائي (سامي الفهري أو غيره ) ...هذا توجه إيجابي وقراءة ثورية للعلاقة بين الوزير والنيابة العمومية لم يتم حسن استعمالها بل سعى الكثيرون لاتهامي بالضعف ودفعي للتدخل في أعمال النيابة والقضاء بتعلات واهية واليوم هم نفس الأشخاص تقريبا يلومون على وزير العدل الحالي اعتماده على قراءتهم للنصوص ...
قدمتم الدليل على انعدام استقلاليتكم بانخراطكم في القائمة الانتخابية لحزب «النهضة».
لنتفق من البداية على مفهوم الاستقلالية. لم يكن لي وليس لي إلى الآن أي انتماء حزبي أو سياسي. أنا لم أنخرط في حزب «النهضة»، وأبقى كما في السابق غير منتم إلى أي حزب، وفي نفس الوقت قبلت كمستقل أن أكون مرشحا في قائمة حزبية وهذا أمر يسمح به القانون الانتخابي وكنت أعول على أن يلتقط المتتبعون إشارة هامة وهي أنني لا أرفض التعامل مع الأحزاب إلا لكونها لا تؤمن بالثورة أو لا تؤمن بمبادئ الجمهورية والدولة المدنية وما عدى ذلك لا أرى مبررا لرفض التعامل مع أي حزب.
وبخصوص حزب «النهضة» بالذات أريد التأكيد على العقلية السائدة القائمة على التهمة والعدائية والإقصاء تجاهه وتجاه كل متعاون معه ، وهي عقلية منافية للديمقراطية، حزب «النهضة» حزب عريق يضم مناضلين لا يشكك أحد في نضاليتهم وما لقوه من معاناة والتعاون معه ليس جريمة. أن أكون مستقلا عنه لا يعني أنني لا أشاركه كما أشارك بقية الأحزاب مبادئ أؤمن بها. في ما عدا ذلك، ليست الاستقلالية إعلانا شكليا، هي أعمق من ذلك بكثير وهي تعني أن الشخص يتصرف تجاه المسائل المعروضة بكل حرية فكرية وهذه الحرية تظهر في الأعمال والممارسات ولن أكرر وأعيد القول إنني مستقل بل أترك غيري أن يلاحظ ذلك.
ولكن يقال إنكم من الخلايا النائمة للاتجاه الإسلامي في الجامعة منذ التسعينات؟...
وهل يعني هذا أن الخلية النائمة تبقى نائمة حتى ولو غاب سبب نومها؟ ألم يكن الأفضل عندما أحرز حزب «النهضة» على التأشيرة أن أستفيق من سباتي وآخذ موقعي فيه بصفة طبيعية؟
ولكن قد تكون هذه من المراوغات التي تقوم بها حركة «النهضة»؟
كان الأفضل أن تسأل عنها ممثلا عن حزب «النهضة» ... هذه الادعاءات نسيج خيال أصحابها وكان هذا يفترض مشاركة وعلما مني ... وللتاريخ كان أول من اتصل بي لاقتراح الحقيبة أحد وزراء التكتل بواسطة صديقة من نساء ديمقراطيات وكان أول لقاء لي بالسيد علي العريض بعد تشكيل الحكومة وكان ذلك بقصر الضيافة في قرطاج وأول لقاء بالشيخ راشد الغنوشي قبل بداية الحملة الانتخابية بأسبوع بالوردية ... لو كان لي أي انتماء لما ترددت في إظهاره ... الانتماء إلى حزب أو تنظيم أو منظمة شرف لصاحبه ومسؤولية يتحملها ولكنني قررت عدم الانتماء مطلقا (ببطاقة أو بدونها) ولا حسيب علي في ذلك إلا ضميري.
هل يعني هذا أنه يمكنكم أن تصوتوا ضد الكتلة البرلمانية التي تنتمون إليها؟
نعم بالتأكيد وقد سبق لي أن فعلت ذلك وسأفعل ذلك كلما كان اتجاه التصويت مخالفا لقناعاتي.
يعود ملف الإعلام وعلاقته بالسلطة مرة بعد أخرى إلى واجهة الأحداث ، كيف ترون حلا لهذه المسألة؟
سبق لي أن عبرت عن رأيي في هذا الموضوع منذ 2013 خلال منتدى عالمي حول حرية الإعلام ونبهت إلى أن مناخ الحرية الذي ساد منذ الأيام الأولى للثورة قد لا يستمر وأنه من مسؤولية الإعلاميين أن يضبطوا حدودهم بأنفسهم قبل أن تفرضها السلطة عليهم ... هناك ما يسمى بالمواثيق المهنية وهي مواثيق ليس لها طابع الإلزام القانوني بل تقوم على التزام المهنيين أنفسهم بالحدود التي يضبطونها ويكون الجزاء منهم وعليهم...
ما هي رؤياكم لملف الإرهاب؟
ما حدث مؤخرا في باريس ثم في شارع محمد الخامس بالعاصمة دليل آخر على أن الإرهاب لا يعنينا نحن فقط بل هو آفة تتجاوز الحدود وأن محاربته لا تكون إلا بتعاون دولي وثيق. أما في ما يهمنا ألاحظ أن الصدمة الفعلية لم تقع بعد حتى نستفيق ونأخذ الأمور بالجدية اللازمة قصد معالجة جذرية للموضوع بالرغم من وقائع دامية مثل ذبح الجنود في الشعانبي وواقعتي باردو والقنطاوي وذبح الراعي السلطاني في مغيلة ... أكبر الخوف هو أن نتعود على منظر الدماء والقتل البشع (التلفزة الوطنية والصحف) وأن يصبح الإرهاب شيئا عاديا وبالرغم أننا منذ مدة أعلنا عن الحرب على الإرهاب فإنه لا يوجد تغيير ملموس حتى في السلوكات اليومية... أعتقد أن البيئة المحيطة -بما يطغى عليها من تسيب وفوضى- هي أول حاضنة للإرهاب (الفوضى في حركة المرور وتوقف العربات، البناءات الفوضوية، الانتصاب الفوضوي، كل ذلك يزيد من خطر الإرهاب لأنه يساعده على التخفي). لم نشجع عقلية «مواطنون ضد الإرهاب» بل نمت عقلية الانتظار «ماذا فعلتم لنا؟»
ما هو المطلوب إذن؟
المطلوب المساهمة الفعلية في الدفاع عن الوطن ... المطلوب الآن إعادة الروح إلى الخدمة الوطنية الإجبارية ... لماذا لا نعود إلى تجربة الأستاذ أحمد المستيري لما كان على رأس وزارة الدفاع؟، التلاميذ والطلبة يقضون شهرا على الأقل خلال العطلة الصيفية في الجيش، الانخراط في الوظيفة العمومية يكون بعد تقضية المدة اللازمة في الخدمة العسكرية لتلقين مبادئ الانضباط وترسيخ حب الوطن وبذل النفس في الذود عنه.المطلوب أيضا القضاء على السببين الرئيسيين للإرهاب : الفقر والجهل.
ماذا تقصدون؟
الجهل في مفهومي ليس عدم العلم بالقراءة والكتابة ... الجهل موجود حتى لدى أصحاب الشهائد العليا، الجهل بالنسبة إلي هو عدم استيعاب المعارف والثقافات وإنكار الاختلاف في الآراء والمعتقدات، هناك فشل واضح في المنظومة التعليمية، لم ننجح في إنتاج أنماط تفكير بل تكاثر عندنا سلوك يقوم على التهام المعلومات دون هضمها يتم قذفها عند الامتحان ثم تندثر وهذا ما يفسر وجود العديد من المتعلمين ولا أقول المثقفين بين صفوف الإرهابيين.
من جهة أخرى لا أضيف جديدا لو قلت إن الفقر هو سبب أساسي في نشأة وفي تواصل الإرهاب والفقر هنا هو نقص أو انعدام الوسائل التي تمكن المجموعة من الارتقاء إلى مستوى اقتصادي واجتماعي أفضل... ومع أنه لا اختصاص لي في الاقتصاد أقول إننا لم نجد إلى الآن النظام الأمثل... التعويل على الاقتراض الأجنبي لن يزيدنا إلا فقرا وفي نفس الوقت لا يمكن ألّا نقترض إطلاقا، ولكن اقتراضنا موجه في جزء كبير منه إلى مواجهة الزيادة في الأجور، وعند عدم الزيادة هناك إضرابات واحتجاجات وتراجع أكبر للاقتصاد.
ولكن الإضراب حق مضمون بالدستور؟
هو كذلك ولكن للأسف لا يوجد لدينا الكثير من الفكر الخلاق، الإضراب لا يمكن أن يكون إلا الوسيلة الأخيرة بعد استنفاد طرق أخرى للتعبير عن المواقف والمطالبة بالحقوق. لم تتطور لدينا عقلية تقديس العمل بل بالعكس هناك عقلية مناقضة (نخدم على قد فلوسهم) وفي الوقت الذي كان فيه من الضروري أن نعمل بلا انقطاع صرنا نعمل أقل بكثير مما هو مطلوب.
ما هو في رأيكم الدور الذي يجب أن تقوم به منظمات المجتمع المدني وخاصة اتحاد الشغل؟
المطلوب إرساء ثقافة جديدة في التعامل بين مختلف مكونات المجتمع المدني وإعادة تحديد أدوار كل المتداخلين... لسنا الآن في وضع يسمح باستمرار التجاذبات وتسجيل الأهداف ضد بعضنا البعض، لا الوضع الاقتصادي ولا الأمني ولا السياسي يسمح بذلك. إذا كان بإمكان اتحاد الشغل واتحاد الأعراف أن يشكلا العنصرين الأساسيين داخل الرباعي لتحقيق أهداف الحوار الوطني فإنه لا بد عليهما من ترسيخ عقلية جديدة في معالجة الإشكالات التي يعرض عليهما حلها. نحن الآن في مرحلة جديدة انتهت سابقتها بإقرار دستور جديد وانتخابات والوضع السياسي يتدرج نحو الاستقرار، ينبغي الآن أن يعود كل منا إلى دوره.
ولكنكم تبدون وكأنكم تتناسون الأزمة داخل «نداء تونس» وتأثيراتها المحتملة على البلاد؟
لا ، لا أتناسى ذلك ، هي أزمة بالفعل وربما يمكن تفسيرها باختلاف المكونات داخل الحزب وما تفرزه من تجاذبات، وقد تكون لها تداعيات تؤثر على المشهد العام في مؤسسات الدولة وقد تؤدي إلى سقوط الحكومة وما قد ينجر عن ذلك من عودة شبح عدم الاستقرار السياسي وما يتداول حول إمكانية إجراء انتخابات مبكرة، وأعتقد أنه في غياب حلول تضمن وحدة الحزب فإن التداعيات ستكون خطيرة، ولكنني أعتقد أنها أزمة في سبيلها إلى الحل ، ومهما يكن الأمر فالأزمة ليست في كل الأحوال سلبية ، لكل أزمة أثر خلاق، ذلك أنه بعد كل أزمة يظهر واقع جديد وإضافة، وأتمنى أن يكون للأزمة داخل «النداء» إضافة إلى الحزب وإلى البلاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.