بقلم: محسن الجلاصي أكثر من شهر على شروع حكومة حمادي الجبالي في مباشرة مهامها. ولا يمكن بطبيعة الحال ان نحكم إيجابا أو سلبا على أداء هذه الحكومة التي يجب ان نعترف أنها شرعت في عملها في ظرف صعب جدا وربما أصعب مما كان سائدا في المرحلة الانتقالية الأولى خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي حيث تعيش البلاد حيرة وتخوفا من المستقبل في ضوء تزايد احتقان الوضع الاجتماعي والركود الاقتصادي الذي نتطلع جميعا إلى أن يستعيد الاقتصاد التونسي بكل مكوناته وقطاعاته انتعاشته وعافيته بأسرع وقت ممكن وان نحقق المعادلة الصعبة في الحقيقة بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي في سياسة التنمية الجديدة التي نريدها جميعا متوازنة ومتضامنة تعطى فيها الأولوية المطلقة للبعد الجهوي وللقضاء ولو تدريجيا على مظاهر اختلال التوازن بين الجهات والفئات. وما أعدته الحكومة الجديدة من برامج ومشاريع ضخمة ومتنوعة لفائدة 19 جهة على الأقل هو مؤشر على عزم الحكومة على التحرك الفاعل وعلى الإنجاز والقطع مع سياسة الوعود والمسكنات والحلول الآنية والظرفية الترقيعية. إلا أن ما تم ضبطه وبلورته من مشاريع يحتاج الى تمويلات ضخمة يصعب في الظرف الراهن تعبئتها في غياب برنامج اقتصادي للحكومة واضح ومحدد الأهداف وفي ضوء انكماش وتخوف المستثمرين التونسيين والأجانب الذين يخشون المجازفة والمغامرة بأموالهم واستثماراتهم في ظرف لم تستقر فيه الأوضاع الاجتماعية والأمنية على الرغم من التحسن النسبي المسجل وكذلك بسبب الضبابية الملحوظة في سياسة حكومة حمادي الجبالي الاقتصادية والتي لم تهتد بعد الى أقوم السبل الكفيلة بتأمين انطلاقة جدية لتحقيق تطلعات التونسيين والاستجابة لانتظارات الجهات والفئات الفقيرة والمحرومة التي ملت الانتظار والتهميش والحرمان في حين نلمس أن الحكومة تجد نفسها عاجزة على تحقيق الحد الأدنى من هذه الانتظارات والطلبات الأكيدة والملحة خاصة على مستوى توفير التجهيزات والمرافق الأساسية الحياتية والتشغيل ف «العين بصيرة واليد قصيرة» لذلك نقول إن الوضعية السائدة اليوم صعبة والآفاق تبدو غير مريحة فالحكومة على الرغم من الإرادة التي تحدوها في العمل والإنجاز مازالت تتلمس طريقها وماتزال الملفات السياسية تطغى على عملها وهي في ذات الوقت تخشى من اعداد برنامج اقتصادي واجتماعي طموح والالتزام بتنفيذه وانجازه وتخشى بالتالي الفشل مما ستكون له تأثيرات سلبية على تموقعها في المشهد السياسي في استحقاقاته الانتخابية القادمة التي يتمسك أغلبية التونسيين على أن تتم قبل موفى هذه السنة في حين مازال الائتلاف الحزبي الثلاثي الحاكم حاليا يرفض التزامه بمدة زمنية محددة وهي سنة للانتهاء من صياغة الدستور الجديد للبلاد وتنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية في سنة 2013 على أقصى تقدير. فحكومة حمادي الجبالي تبحث اليوم عن مخرج من حالة الضبابية والتخبط لذلك نعتبر أن سلسلة الحوارات واللقاءات التي شرع منذ أول أمس في اجرائها رئيس الحكومة مع أحزاب المعارضة في المجلس الوطني التأسيسي وبرمجة لقاءات تشاورية مع أحزاب أخرى خارج المجلس قد تمكن من تشخيص أكثر دقة وموضوعية للواقع ومن بلورة الحلول والآليات الكفيلة بالتجاوز في إطار وطني شامل وتعاون وثيق بين الحكومة والأحزاب والمنظمات ومكونات المجتمع المدني. وتأتي هذه السلسلة من اللقاءات والمشاورات بعد البيان الذي أصدره الباجي قائد السبسي يوم 26 جانفي الماضي وبعد المشاركة التونسية في منتدى دافوس العالمي الاقتصادي بسويسرا والتي طرحت بدورها عدة تساؤلات حول ما أثمرته هذه المشاركة. والمهم اليوم ألا تقتصر لقاءات حمادي الجبالي التشاورية مع الأحزاب والمنظمات ومكونات المجتمع المدني على العموميات أي على محاور عامة بل لا بد في اعتقادنا أن نخوض في جوهر الاهتمامات الوطنية الأساسية بما من شأنه أن ينهي حالة الضبابية والتخبط ويساهم في تأمين أسباب نجاح المرحلة الانتقالية بعد الثورة.