تعدّ فاطمة بن سعيدان من أبرز الأسماء الفنية المسرحية التي ساهمت من خلال الأعمال الملتزمة التي قدمتها في تأثيث رصيد المسرح التونسي «المناضل». ولعلّ ما يميز هذه الممثلة أنها تعطي الكثير من شخصيتها الحقيقية للأدوار التي تجسدها، وبالرغم من تنوع تجربتها السينمائية بداية من فيلم «عرب» للفاضل الجزيري مرورا ب «عصفور سطح» لفريد بوغدير و «صمت القصور» لمفيدة التلاتلي و«آخر فيلم» للنوري بوزيد وصولا الى «بنت كلثوم» لمهدي شرف فإن بن سعيدان تعتبر نفسها «بنت» خشبة المسرح وتعشقه حد «الجنون». لمعرفة جديدها وموقفها من بعض القضايا المسرحية والسياسية كان ل «التونسية» معها الحوار التالي: ماهو جديدك على الساحة الثقافية؟ شاركت في الشريط الطويل «باب الفلة» للمخرج مصلح كريم كما سجلت حضوري في فيلم «خميس عشية» لمحمد دمق وسأنطلق بعد اسبوع تقريبا في تصوير المشاهد الخاصة بي في العمل السينمائي «فلوس أكاديمي» للمخرج ابراهيم لطيف. ماهي الإضافة التي يقدمها لك تعاملك مع عديد المخرجين السينمائيين بالرغم من تشبثك بمخرج مسرحي وحيد؟ لنتحدث في البداية عن تجربتي المسرحية، فمنذ الثمانينات انضممت الى مسرح فرقة «فاميليا» للفاضل الجعايبي والتزمت فقط بتقديم ما يسمى بالمسرح السياسي المعارض أو الملتزم أما سينمائيا فلا يمكنني اختزال تعاملي مع مخرج واحد لان لكل قطاع خصوصياته وامكانياته. أعتبر التعامل بين المخرج السينمائي والممثل عملية ثنائية تخضع الى الاخذ والعطاء. فالممثل يضيف للمخرج دون ان يحرّف فكرة صاحب العمل. وشخصيا اقوم بعديد الإضافات سواء في النص أو في طريقة التعامل مع الشخصية وفي اغلب الاحيان أوفق في الاقتراحات التي أقدمها للمخرج ويتم اعتماد «التحويرات»التي اقترحها. إذن انت تقرين بأن قيمتك الفنية تشفع لك ولدى المخرجين للقيام بمثل هذه الاضافات؟ ربما..لكن المخرج بدوره يطلب من الممثل مده بتقييم للسيناريو ككل وللشخصية التي سيجسدها وبعد التجربة التي اكتسبتها اقدم لعديد المخرجين مقترحات لتحسين مستوى الحوار في صورة ما اذا لمست ضعفا فيه. أعتقد أن الثقة التي يمنحها المخرج للممثل تعطي هذا الأخير فرصة لرسم شخصية متكاملة في العمل السينمائي وهو ما حدث مثلا مع المخرجة مفيدة التلاتلي اذ طلبت من أغلب الممثلين صياغة ملامح الأبطال بعد أن مدتنا بفكرة عامة عن كل دور. ما تقييمك للأعمال المسرحية التي تم انتاجها بعد الثورة؟ طالما لم أشاهدها لا يمكنني تقييمها ولا الحكم عليها ولكني أؤمن دائما بمثلنا الشعبي الذي يقول «ما يبقى في الواد كان حجرو». ما موقفك من المسرح «المناسباتي»؟ الخطاب المسرحي لا يجب ان ينزل الى مستوى «الشعب يريد» والمسرح ليس مطالبا برفع شعارات مثلما حصل في فترة الستينات، هناك بعض المسرحيين الذين دخلوا في متاهات أخرى «وربي يعينهم» كل المسرحيين مطالبون بتقديم خطاب فني يحمل تساؤلات ويتطرق الى جملة من القضايا قد تتوقع المستقبل او تعكس الواقع او تستحضر الماضي لكنها تقدم للجمهور حقيقته «الخايبة» التي يرفض الاقرار بها حتى أمام نفسه، انا ضد تصنيف المسرح ب«ما قبل أو ما بعد الثورة» لأن المسرح الذي يحمل شعارات تلخص المناسبات فقط لا يمكن ان يصنف على أساس أنه فن، المسرح وكما يقول الجعايبي «الآن وهنا» فالمسرحي ليس «عرابني» بل هو مرآة عاكسة للقضايا الفكرية للانسانية بصفة عامة. ما ردّك على من يصنف أعمال الجعايبي في خانة المسرح النخبوي؟ غير صحيح، فالجمهور الذي يشاهد مقابلات كرة القدم ويستمع الى «المزود» هو أيضا جمهور مسرحيات الجعايبي هذه الأفكار مغلوطة لأن جمهور «يحيى يعيش» و «كوميديا» و «فاميليا» وغيرها كله من عامة الشعب فمنهم المثقف ومنهم المواطن البسيط، صحيح أن نسبة «فهم» القضايا المطروحة في الأعمال تختلف من شخص الى آخر لكن في النهاية تصل الرسالة الأساسية للعمل الى جميع الفئات. حسب رأيك هل تمكن المسرحي التونسي من افتكاك مكانته على المستويين العربي والعالمي؟ المسرح التونسي معروف في الشرق وفي أوروبا والأرجنتين واليابان إذ أصبح لديه جمهور، مهما كان نوع العمل والمسرحيون الكبار في تونس يقدمون نصا متكاملا وإضاءة متناسقة واخراجا فيه الكثير من الابداع إذ لامس العديد من المخرجين على غرار الجعايبي وعزالدين قنون النجاحات العالمية من خلال تطرقهم الى واقع القضايا الانسانية. في المسارح الأوروبية مثلا لا يقومون باستضافة وتنظيم العروض من اجل «سواد عينيك» بل لوعيهم التام بقيمة العمل. بعد «فضيحة» عرض «صاحب لحمار» هل تعتقدين أن المسيرة الفنية للفاضل الجزيري قد انتهت؟ في هذه البلاد الفنان «ماعندوش حق باش يبدع» فقط لأننا نفتقر الى فضاءات خاصة بالعروض المسرحية الكبرى، فمنذ تشييد «المسرح البلدي» بالعاصمة لم تفكر الوزارة في بناء مسارح جديدة وهو أمر مؤسف، لديّ ثقة في الفاضل وفي قدرته على تجاوز هذه «الغلطة». هل أسعدك خبر استكمال بناء مدينة الثقافة؟ أكيد.. فهذه المدينة الثقافية مكسب للجميع لكن ما أتمناه هو ان يوفر وزير الثقافة طاقما محترما من عمال النظافة حتى لا يقع اهمال هذا الانجاز. أقول هذا الطلب فقط لأني في أحيان كثيرة «نموت بالحشمة» أمام زملائنا من الخارج عندما تعتريني بعض السلوكيات التي تنم عن افتقارنا للسلوك الحضاري خاصة على مستوى تنظيف دورات المياه وعدم المحافظة على تجهيزاتها. في الغرب يدركون ان المسارح يجب تأثيثها بأفضل التجهيزات لأنها ستدوم لقرون طويلة أما في بلادنا فيشترون أبخس ما يوجد في الأسواق ونتمنى أن لا يحدث هذا في مدينة الثقافة. ما تقييمك للأوضاع السياسية؟ بكل صراحة أقول اذا ما واصلنا في هذا الاتجاه قد نعود الى وضعية أتعس من السابق، فالجوامع التي بنيت في عهد بن علي اكثر من التي بنيت في عهد بورقيبة لماذا رجعنا الآن الى الحديث عن الاسلام والدخول في مزايدات بإسم الدين؟ أصبحنا نقترب من الشك في هويتنا العربية الإسلامية. فهذا يحلل والآخر يكفر بكل صراحة «دخلونا في حيط». أتقصدين السلفيين؟ بالتأكيد اقصد هؤلاء واعتبرهم اليد اليمنى ل «النهضة» فما تبرير «الترويكا» بعدم قبضها على السلفي الذي أنزل العلم الى غاية الآن؟! نقاط استفهام عديدة أضعها في كل مرة أمام هذه الازدواجية في خطاب الحكومة فالهاروني يتحدث عن مؤامرة وديلو ينفي، ثم العريض ينقد أداء الاعلام وبعدها يذهب وزير حقوق الإنسان إلى مقر التلفزة لمساندة الاعلاميين هل هذه هي تونس؟!! أنا لا أطالب باقصاء هذا التوجه السلفي وفي المقابل لا يمكنني التعايش مع من يعتبرني كافرة ومستهترة. إذا برر بعض المساجين السياسيين افعالهم بالسجن الذي قبعوا فيه لسنوات طويلة اقول ان بن علي قام بسجن الشعب كله كلنا عانينا من دكتاتورية بن علي حتى المواطن البسيط. فالسجن ليس «اربعة حيوط» بل هو قمع للافكار والحريات الشخصية، ليس الاسلاميون هم فقط من تعذبوا في سجون الداخلية بل يوجد ايضا اليساريون والديمقراطيون وغيرهم ومثل هذه التصرفات التي يمارسها السلفيون اجدها غريبة عن «التونسي» ذاك المواطن البسيط الذي يطلب فقط لقمة العيش و «الستر». ماتقييمك لأداء المعارضة؟ أين المعارضة؟ لا أجد لها أثرا في المشهد السياسي لهذا أطلب منها الاستفاقة قبل فوات الاوان، وأطالبها بالابتعاد عن الحسابات السياسية الضيقة وتكوين ائتلاف قوي ليحصل التوازن مع الاحزاب الحاكمة. كما أطلب من المعارضين النزول الى الشوارع والتعبير عن ارائهم ونزول الشارع ليس فيه دعوة الى العنف وانما فيه مطالبة بضرورة ايجاد حلول لتصبح لدينا قيادة «صحيحة» ونبض جديد للمعارضة يقطع مع المعارضة الكارتونية في عهد بن علي ويحتكم الى الحوار النزيه والسليم حتى تبقى تونس بلدا متفتحا على جميع الحضارات وكل ما اتمناه ان أكمل بقية حايتي «كيما بديتها، مسلمة عربية وتونسية» لكن بلا املاءات.