أحمد القديدي من مواليد القيروان منتصف الأربعينات من القرن الماضي، درس بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار ثم واصل دراساته العليا بالسوربون حيث أحرز شهادة الدكتوراه ببحث عنوانه"الصحوة السياسية للإسلام وكيف حللتها الصحافة الغربية من 1980 إلى 1990 " . تحمل أحمد القديدي عدة مسؤوليات في العهد البورقيبي الطويل وخاصة إبان صعود صديقه محمد مزالي إلى المنصب الثاني في الدولة إذ كان عضو اللجنة المركزية للحزب الدستوري ومقرر لجنة الشؤون السياسية بمجلس النواب كما أدار جريدة "العمل" لسان الحزب الحاكم آنذاك(1981-1986) ، وبأفول نجم مزالي وهروبه خارج البلاد، وجد أحمد القديدي نفسه منفيا خارج. سجل أحمد القديدي صفحات من سيرته السياسية في كتاب صدر سنة 2005 بالدوحة عنوانه"ذكرياتي من السلطة إلى المنفى ". في خطوة مفاجئة عينه بن علي سفيرا لتونس في قطر شهورا قليلة قبل هروبه. وفي نهاية شهر فيفري الماضي أعلنت الھیئة التأسیسیة للاتحاد الوطني الحر(حزب توّة كما عرفه التونسيون إبان الحملة الإنتخابية) ، أنه تم تعیین أحمد القدیدي نائبا لرئیس الحزب وناطقا رسمیا مكلفا بالعلاقات العربیة والدولیة للاتحاد. وقد توجه الدكتور أحمد القديدي عبر "التونسية" برسالة الى رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي في ما يلي نصها: "كان مشهدا يشرف تونسالجديدة حين وقف رئيس الجمهورية د. منصف المرزوقي يعتذر لأسرة الزعيم صالح بن يوسف طيب الله ثراه باسم الدولة التونسية، و الزعيم الشهيد اغتيل في صيف سنة 1961 في أحد فنادق مدينة فرنكفورت بألمانيا كما اعتذر لأسرة الزعيم الحبيب بورقيبة عما ناله من ظلم بعد الإنقلاب عليه سنة 1987 فتم وضعه في إقامة جبرية قسرية أنهت حياته بشكل اضطهاد مجاني لا يليق بزعيم. إلا أنني أتمنى أيضا ألا تتردد الدولة باسم رئيسها الحالي في الإعتذار لكل المضطهدين والمقموعين و المطاردين على مدى العقود الخمسة الماضية أي في عهدي بورقيبة و بن علي. فالوفاء الذي يعبر عنه التونسيون هذه الأيام لبورقيبة بمناسبة ذكرى وفاته هو وفاء صادق لزعيم كبير لكن أخطاء بورقيبة كانت أيضا كبيرة و لا يخلو منها عهد من عهود الدول في العالم. و التاريخ نقرؤه بعيون الوفاء و لكن كذلك بعيون الحقيقة و رد الإعتبار لكل من ناله عسف أو راح ضحية إنتقام. هنا يكمن شرف الدولة العادلة المنصفة الأمينة ولا أحسب الدولة التونسية المنبثقة من شرعية الثورة إلا مؤسسة على العدل و الإنصاف والأمانة. إن أول الأسر التونسية التي علينا تقديم الإعتذار لها هي من بقي حيا من أسرة ملوك تونس الحسينيين لأن هذه الأسرة التي عزلها بورقيبة عن العرش و أسس الجمهورية في 25 جويلية 1957 تعرضت للإهانة و السلب و النهب دون أي اعتبار لما كان لها من دور وطني مع الملك الصالح محمد المنصف باشا باي الذي إختار أن ينحاز لشعبه و يواجه الإستعمار إلى أن أغتيل مسموما في منفاه بمدينة (بو) الفرنسية و كذلك الملك الصالح محمد الأمين باي الذي إختار لرئاسة حكومته من الحزب الدستوري الزعيم بورقيبة وتعرض بعد خلعه لسوء المعاملة و الإهانة و زج بأولاده و صهره الوزير محمد بن سالم وبوزيره محمد سعد الله في السجون بتهم كيدية و توفي الوزير محمد سعد الله في السجن وهو أحد مؤسسي الإدارة التونسية المستقلة كما توفي الملك محمد الأمين في شقة صغيرة بحي تونسي متواضع. ثم إن رئيس الحكومة الأسبق في وزارة الإستقلال طيب الذكر الطاهر بن عمار الذي وقع بيده وثيقة الإستقلال يستحق أهله و أولاده إعتذار الدولة بعد أن إنتقم منه بورقيبة بلا سبب وجيه و أودعه السجن حين كان مفتاح السجن بيد بورقيبة و ليس بيد القضاء. و بعد ذلك تأتي مأساة اليوسفيين من أنصار الزعيم المرحوم صالح بن يوسف و ما أصابهم في أرواحهم و أملاكهم و ذريتهم من مظالم و محو من التاريخ أعقبتها مباشرة ملاحقات اليساريين الشبان من مجموعة (آفاق) وهم من نخبة شباب تونس في أواخر الستينات ومعهم القوميون و البعثيون الذين أحبوا وطنهم لكن بطريقتهم و حسب مبادئهم فطوردوا و سجنوا و تحملوا عقودا من الملاحقات و التهميش و الضيم. و حلت منذ سنة 1969 محنة أحمد بن صالح الوزير القوي الأسبق للإقتصاد الذي مسح فيه بورقيبة سكين تورطه الشخصي وتورط حكومته في مغامرة (التعاضد) فحوكم الرجل ظلما ثم نجا بجلده للمنفى و لم يناصره أحد ممن كان في بطانة بورقيبة و حلت لعنة الزعيم بورقيبة على كل من وقف مع هذا الرجل المضطهد و قال كلمة حق في حضرة السلطان الجائر. و أحمد الله أنني كنت من هؤلاء و أنا شاب في العشرين مع رفيقين من نفس السن هما المربي الفاضل عامر سحنون و الموظف بعد ذلك في جامعة الدول العربية أحمد الهرقام و هما حيان يرزقان اليوم، حين كان محافظ الشرطة حسونة العوادي يستجوبنا يوم 4 سبتمبر 1969 بتهمة الدفاع عن بن صالح و بث البلبلة عفا الله عنه وعنا جميعا. و بعد ذلك جاءت محنة النقابيين في محطة 26 جانفي 1978 حيث دفعوا الثمن غاليا من أجل العمال و حقوقهم. ثم انتهى عهد بورقيبة بمحنة محمد مزالي رئيس الحكومة الأسبق رحمه الله الذي تشرفت بمرافقته في منفاه و تحمل تكالب النظام البائد علينا و على أهلنا و على أعراضنا لمدة عقدين فصودرت بيوتنا و شتت أولادنا و لوحقنا أنا وهو من منظمة الأنتربول سنوات طويلة و رئيس الجمهورية الحالي د. منصف المرزوقي كان أول من شد أزرنا و راسلنا و كتب في الصحف التونسية مقاله الجريء (راكب الأسد) وهو اليوم أجدر من ينصفنا أمام التاريخ و أمام الشباب التونسي الذي لم يعش مأساتنا. إن اعتذار الدولة موقف أخلاقي و سياسي و قيمي لعله يساهم في كتابة التاريخ الوطني بأكثر أمانة و عدل و إنصاف.